كتاب عربي 21

المرأة البريطانية التي فضحت السياسيين العرب!

1300x600
"لم يكن قرار الاستقالة على الصعيد الشخصي قرارا بسيطا، ولكنني أصبحت في موقع يتطلب مني الدفاع عن موقف لا يمكن الدفاع عنه أخلاقيا".

"كثير من المشاهد التي وصلت لنا من الحرب في غزة كانت تدفعني للتفكير بالاستقالة من موقعي الوزاري، وكان من أكثر هذه المشاهد تأثيرا قصف المدارس والمدنيين وقتل الأطفال الذين كانوا يلعبون الكرة على شاطئ غزة".

فكرت كثيرا قبل الاستقالة، وحينما وصلت إلى قناعة بأنني غير قادرة على التأثير في قرارات الحكومة من داخلها، ودفعها للعمل بما أؤمن به، قررت التنحي عن عملي".

هذه التصريحات وغيرها لم نسمعها ولن نسمعها في الغالب من أي وزير عربي، أو حاكم عربي، أو حتى من مدير عام في وزارة عربية، ولكننا سمعناها من وزيرة في الحكومة البريطانية، بل من واحدة من أهم لوردات الحزب الحكم في بريطانيا، البارونة سعيدة فارسي.

كانت سعيدة فارسي تمثل قصة نجاح كبيرة، وربما نادرة، في بريطانيا. عملت الشابة المولودة في العام 1971 وابنة المهاجر الباكستاني في المحاماة، ووصلت إلى درجة متقدمة جدا في هذا المجال، قبل أن تتحول في العام 2004 للعمل السياسي، ضمن حزب المحافظين، وتحصل على لقب "life peer" الذي يحلم به الكثيرون في بريطانيا. 

ارتقت فارسي في سلم العمل السياسي بسرعة قياسية، حيث أصبحت في العام 2010 إحدى رؤساء حزب المحافظين، بعد ستة سنوات فقط من دخولها لمعترك العمل السياسي، ثم أصبحت وزيرة دولة في حكومة الائتلاف في العام 2012، والمتحدثة الرئيسية باسم الحكومة في مجلس اللوردات، فكانت بذلك المرأة المسلمة الأولى التي تحصل على منصب وزاري رفيع في التاريخ البريطاني.

الوزيرة الشابة التي اعتبرها المركز الملكي للدراسات الإسلامية الاستراتيجية في العام 2010 واحدة من أكثر 500 شخصية مسلمة مؤثرة في العالم،  كان لا يزال أمامها مستقبل كبير يمكن أن تحققه في العمل السياسي، ولكنها اختارت أن تضحي بهذا المستقبل في سبيل تسجيل موقف أخلاقي، ستدفع في الغالب ثمنه غاليا على صعيد مستقبلها الشخصي، خصوصا أنه جاء قبل فترة وجيزة من الانتخابات البرلمانية في بريطانيا.

قدمت فارسي استقالتها، كما قالت في مقابلتها الأولى بعد الاستقالة في القناة البريطانية الرابعة، بسبب "فشل حكومة كاميرون باستخدام لغة صادقة وحازمة في إدانة ممارسات إسرائيل في غزة"، وهو سبب يذكرنا على أية حال باللغة الخشبية التي استخدمها حكام ومسؤولون عرب في التعليق على العدوان على غزة، ولكن الفرق أن أيا من الأشخاص العاملين مع هؤلاء المسؤولين أو الحكام لم يمتلك الشجاعة ولا الأخلاق الكافية لكي يستقيل ردا على هذه اللغة كما فعلت سعيدة فارسي.

في بريطانيا أدانت الحكومة ورئيسها قتل المدنيين دون أن تسمي إسرائيل، ولكنها في نفس الوقت أدانت هجمات حماس الصاروخية، في عبارات يمكن أن يفهم منها موقفا حياديا يساوي بين الطرفين، مع إدانة حماس بسبب رفضها للمبادرة المصرية لوقف إطلاق النار.

هذه التصريحات البريطانية لا تختلف كثيرا عن تصريحات متواترة من وزير الخارجية المصري، أو رئيسه عبد الفتاح السيسي، تحدثت جميعها عن وقف إطلاق النار، دون أن تدين بشكل مباشر وواضح العدوان الإسرائيلي، مع بعض التلميحات لإدانة حماس بسبب تعريضها المدنيين للخطر بعد أن رفضت وقف إطلاق النار وفق المبادرة المصرية. أما السعودية، فقد جاءت تصريحات أعلى منصب في البلاد بعد أكثر من شهر من بدء العدوان، صادمة وباهتة وعائمة، حيث تحدثت عن إرهاب الجماعات في كلام واضح وصريح، وذكرت "إرهاب الدول" بالإشارة والتلميح، دون أي ذكر لإسرائيل.

 في بريطانيا أدى الموقف الحكومي إلى وخزة ضمير للوزيرة سعيدة فارسي، فاستقالت؛ فيما لم يوخز نفس الموقف تقريبا ضمير أي وزير أو مسؤول في الحكومة المصرية أو السعودية أو غيرها من الدول ذات المواقف المتشابهة ليقدم استقالته احتجاجا على فشل حكومته في إدانة العدوان الإسرائيلي بشكل واضح وصادق كما فعلت فارسي.

سعيدة فارسي ربما تكون قد خسرت مستقبلا سياسيا باهرا كان بانتظارها، ولكنها بالمقابل كسبت نفسها من خلال اتخاذ موقف أخلاقي سيسجله التاريخ لها بدون شك؛ وهي إذ تكتب تاريخها كما أرادت من خلال هذا الموقف، فإنها في نفس الوقت تفضح وزراء ومسؤولين عربا، فشلوا باتخاذ موقف أخلاقي تاريخي، ورضوا بدلا من ذلك بوضع أسمائهم في قائمة طويلة للمتخاذلين العرب، كتبت بدماء أكثر من ألف وتسمعائة شهيد غزاوي.