كتاب عربي 21

اليمن على مفترق طرق

1300x600
فرض التصعيد الذي أعلنت عنه الجماعة الحوثية الشيعية المسلحة، على خلفية قرار الحكومة رفع الدعم عن المشتقات النفطية، واقعاً جديداً على الساحة اليمنية، باتت معه البلاد على مفترق طرق، إما الحرب أو المضي في مسيرة التسوية السلمية.

لم يكن الوضع الاقتصادي في اليمن، جزءاً من اهتمامات هذه الجماعة المتطرفة منذ أن بدأت تدخل في حرب وجود مع الدولة عام 2004. فهي مشروع إيراني بامتياز، يتأسس على معتقدات شيعية، تَعتَبرُ أن الحكم شأنٌ يخص سلالة محددة في الأمة الإسلامية، تنحدر من "البطنين"، أي من علي وفاطمة.

تأسس المذهب الزيدي في اليمن على يد الهادي إلى الحق يحيى ابن الحسين، منذ ما قبل ألف عام تقريباً، على إثر سقوط الدولة الزيدية في الديلم، فيما يُعرف بإيران حالياً، ومنذ ذلك الوقت، والجزء الشمالي الغربي من البلاد، يشهد نفوذاً متقطعاً للأئمة الزيدية، كان يتوسع أحياناً ليشمل أجزاء واسعة من اليمن، ولكن لفترات محدودة فقط، وأحياناً كان الإمام ينكفئ لا ينازع الدول اليمنية القوية التي كانت تفرض نفوذها على كامل اليمن في معظم الأوقات، وهذا الأمر ينطبق على فترتي الوجود العثماني في اليمن  أي منذ العام 1517 وحتى العام 1918.

لا يعبر هذا التطور الهام والخطير الذي تشهده اليمن حالياً عن قوة ونفوذ الجماعة الحوثية المسلحة، رغم أنها واجهة الحدث ورأس حربة  التوجه الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة لإسقاط النظام الانتقالي، والتخلص من استحقاقاته. هذا التوجه يعبر عن طيف مهم من مراكز القوى السياسية والدينية والعسكرية والقبلية الزيدية، التي رأت في ثورة الـ11 من فبراير 2011 سلباً لحقوقها الأصيلة في الحكم، والاستئثار بالدولة والنفوذ.

وهذا التوجه بات يتأسس على إحساس عصبوي تغذّى من حملة شحن طائفية بدأت منذ ثلاثة أعوام،  وأشرف عليها ومولها الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، أحد أكثر السياسيين الشماليين سوءاً وحقداً على التغيير، وهي مساوئ غلبت على شخصيته حينما كان رئيساً يحكم اليمن الموحد وازدادت وتفاقمت بعد أن فقد الحكم.

اليمن اليوم يعيش لحظة اختبار صعبة لإرادته في التغيير بعد أن فرضت الجماعة الحوثية فهمها الخاص للتغيير عبر مشروعها السياسي السلالي والمذهبي الذي يتأسس على مبدأ الحق الإلهي في الحكم، وما كان لها أن تُسرِّع في خطواتها لتمرير هذا المشروع، على هذا النحو، إلا بعد أن اقتنصت الفرصة التاريخية، المتمثلة في قرارا رفع الدعم عن المشتقات النفطية، حيث قررت ركوب موجة النقمة والتذمر الشعبيين، وإطلاقها في فضاء احتجاجي صاخب، يمكن لها عبره أن تمرر صوتها الخاص وشعاراتها الخاصة وبرنامجها الخاص، وكلها بطبيعة الحال تنفصل كلية عن هموم وتطلعات وآمال الشعب اليمني المثقل بالأعباء والأرزاء.

أقامت هذه الجماعة ثلاثة مخيمات لمليشياتها المسلحة حول مدينة صنعاء، ومعظم الذين يتواجدون في هذه المخيمات، هم من شباب يائس أو شُذاذ الآفاق، أو جنود يعيشون خارج معسكراتهم، وقلة قليلة منهم من ينتمي أيديولوجياً إلى الجماعة الحوثية الشيعية المسلحة.

ومعظم هؤلاء جاؤوا بفعل الشحن المناطقي والمذهبي، وبعضهم جاء تحت إغراء المال، وجميهم يتطلع إلى دخول صنعاء واستباحتها، في نهب لطالما شهدت صنعاء جولات سيئة منه عبر التاريخ. فالنهب جزء من تقاليد الحرب القبلية، التي كانت تنشأ عبر تاريخ الدولة الزيدية، نتيجة الصراع بين أكثر من إمام يدعي أحقيته في الإمامة، لأنه لم تكن هناك آلية تسمح بانتقال سلس للسلطة من إمام آخر.

فالمذهب الزيدي يعتبر أن الإمامة للأفضل من سلالة الإمام الهادي، وهذا كان يُغري الكثيرين لادعاء الإمامة، ومع كل صراع كان يدفع الإمام المتغلب أنصاره إلى استباحة عاصمة الإمامة.

المفارقة هنا أن صنعاء لم تكن على الدوام مقراً مثالياً للأئمة الزيدية، لأن الدول القوية بدءاً من الدولة اليعفرية والأيوبية والرسولية والصليحية والطاهرية، التي حكمت اليمن كانت تسيطر على صنعاء، وتدفع بالأئمة الزيدية إلى مناطق جبلية نائية حيث يتخذون من مدن ثانوية مقراً لدولتهم ونفوذهم، وهذا الوضع استمر أيضاً في العصر الحديث في ظل الدولة العثمانية.

يبدو أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أدرك حجم الخطر الذي يحيط بنظامه الانتقالي، فلجأ إلى القوى السياسية التي دعمته وآزرته، وفي مقدمتها التجمع اليمني للإصلاح(إسلامي)، ودخل في لعبة إقصائها نزولاً عند رغبة القوى الإقليمية والدولية، وذلك لاختبار إرادة الشارع.

فمنذ يومين خرج الملايين في مدن رئيسية عدة تشكل معاقل تقليدية للثورة، واليوم الأحد ستشهد العاصمة صنعاء مظاهرة غير مسبوقة، تحت شعار "نازلين لأجل الوطن"، مما سيجعل الحوثي أمام تحدٍ لم يكن يتوقعه، خصوصاً وأن تحركاته أرادها شعبية، وحشوده لم تتعد بضعة آلاف، وهذا قد يسرع من لجوئه إلى استخدام المليشيات المسلحة في فرض إرادته لإسقاط الحكومة، والاستئثار بنصيب
الأسد فيها، وهذا في تصوري لن يتحقق إن أظهر الرئيس هادي العزيمة الكافية.