مقالات مختارة

مسيحيو لبنان ومؤتمر واشنطن

1300x600
كتب سركيس نعوم: يرى مسيحيون لبنانيون يهتمّون بالشأن العام أن البطريرك الماروني بشارة الراعي ما كان يجب أن يذهب إلى واشنطن على رأس وفد يضم رؤساء الكنائس المسيحية الشرقية لحض الولايات المتحدة على وقف اضطهاد المسيحيين في هذه المنطقة.

 أما أسباب رأيهم فكثيرة، منها أن مقارنة وضع مسيحيي لبنان بأوضاع مسيحيي الدول العربية لا تجوز. ففي سوريا لم يُعانِ المسيحيون أي اضطهاد سواء في عهدها الديموقراطي أو في عهد الانقلابات العسكرية. لكنهم عانوا في عهدي "الأسديْن" تهميشاً سياسياً كاملاً على رغم المناصب الحكومية والمواقع النيابية التي شغلوها. وفي مصر كان المسيحيون منذ عام 1952 وخصوصاً بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر مواطنين درجة ثانية. إذ إضافة إلى التهميش السياسي والوطني لهم تعرّضوا إلى اعتداءات ومس بحقوقهم لم تعدُل السلطة في معالجتها. وفي العراق فإن الهجرة المسيحية "القسرية"، لم تبدأ مع "تنظيم الدولة" في الأشهر القليلة الأخيرة على رغم أنها كانت الأكثر دموية، بل قبل ذلك بعقود. لكنها كانت تعالج جزئياً بإعطاء النظام الحاكم الأمان للمسيحيين من دون إرفاقه بمساواة حقيقية تجعلهم مواطنين درجة أولى مثل المسلمين. أما مسيحيو لبنان فكانوا دائماً مواطنين درجة أولى، وكان لهم الدور الأكبر بعد الاستقلال. وبقي لهم دور أساسي بعد حروب 1975 -1990. وهو دور الشريك في السلطة مع المسلمين على تنوّع مذاهبهم. طبعاً خاف هؤلاء في أثناء الحروب التهجير والاضطهاد، لكن ذلك لم يحصل أولاً لأن الانقسام الطائفي لم يكن بلغ في حينه الذروة. وثانياً، لأن الانقسام في لبنان كان سياسياً -طائفياً وكان يسود تنوّع ما عند أفرقائه. وثالثاً، لأن الدول العربية التي "رعت" لبنان حرباً وسلماً لم تكن ذات إيديولوجيا إسلامية متشددة واستئصالية. إذ كانت القومية العربية هي إيديولوجيا معظمها على رغم صعوبة الفصل بين العروبة والإسلام. ورابعاً، لأن الانقسام المذهبي الحاد بين السنّة والشيعة يفترض أن يعزز الدور المسيحي في لبنان. ذلك أن المذهبين متساويان ديموغرافياً، ومتوازنان قوةً، فعند الشيعة السلاح والقوة العسكرية، وعند السنّة المحيط العربي للبنان السنّي في غالبيته. والمسيحيون يستطيعون أن يؤمنوا التوازن بينهما كون عددهم لم ينخفض إلى درجة تجعلهم عاجزين عن أي دور وفي حاجة فعلية إلى حماية خارجية أو داخلية. والتنطُّح لقيادة مسيحيي الشرق أمر بدأه قادة مسيحيون قبل سنوات لاعتبارات سياسية وتحاول بكركي ممارسته اليوم.

 وفي ظل الصراع المذهبي المحتدم إسلامياً الذي يجعل المعتدلين المسلمين من فريقيه وهم الغالبية يتعاطفون ضمناً كل مع متشدديه خوفاً من التشدّد المقابل، التنطح هذا سيكرِّس أقلوية مسيحيي لبنان، ويجعلهم عندما يحين أوان الحلول الكبرى عرضة لتسويات لا تضمن مستقبلهم على المدى البعيد. ومن شأن ذلك، في رأي المسيحيين المتحفظين عن دور بكركي هذا، إعطاء المسلمين المبرر للتخلِّي عنهم وخصوصاً الذين منهم، يتمسكون بالدور التوفيقي للمسيحيين.

طبعاً هناك سبب آخر للتحفظ المشار إليه هو اعتقاد أصحابه أن مؤتمر واشنطن قد يُحرَف عن هدفه الذي هو دفع أميركا والمجتمع الدولي إلى حماية المسيحيين. إذ قد يحاول بعض المعدّين له، وربما بعض المشاركين فيه، حرفه عن غايته من خلال العمل وإن غير المباشر لتعويم من لم يعد في الإمكان تعويمهم بحجة أنهم يحاربون الإرهاب، وللترويج لحلف أقليات أو لتعاون أقليات يكون أساساً في الحلول - الصيغ التي قد تُفرَض على المنطقة بعد انجلاء غبار العنف والقتل والحروب.

هل هؤلاء المسيحيون محقون في تحفظهم عن مؤتمر واشنطن وتحديداً على قيادة سيد بكركي له؟
في الأسباب التي أوردوها الكثير من المنطق، لكن لا أحد يستطيع تجاهل الخوف الذي يزيد يوماً بعد يوم عند مسيحيي لبنان. ولذلك فان الحكم على هذه الخطوة يجب أن يتم بعد الاستماع إلى موقف البطريرك الراعي في العاصمة الأميركية، وبعد "تسرُّب" مواقفه في الاجتماعات المغلقة. لكن على الذاهبين إليها شاكين وبحق عنف الإسلاميين المتشددين أن يعرفوا حقيقة أساسية هي أن الولايات المتحدة كما دول أوروبا كلها لا تتصرف انطلاقاً من كونها مسيحية على رغم مسيحية غالبية شعوبها بل من مصالحها. ولهذا ربما لم يهزها ما حصل لمسيحيي العراق وما قد يحصل لمسيحيي سوريا. علماً أنها تعرف أن شكاوى المسيحيين العرب تلقّى الغرب شكاوى مماثلة لها من المسلمين العرب في ظل حرمان أنظمتهم إياهم حقوقهم السياسية والإنسانية والوطنية.