كتاب عربي 21

هل كان صالح والحوثيون مجرد أدوات إيرانية؟

1300x600
تبين أخيراً وبوضوح تام، أن ما حدث في صنعاء يوم 21 سبتمبر، هو أن الحوثيين وحليفهم المراوغ علي عبد الله صالح، نجحوا في ترجيح كفة إيران في صنعاء، على الرغم من أن انقلابهم كان متفقاً عليه تقريباً من معظم بلدان الإقليم، لكنه تحول اليوم إلى سقطة تاريخية لها تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي، وعلى مستقبل العلاقة بين دول الإقليم، وربما أبقي صنعاء واليمن لعقود مساحة للصراع والفوضى والتجاذبات الإقليمية والدولية.

لقد تأسس العمل المشترك للحوثيين وحليفهم صالح على إحساس بالهوية الزيدية، كأساس للحشد والتحرك، وتحييد الجيش والأمن، والتصرف على أساس أن مدينة صنعاء، كانت وما تزال وستبقى مدينة زيدية، الأمر الذي يفسر تركيز المليشيات الحوثية على المساجد والمدارس والجمعيات ذات التوجه السني، وهي كثيرة ونشيطة، وتمثل أحد أوجه النشاط الدعوي للحركة السنية على تعدد اتجاهاتها.

وبالقدر نفسه من التركيز انصب اهتمام الحوثيين وحليفهم علي صالح على معاقبة خصومهم السياسيين، أمثال أولاد الشيخ عبد الله الأحمر واللواء علي محسن، بالإضافة إلى وزراء وقادة عسكريين، ممن اُستهدفت منازلهم، بالاقتحامات والنهب، شهدنا معها تعمداً من قبل الحوثيين وحليفهم صالح، في إظهار المقتنيات العائلية الخاصة لأسر خصومهم، وانتهاك الحرمات على نحو لم يبق شيئاً محترماً من السلوك المنضبط، الذي يعبر عن التقيد بالقيم والمبادئ والأعراف والأخلاق المجتمعية.

لقد كان الذي فعله الحوثيون وحليفهم صالح بخصومهم صادماً للملايين من اليمنيين، الذين هالهم سقوط صنعاء بهذه السهولة، وهالهم أكثر أنهم شاهدوا سقوطاً مريعاً آخر أشد وقعاً وألماً وتأثيراً في البيئة السياسية اليمنية لعقود، وهو ذلك السقوط الأخلاقي لهذا الحلف، الذي لم يُبق هامشاً للمناورة ولا حتى خط رجعة، لكأنها عملية ثأر عميقة ومتأصلة وتاريخية، حتى جاءت بذلك القدر من البشاعة والقبح.

كان الحوثيون وحليفهم صالح حريصين على إظهار البعد الثوري لتحركهم الانقلابي على التسوية السياسية وعلى ثورة الـ11 من فبراير 2011، ولكن مسار التحرك وتجلياته أظهر عكس ذلك تماماً،  حيث استعجل الإيرانيون في قطف ثمار هذا التحرك بإظهاره نصراً لهم دون سواهم في معركة الهيمنة الإقليمية  التي يعانون من مخاطر فقدانها في مواقع مهمة كسورية والعراق ولبنان، حينما اعتبروا أن ثمة عاصمة عربية رابعة هي صنعاء قد سقطت بأيديهم، مما أظهر الحوثيين وحليفهم صالح مجرد أدوات رخيصة بيد هذا اللاعب الإقليمي المتربص: إيران.

ولا شك أن إضفاء هذا البعد السياسي الإقليمي، قد صادر نشوة النصر لدى أطراف الحلف الانقلابي، الذي كان يرى معظمه أنه قد نجح في تصفية حسابات سياسية وتاريخية مع خصومٍ محليين، قبل أن يتجلى البعد الإقليمي لما حصل يوم 21 سبتمبر في صنعاء، على هذا النحو من الوضوح.

لا أعتقد أن الحلف القبلي الذي تعاطف مع الرئيس المخلوع، ولقي تشجيعاً ربما من دول إقليمية خليجية، ليكون جزءاً من مشروع إسقاط صنعاء، سيبقى رهن إشارة الحوثيين وحليفهم صالح، خصوصاً إذا جرى التصعيد من جانب الدول الخليجية ضد السلوك الانقلابي الإقصائي الذي يمارسه الحوثيون في صنعاء، على أساس طائفي، وعلى أساس الارتباط الوثيق بالأجندة الإيرانية الشيعية، بالنظر إلى وجود مصالح قوية بين الرموز القبلية اليمنية والدول المجاورة وبالأخص المملكة العربية السعودية.

لا شيئ يدل على انفراجة قريبة في اليمن، فاتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي مثل غطاء لانقلاب 21 سبتمبر، قد تعطل تقريباً، وبات الحوثيون يتصرفون في صنعاء كقوة مهيمنة فوق الدولة، ويظهرون قدراً من العشوائية وعدم الفهم والتخبط في معظم تصرفاتهم المستفزة على الأرض وفي المؤسسات التي يتطفلون عليها باسم "اللجان الشعبية". 

وما يمكن التسليم به بإزاء كل ذلك، هو أن معركة إقصاء الحوثيين من واجهة المشهد السياسي، بإمكانيات محلية، ستكون مكلفة وليست سهلة بعد ما تملكوه من أسلحة، وبعد هذا القدر من رصيد الثقة الذي حازوه في الأوساط الشعبية القبلية الزيدية، وفي ظل حالة التشرذم والضمور اللذين أصابا المؤسستين العسكرية والأمنية بفعل الشحن والاستقطاب الطائفيين، بالإضافة إلى بقاء الدولة كائناً محايداً ومسخاً بفعل الاستراتيجية غير الوطنية التي اتبعها الرئيس ووزير دفاعه خلال الفترة الماضية.

وأعتقد أن سلوك أقصر الطرق المؤدية إلى إنهاء هذا الحضور المتضخم للحوثيين في قلب صنعاء والمشهد السياسي في اليمن، سيحتاج إلى عملية تنسيق فعالة بين مختلف الأطراف السياسية اليمنية، تفضي إلى تحرك ميداني تقوده الدولة حتماً، بما تبقى لديها من جيش وإمكانيات عسكرية، مع توفر القدر الكافي من الدعم الخليجي.

هذا النوع من التنسيق سوف يسمح بخوض معركة متعددة الأبعاد ربما كان جزء منها عسكرياً ميدانياً، وجزء منها يتعلق بإعادة بناء القوات المسلحة والأمن على أسس وطنية حقيقية، والجزء الغالب في هذا التحرك ينبغي أن يركز على إعادة البلاد إلى مسار التسوية السياسية ومخرجات الحوار واستكمال صياغة الدستور وصولاً إلى مرحلة الشرعية الديمقراطية المؤسسة على انتخابات تنافسية نزيهة وشفافة.