قضايا وآراء

حول مفهوم الحزب الديني

1300x600
لم يحظى مفهوم الحزب الديني بالاهتمام الكافي اعلاميا من قِبل التيار الاسلامي لبيان مضمونه الصحيح، بعيدا عن التزييف العلماني المعتمد على سطوة الصوت العالي، نظرا لاحتكاره أغلبية المنافذ الاعلامية والثقافية العامة والخاصة، واحترافه فن مخاطبة الجماهير، ولهذا تيسر له تكييف المعاني والمصطلحات على النحو الذى يخدم توجهه وتوجه السلطة المستبدة المتحالف معها، والتى تتبنى ذات التوجه بصورة أو بأخرى.

فمفهوم الحزب الديني المُروج لمضمونه الفاشي والعنصري فى الأوساط السياسية والثقافية المصرية لاينطبق على أحزاب التيار الاسلامى بصفة عامة، أو بعبارة أخرى فان مفهوم الحزب الديني القائم على أساس التفرقة بين مواطنين الدولة الواحدة بسبب الدين، فى الحقوق والواجبات العامة، لايتطابق مع النظرية العامة لفكرة الحزب السياسي ذى المرجعية الاسلامية، الذى تستند خططه وبرامجه الى الدين الاسلامى فى شقه التشريعى.

وهذا المعنى  تضمنه الاعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011م، الذى نص صراحة على المضمون الدستورى الصحيح للحزب الديني الممنوع قيامه دستوريا، حين نص على منع قيام الاحزاب على أساس التفرقة بين المواطنين بسبب العرق أو اللون أو الدين أو الجهة، وبطبيعة استمر هذا المعنى فى دستور 2012م، ومن خلال هذا المضمون الدستورى للحزب الديني، عملت الأحزاب ذات المرجعية الاسلامية تحت مظلة الدستور والقانون.

وعلى العكس من ذلك، كانت المادة الرابعة من دستور 1971م تحظر قيام الحزب الديني بنص مبهم يحمل فى طياته هوية الحكم العلماني للسلطة، التي تدعي عدم خلط الدين بالسياسة أو العكس، على الرغم من استخدامها الفاضح للدين حسب الحاجة، فقد كانت المادة المذكورة، تنص على حظر قيام الأحزاب السياسية على أساس ديني، دون توضيح معنى عبارة الأساس الديني الذى تقصده، وتضيف الى ذلك حظر قيام الأحزاب التي تستند الى أي مرجعية دينية، فى خلط فاضح بين طبيعة الأديان المختلفة، السماوية بطبيعة الحال.

ومما لاشك فيه أن مضمون النصوص الدستورية التى تناولت مفهوم الحزب الديني أختلفت لأسباب سياسية، فالنص العلماني لمفهوم الحزب الديني فى دستور 1971م العسكرى، وضع والعسكر لاشريك لهم فى السلطة، وكان موجها لمنع قيام الأحزاب الاسلامية قانونا، والنص الموضوعي الذى تناول مفهوم الحزب الدينى فى اعلان 30 مارس 2011م ومن بعده دستور 2012م وضع والتيار الاسلامى فى صدارة المشهد السياسي، خاصة جماعة الاخوان المسلمين التي  كانت تستعد فى ذلك الوقت لازاحة دولة العسكر العلمانية بالفطرة، والحلول محلها، بوصفها كبرى الكيانات الاسلامية والسياسية أيضا.

ومن الناحية النظرية المجرّدة، يتضح بجلاء عند تأمل الفارق بين الحزب الديني بالمعنى الفاشي والعنصري، وبين الحزب الاسلامي المدني بطبيعته، مدى التجنّي العلماني الذي يحاول أن يلزم غيره بمايرفضه، خاصة اذا كان الدين الاسلامى بطبيعته المزدوجة كعقيدة وشريعة معا يختلف عن طبيعة الدين المسيحي على سبيل المثال لكونه دين عقيدة فقط مبدأها العمدة الفصل بين السلطة الدينية والزمنية، انطلاقا من  "اعطي مالله لله، وما لقيصر لقيصر"، ولهذا فدين الاسلام يصلح بطبيعته لأن يكون مرجعية لحزب سياسى، دون المسيحية التي تخلو من تشريع كتشريع الاسلام.

 ومما سبق يتضح أن الحزب الديني بالمفهوم الدستورى الصحيح هو ذلك الحزب الذى لا يفرق بين ابناء الوطن الواحد من زاوية الانتماء الدينى فى خطته السياسية ولا فى نظرته الى كافة المواطنين ولا فى شروط الانضمام اليه .اما القول بان الحزب الدينى هو الحزب الذى يستند فى سياساته وخططه الى الدين كمرجعيه فهو فهم وتكييف علمانى لايلزم من لا يعترف بالعلمانية.

وأما القول بأن السماح بقيام أحزاب سياسية على مرجعية دينية اسلامية سيؤدى عمليا الى التفرقة بين أبناء الوطن الواحد على أساس الدين، مما قد يثير الفتنة  التى تبرر منع قيام مثل هذه الأحزاب وان كانت دستورية وقانونية ومتماشية مع طبيعة الدين الذي يتخذه أتباعه ومؤيديه من غير الأتباع مرجعية سياسية أو حضارية بحسب الأحوال لهم.

خاصة اذا أراد أتباع الدين الآخر تأسيس حزب سياسى يخصهم، فما هو الا ادعاء علماني واهي وطائفى أيضا، لأن الحزب الاسلامي لن يكون كالحزب المسيحي، الذى اذا تم تأسيسه فلن يستساغ عقلا الانضمام اليه من غير مسيحي، لأنه سيكون حزبا دينيا من ناحية العقيدة وعلمانيا من ناحية السياسة والتشريع والتخطيط ، لعدم وجود شريعة يستند اليها فضلا عن مخالفته العقيدة المسيحية ذاتها التي تنأى بروحانيتها عن ماديات السياسة.