قضايا وآراء

الأممية في مواجهة النظام السلطوي من الفكرة إلى التطبيق‎

1300x600
يتحدث الكثير من المعلقين السياسيين أصحاب التوجه الإسلامي خاصة بعد انتكاسات الثورات، عن ضرورة عمل مراجعة لأفكار الحركات السياسية الإسلامية فيما يتعلق بمنهجها المتعلق بالعمل في اطار الدولة القومية الحديثة، واعتبار مسألة الصراع مع السلطة صراعا محليا بحتا لا يحتاج إلى تفعيل الحالة الأممية الإسلامية.

ويرى هؤلاء المعلقون أن تلك الدعوة ليست مسارا جديدا مبتدعا بقدر ما هو عودة للجذور التي تأسست عليها الحركات الإسلامية الأولى، التي نشأت بعد سقوط الخلافة كرد فعل لحالة الاندثار التي كانت تحدث لفكرة الأممية الإسلامية وتفشي فكرة القومية المحلية.

كما يعزو هؤلاء ضرورة تفعيل هذه الحالة الأممية إلى فشل خيارات التعامل مع الأنظمة السلطوية بخيار العمل المحلى المغفل للبعد الكوني للصراع، فهذه الأنظمة في حقيقتها هي مجرد نتاج لتحالف عالمي معادٍ، لذلك فالمواجهة ليست مع الأنظمة وحدها، بل مع حلف كوني مساند، لذا يكون من العبث مواجهته بخيار محلى ضيق، بل بخيار أممي أو كوني مضاد ومتسع. 

ولكن هذا الطرح من قبلهم يتميز بقدر كبير من العمومية النظرية التي لا تنطوي على اقتراح آليات عملية محددة، اللهم إلا في ضرورة حدوث تعاون بين التيارات الإسلامية السياسية والجهادية لمواجهة حملة الاستئصال الأممية لكليهما دون تمييز، وهو ما يجعل الصراع بينهم حالة عبثية ضيقة الأفق ومدمرة.

العمومية في الطرح والتنظير دون عرض أمثلة تطبيقية خلق لدى القارئ العادي نوعا من عدم الفهم والحيرة، لذا سأحاول في تكملة هذا المقال طرح أمثلة عن كيفية الاستفادة من الحالة الإقليمية والتيار الإسلامي الأممي في إحداث اختراق للحالة المصرية الراهنة في مواجهة النظام العسكري.

في الواقع مصر تقع بين بؤرتين ساخنتين إحداهما في أطرافها الشرقية وهي سيناء، وما يجاورها من قطاع غزة وأخرى على حدودها الغربية وهى ليبيا.

فعلى سبيل المثال تستطيع القوى الإسلامية المصرية الاستفادة من حالة الصراع في ليبيا بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة بالتحالف مع نظرائها الفكريين من القوى الثورية الإسلامية، وتقديم الدعم البشري من العناصر الإسلامية المصرية، في مقابل التدريب والتسليح المفتقد في مصر، وحسم الصراع مع الطرف الآخر المتحالف مع النظام العسكري المصري. حيث إن حسم الصراع لصالح الحلفاء الإسلاميين سيجبر النظام العسكري المصري على التدخل مباشرة بما يقوده في النهاية لحالة استنزافية، تقوض حكمه في الداخل، أو توفر منطلق آمن للهجوم عليه من الحدود.

أما بالنسبة لسيناء وقطاع غزة، فإن الدمج أو التنسيق بين مجموعة الفعل المقاوم في كليهما بما يعنى إخراج حركات المقاومة في غزة من حالة الحياد تجاه الصراع الداخلي المصري، سيمثل بلا شك نقطة استنزاف جديدة للنظام العسكري.

وبعيدا عن الجوار المصري إلى البؤر الشامية والعراقية التي تسيطر عليها حركات جهادية أممية، كالدولة الإسلامية والنصرة، والتي تتناقض فكريا مع التيار الإسلامي السياسي المسيطر في مصر، وهنا يكمن التحدي في ضرورة إحداث التنسيق على الأقل لمواجهة موجة الاستئصال التي تستهدف الجميع.

فإنه ربما لا تستطيع تلك الحركات التأثير والتدخل بشكل مباشر في الحالة المصرية، ولكنها تستطيع في المقابل الضغط على حلفاء وداعمي النظام من القوى الإقليمية والدولية، بما يمثل صرف انتباه لهم، وحالة انهاك، وتشتيت للدعم الذي تقدمه تلك الدول لصالح النظام العسكري، وصرفه لمواجهة تلك التنظيمات.

وكذلك الأمر بالنسبة للحالة اليمنية الأيسر في التعاطي من حيث التقارب الفكري والتنظيمي للقوى الإسلامية في البلدين، والتي تستطيع أن تشكل ضغطا مباشرا على الداعمين الخليجيين، وحتى على الداخل المصري، بحكم الموقع الجغرافي المشرف على باب المندب بوابة فناة السويس البعيدة.

لذلك، إذا تم استغلال تلك الظروف والمعطيات بشكل فعال ومتزامن مع تنشيط حالة الحراك الثوري الداخلي بشكل أكثر قوة وإبداعا، فإن فرص إسقاط النظام العسكري ستكون في قمتها.