مقالات مختارة

حزمة إصلاح ديمقراطي تركي ذات محورين في الطريق

1300x600
أدلى "سري ثريا أوندر" النائب بالبرلمان التركي عن "حزب الشعوب الديمقراطي" الكردي بتصريحات احتوت على العديد من النقاط المهمة، وذلك عقب لقاء جمعه بـ"يالتشين آق دوغان" نائب رئيس الوزراء التركي المسؤول عن ملف عملية السلام الداخلي. 

ولقد قال "أوندر" في هذه التصريحات: "لقد تجاوزت عملية السلام مرحلة الانكسار التي شهدتها بسبب الأحداث التي جرت في البلاد على خلفية هجوم تنظيم "داعش" على مدينة "كوباني" ، وهذا من وجهة نظري تصريح مهم للغاية بالنسبة للخلفية النفسية لعملية السلام.

وأوضح "أوندر" كذلك أن مصير عملية السلام في جزيرة "إيمرالي" – التي يقضي فيها "عبد الله أوجلان" زعيم منظمة "بي كا كا-حزب العمال الكردستاني" عقوبة السجن مدى الحياة- مشيراً إلى أن هذه العملية دخلت مرحلة جديدة.

وكما تعلمون جميعاً فإن الأحداث التي شهدتها تركيا يومي 6 و8 تشرين الأول/أكتوبر الماضي تسببت -كما لاحظنا- في تعليق تلك العملية بشكل فعلي.

كانت أيام أيقن فيها الجميع فشل تلك العملية بالكامل. لكن على الرغم من كل هذا تخطت العملية كل هذه العقبات، حتى وصلنا إلى يومنا هذا، ووصلت المباحثات إلى ما نحن عليه الآن.

والآن نحن نرى جميعاً حجم القوة التي حظيت بها محادثات السلام، ليخرج علينا مسؤول من الحزب الكردي الذي يعد طرفاً رئيساً في تلك المفاوضات، ويؤكد لنا أن مصير تلك العملية في يد "أوجلان" بجزيرة "إيمرالي" وليس في يد"جبال قنديل"!.. ولو تتذكرون عملية السلام المشابهة التي لم يكتب لها النجاح التي عُرفت باسم "مفاوضات أوسلو"، كان الآمر الناهي فيها جبال "قنديل" وأوروبا، وليس جزيرة "إيمرالي". لكننا في العملية الجديدة قلنا إنها يجب أن تكون علميةً الشعبُ هو الذي يقرر مصيرها. 

لكن "جبال قنديل" قامت من خلال الأحداث الدموية يومي 6،8 تشرين الأول/أكتوبر بمحاولة دامية رغبة منها لتأخذ بيدها زمام المبادرة في تلك العملية الجديدة، لكن ثبات أنقرة، وزعامة "أوجلان" حالتا دون حدوث ذلك، وأُعيد القطار إلى مساره من جديد.

العملية الجديدة هدفها الوصول إلى نتيجة وحل

جدير بالذكر أن أحداث العنف التي اندلعت في تركيا على خلفية هجوم "داعش" على مدينة "كوباني" كان لها فوائدها بالنسبة للحكومة في أنقرة.

إذ جعلت هذه الأحداث الحكومة تدرك جيداً أن العملية برمتها معلقة بخيوط رفيعة، ويمكن أن تنهار في أي لحظة لهشاشة أرضيتها ودعائمها.

ونحن كنا في السابق نقول إن الأزمة السورية هي أكبر عائق أمام عملية السلام، لكن "كوباني" وما حدث فيها، وتداعيات الهجوم عليها، دفعت الحكومة التركية إلى رن أجراس الإنذار بشكل أكثر حساسية من تعاملها مع الأزمة السورية نفسها، نظراً لخطورة الأمر على عملية السلام. وترجع هذه الحساسية إلى التطورات الموجودة على الأرض، ومنها قيام عناصر تابعة لـ"بي كا كا" بتشكيل مناطق حكم ذاتي لها في منطقة "روجوفا" السورية، والأهم من ذلك والأخطر هو أن هناك عصابة في "جبال قنديل" قادرة على تشكيل علاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا من خلال مواجهة تنظيم "داعش"، وهذا يعني بالنسبة لـ"بي كا كا" تجاوز عتبة تاريخية مهمة، تستطيع بها الخروج من دائرة التنظيمات الإرهابية، لتصبح منظمة المحاربين الأحرار الذين يواجهون "داعش"، أي أن هذه الفترة شهدت نوعا من التعاطف معهم في أوروبا والولايات المتحدة، وفُتحت أمامهم العديد من الأبواب التي كانت مغلقة من قبل!

ولو تتذكرون معي أن "جميل بايك" الرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني، كان قد اقترح من قبل جعل الولايات المتحدة عيناً ثالثة أو طرفاً ثالثاً في عملية السلام الحالية، فهذه المبادرة كانت بمثابة حملة لوضع عملية السلام برمتها في يد الولايات المتحدة!.. لكن لم يكتب لها النجاح.

كل هذه التطورات جرت أمام السلطة في أنقرة التي أدركت من الوهلة الأولى أن الأمر لا يحتمل التأخير، لذلك قامت باتخاذ اللازم لإعادة العملية برمتها إلى مسارها الطبيعي من أجل التوصل لحل نهائي للقضية الكردية. وبالفعل وصلنا إلى مرحلة جعلت "خطيب دجلة" الرئيس المشترك لمؤتمر المجتمع الديمقراطي المشارك في وفد التفاوض في عملية السلام، يقول :"نحن على وشك اتخاذ خطوات تاريخية من أجل حل القضية الكردية التي تعاني منها البلاد منذ 200 عام، وحل غيرها من المشكلات والقضايا الأخرى".

ومن جانبه لفت "آق دوغان" نائب رئيس الوزراء -في التصريحات التي أدلى بها مؤخراً- إلى أن مباحثات عملية السلام قد اكتسبت سرعة أكبر، إذ قال في هذا الشأن: "عملية السلام مستمرة بثبات وإرادة سياسية قوية. والمباحثات تجري بشكل سريع على أساس من الثقة والنية الحسنة، بهدف الوصول إلى حل نهائي".

لقد شمر الجميع عن سواعدهم من أجل حل هذه القضية، ومن الممكن أن نشهد في الربع الأول من عام 2015 اتخاذ العديد من الخطوات التي ستأتي تباعاً. ولقد كان "أوجلان" قد قال من قبل إنه في حال اتخاذ الخطوات اللازمة في غضون 4 أو 5 أشهر، سنصل لمرحلة ترك عناصر المنظمة لأسلحتهم. 

ومما لا شك فيه أن هذه العملية بعد "كوباني" وما تعرضت له، قد اتخذت شكلاً مغايراً تماماً، لما كانت عليه من قبل، إذ باتت السمة الحالية.. القليل من التصريحات، والكثير من العمل الذي يؤدي إلى إحراز مزيد من التقدم الملموس.

والآن أنقرة عاكفة على حزمة إصلاحات ديمقراطية جديدة، من المنتظر أن يتم الإفصاح عنها، في نهاية كانون الثاني/يناير المقبل، أو أوائل شباط/فبراير، هذه الحزمة سيكون لها إسهام كبير في دفع عملية السلام، لكنها لن تكون في الوقت ذاته من أجل تلك العملية فحسب، أغلب الظن أنها حزمة إصلاحات ديمقراطية شاملة، ومعنى شاملة هنا أنها لن تشتمل فقط على تعديلات قانونية خاصة بعملية حل القضية الكردية فحسب، بل ستشمل كذلك تعديلات خاصة بالقضية العلوية. وقد نشهد في مطلع عام 2015 تشكيل "لجنة متابعة" مكونة من 10 أشخاص سيتم اختيارهم من "لجنة الحكماء" المعنية بمتابعة عملية السلام.

والحكومة التركية ترغب في تنويع شركائها السياسيين والاجتماعيين في عملية السلام، حيث تسعى أن يكون هناك أكثر من طرف محلي في صلب تلك المباحثات، ولهذا الهدف سيلتقي رئيس الوزراء "أحمد داود أوغلو" مع ممثلين لأحزاب كردية أخرى غير "حزب الشعوب الديمقراطي". ولقد سبق أن أخذ نائب رئيس الوزراء "بولنت أرينتش" خطوات من قبل في هذا السياق، حينما قام بزيارة حزبي "حق – بار" و"هدا – بار".

وعلى ما سبق يمكننا القول إنه إذا لم تتوقف تلك العملية لأي سبب عارض، أو ما شابه، فإننا يمكننا أن نشهد في 21 آذار/مارس المقبل 2015 إنهاء منظمة "بي كا كا" لكافة أنشطتها المسلحة في تركيا. لذلك أؤكد لكم ثانية أننا نعيش أياماً تاريخية من خلال علمية السلام الجارية حالياً.

(يني شفق)