صحافة دولية

فورين بوليسي: ما هي لعبة السلفية في الإسكندرية؟

فورين بوليسي: كيف تحولت مدينة الإسكندرية إلى عاصمة السلفية؟ - الأناضول
كيف تحولت مدينة الإسكندرية من مدينة مفتوحة إلى عاصمة السلفية؟، سؤال حاول مراسل مجلة "فورين بوليسي" جيمس تروب الإجابة عليه، حيث قدم تقريرا مطولا في العدد الأخير عن الدعوة السلفية في المدينة. 

وفي التقرير وصف الكاتب طبيعة أعضاء الجماعة السلفية وزار أحد أحياء الإسكندرية، وهو حي خورشيد، حيث تحدث إلى أحد أفراد الجماعة، الذي يصلي في مسجد الحمد في الحي. 

ويقول تروب إنه سأل دليله عن معنى السلفية، فقال إنها على خلاف الإخوان المسلمين الذين يتبعون الأئمة بشكل أعمى، يحق لأفرادها مساءلة الأئمة؛ "لأن مرجعيتنا هي القرآن والسنة"، ويصف سائق السيارة الذي نقله إلى حي خورشيد، محمد عبد العلي الدعوة السلفية بأنها "مدخل علمي لتطبيق الدين على مشاكل الحياة"، مضيفا "عندما تدرس الفلسفة فإنك تدرس كتب أفلاطون وأرسطو، وعندما تدرس الأدب الإنجليزي فإنك تدرس الكتب القديمة. وبالنسبة لنا فعلينا بالجيل الأول من أصحاب النبي فهم المصدر الأصلي للحقيقة، ثم الجيل الذي جاء بعدهم ومن جاء بعدهم". ومن هنا فالسلفية تعني الوحي الذي أرسله الله للنبي محمد وبلغها لأصحابه.

ويقول الكاتب "لقد ذهبت إلى الإسكندرية للبحث عن مصر، والنظر إليها بطريقة مختلفة. فبعد أن خرج المصريون إلى الشوارع في عام 2011، وأطاحوا بالرئيس حسني مبارك، ثم عقدوا انتخابات فاز بها الإسلاميون، وعندما لم يرضوا عن هؤلاء خرجوا مرة إلى الشوارع، ورحبوا بالجيش وانتخبوا الجنرال الذي قاد الانقلاب، "والآن عاد المصريون إلى حيث بدأوا، دولة شمولية علمانية قام قضاؤها بتبرئة الديكتاتور السابق الذي قتل مئات من المتظاهرين في الأيام الأخيرة من حكمه". 

ويستدرك التقرير بأن هذه الأحداث هزت المجتمع المصري، وجلبت إليه قوى جديدة. فقد سُحق الإخوان المسلمون، وحلت محلهم الدعوة السلفية حركة حشد شعبي. وما يصدق على مصر يصدق وإن بصورة مختلفة على أنحاء أخرى في العالم العربي.

ويشير الكاتب إلى أحلام الربيع العربي التي سحقت، باستثناء تونس التي يقول إنها تتقدم نحو ديمقراطية حقيقية، فيما تعاني دول مثل اليمن والعراق وسوريا وليبيا حروبا أهلية، ويشهد العالم العربي زحفا للقوى الدينية المتطرفة وصراعا سنيا- شيعيا. على خلاف الماضي الذي كان فيه شمال أفريقيا صورة عن التعايش والتداخل الثقافي بين المسيحية واليهودية والإسلام، ووصلت ذروة التعايش في مدينة الإسكندرية، ولكن هذا بات ماضيا. 

أزهري سلفي

ويبين تروب أنه في زيارته لجامع الحمد، حيث التقى بإمامه قرأ في صحيفة الدعوة السلفية "الفتح"، "من المعروف أن الولايات المتحدة هي محور الشر وأصل المشاكل في الشرق الأوسط ... فقد ظلت تواصل إشعال النزاعات دون توفير حل، وكانت هذه استراتيجيتها بالتعاون مع اليهود: فرق تسد".

حضر الكاتب خطبة الجمعة، التي وبخ فيها الإمام المصلين بأنهم ابتعدوا عن الاقتداء بالرسول وأعطوا مثالا سيئا عن المسلمين للعالم. وهاجم خطيب الجمعة تنظيم الدولة متسائلا  "هل هي دولة إسلامية للقتل؟ هل هي دولة إسلامية لتصنف الناس بين كافر ومسلم؟ هذه هي أيديولوجيتهم، ولكن هذا ليس إسلاما". 

ويصف تروب الخطبة بكأن مصدرها الأزهر، وهي كذلك إلى حد ما؛ لأن الخطيب أخبر الصحافي أنه مجبر على جمع خطبه كل عدة أسابيع، وإرسالها إلى وزارة الأوقاف للتدقيق فيها. وبطريقة ما كان الخطيب "أزهريا سلفيا"، خاصة أن وزارة الأوقاف تقوم بملاحقة كل إمام ليس متخرجا من جامعة الأزهر، وأصدرت هذا الصيف أمرا بحظر من لا يحمل شهادة جامعية من إلقاء الخطب.

ويجد التقرير أنه رغم تركيز الجماعة السلفية على اتباع السنة والتقوى، إلا أن أفرادها شاركوا في السياسة وبشكل فاعل منذ  2011.

وتلفت المجلة إلى أنه في الوقت الذي دعمت فيه بعض الأحزاب السلفية الصغيرة جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن حزب النور، الذي يمثل الدعوة السلفية في الإسكندرية والذي حصل على نسبة كبيرة من الأصوات في انتخابات عام 2012، قدم دعما واضحا لنظام الجنرال عبد الفتاح السيسي. ويصف تروب هذا بأنه "ظاهرة غريبة: الإسلام السياسي يرمي ثقله وراء حكومة علمانية استبدادية".

ويوضح التقرير أنه في مناطق أخرى من العالم العربي تحولت السلفية لطليعة العنف الجهادي، وفي مصر يتشارك السلفيون مع الرأي العام غضبهم على العنف والفوضى، ولا يريدون إثارة مشاكل، فقد شاهدوا ماذا حدث للإخوان، ويقول بسام الزرقا، أحد رموز الدعوة السلفية في الإسكندرية "الشارع هو من أجل إبداء الرأي، ولا تنجح المشاركة السياسية إلا من خلال المؤسسات السياسية".

تهديد

وتذكر المجلة أنه رغم ذلك يتعامل التيار العلماني مع حزب النور على أنه تهديد على الهوية المصرية أكبر من تهديد الإخوان المسلمين. ويقول محمود بدر، أحد قادة حركة "تمرد"، التي قادت الاحتجاجات ضد حكومة مرسي، إن أيديولوجية الحركة هي "متطرفة أكثر من تلك التي يعتنقها الإخوان". ولهذا تحاول مجموعة من الأحزاب العلمانية منع حزب النور من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في العام المقبل، وذلك بناء على مادة في الدستور تحظر تشكيل الأحزاب السياسية بناء على أساس ديني. وستستمع المحكمة المصرية العليا للقضية في كانون الثاني/ يناير. ولم يقدم السيسي دعما للخطوة بطريقة واضحة؛ لأن الحزب كان حليفا لا يستغنى عنه.

ويقدم الكاتب هنا عرضا تاريخيا لمدينة الإسكندرية، التي يعد بوتمبلي الأول باني اسمها وسمعتها وجعلها مركزا حضاريا، وكيف تفوقت القاهرة عليها في العصور الإسلامية ولم تستعد مركزها إلا في منتصف القرن التاسع عشر، عندما حاول حكام مصر تحديث البلاد، حيث تحولت إلى مركز كوزموبوليتي ضم الكثير من الأعراق والأديان والثقافات، ولم يتراجع موقع المدينة إلا بصعود القومية العربية التي حمل رايتها جمال عبد الناصر، فقد دفعت سياسات التأميم التي تبناها نظامه ما تبقى من أجانب إلى خارج الإسكندرية، ولم يبق فيها إلا القليل منهم بحلول عام 1961.

ويظهر التقرير أن أمجاد المدنية القديمة لا تزال حاضرة، وإن بشكل باهت، دار الأوبرا، ساحة سعد زغلول، ومقاهيها التي خلدها دوريل، ونجيب محفوظ في روايته "ميرامار"، ولا يزال تراثها القديم كما هو.

تاريخ الإسكندرية

ويفيد التقرير أن مدينة الإسكندرية لا تزال مدينة كوزموبوليتية، وفيها حياة فنية وإن كانت تحت الأرض؛ لأن ظهورها يغضب السلفيين. وينقل عن أميرة حجازي، مدرسة لغة، قولها إن الإسكندرية فيها أكبر تجمع للسلفيين وفيها عدد كبير من المثليين "هذه الإسكندرية الكوزموبوليتية حيث يتعايش الكل". وما يجسد ثقافة التعايش الثقافي أكثر مكتبة الإسكندرية، التي تجسد المكتبة القديمة والتي أنشأها بوتمبلي الأول، وقد افتتحت المكتبة الحديثة في عام 2002. وكانت المكتبة مشروع مبارك لاستعادة موقع مصر المتراجع في العالم العربي. ولقي المشروع دعما من حكومات غربية بقيمة 220 مليون دولار. وساهم فيه العراق بزعامة صدام حسين بما قيمته 21 مليون دولار أميركي. وحظي البرنامج بدعم من زوجة مبارك سوزان، التي كانت راعية له وترأست مجلس إدارته، وهو ما شل حركة المكتبة لتكون منارا للتغيير في البلاد، وترى محررة "مدى مصر" أن المكتبة كانت ملعبا لسوزان مبارك.

وتذهب المجلة إلى أنه مهما يكن فما تبقى من انفتاح في الإسكندرية يحاول التعايش مع السلفيين. ويقول مدير الإسكندرية إسماعيل سراج الدين إنه يدعو أحيانا السلفيين للمكتبة. 

ولاحظ الكاتب موقف العداء الذي يحمله أعضاء السلفية ليس للدولة، ولكن للإخوان المسلمين، فمحمد عمارة، الذي درس السينما في أميركا، يقول عن الإخوان إن التزامهم بتطبيق الشريعة مهزلة؛ "فهم لا يطبقون الشريعة، ولا يقومون بالتفكير العلمي". وقال إنهم كذبوا حول التزامهم بالديمقراطية وحبهم لمصر وتدينهم.

ظهروا بعد الثورة

ويقول الكاتب إن السلفيين على خلاف الإخوان ابتعدوا عن النشاط السياسي في السنوات الأخيرة لحكم مبارك وفي الأيام الحماسية لثورة 2011، وهم وإن برروا ابتعادهم عن السياسة لخوفهم، كما يقولون "خوفا من الفتنة والفوضى"، إلا أنهم لا يقولون الحقيقة. فالإخوان على خلاف السلفيين كانوا مستعدين للتعاون مع العلمانيين في جبهة ضد النظام، وهو ما لم يكن يرغب به رجال الدعوة السلفية.

ويشير الكاتب إلى مواقف الجماعة السلفية في الإسكندرية، التي عارضت حذف البند الثاني من الدستور المصري، الذي نص على أن الإسلام هو مصدر التشريع. ولم يتحرك السلفيون إلا بعد الإطاحة بنظام مبارك. وفي الوقت الذي يرى فيه قادة السلفية أن دخولهم للسياسة جاء بسبب الظروف التي نتجت عن خروج مبارك من السلطة، مع تأكيدهم على رأيهم من السياسة التي لا تحل مشاكل. 

ويورد التقرير أنه مع ذلك قررت الدعوة السلفية إنشاء حزب النور في صيف عام 2011، واتخذ من الإسكندرية مقرا له. وعقد الحزب، الذي تبنى لغة براغماتية، تحالفا مع حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي للإخوان، سرعان ما انهار هذا التحالف لصالح تحالف آخر مع جماعات سلفية أخرى في القاهرة. وحقق التحالف في انتخابات 2011 و 2012 28% من مقاعد البرلمان بعد كتلة الإخوان المسلمين، ما منحهم وزنا كبيرا في البرلمان أكثر من الأحزاب العلمانية. وكان معظم مرشحي "النور" يدعون لتطبيق الشريعة الإسلامية، في الوقت الذي تجنبوا فيه الحديث عن أجندة دينية. 

وأظهرت دراسة أن الكثير من الناخبين لم يفهموا الفرق بين الجماعات السلفية والإخوان المسلمين. وعادة ما قدم مرشحو "النور" أنفسهم مرشحين من خارج النخبة السياسية التقليدية، فيما رُبط الإخوان باللعبة السياسية القذرة التي تمت للماضي. ولكن النواب السلفيين بعد نصرهم المدهش أظهروا عدم اهتمام بالسياسة، وفشلوا كمشرعين، حيث ركزوا اهتمامهم على قضايا فرعية. ولاحقتهم الفضائح بعد إلقاء القبض على أحد نوابهم مع امرأة في سيارة، وكذب آخر حول عملية تجميل للأنف. ولهذا بدأ الناس ينظرون لحزب النور على أنه حزب للمهرجين. ومع ذلك مثلوا شوكة في جسد الإخوان الذين سيطروا على البرلمان، وكانوا يحاولون تشكيل العملية السياسية وإعداد دستور. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية، قرر حزب النور عدم دعم مرشح الإخوان محمد مرسي،  ودعموا بدلا من ذلك المرشح المستقل عبدالمنعم أبو الفتوح. وينقل عن نائب رئيس الدعوة السلفية ياسر برهامي، معلقا على تلك الفترة "خشينا من سيطرة الإخوان على السلطة كلها"، ما كان سيؤدي، حسب زعم برهامي، للتأثير على استقرار مصر. 

ضد الإخوان

ويبين الكاتب أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يؤثر فيها "النور" على الإخوان. ففي الثالث من تموز/ يوليو 2013 وقف قادة "النور" إلى جانب الجنرالات وهم يعلنون الإطاحة بنظام محمد مرسي. ويزعم قادة "النور"، وهو أمر مشكوك فيه، أنهم بذلوا جهدهم كله كي يمنعوا انهيار حكومة الإخوان. ويقول أحد قادة الدعوة، بسام الزرقا، "كان هناك استقطاب كبير بين الإخوان والعلمانيين، وكلاهما رفض التنازل، ولعبنا دور الجسر الرابط بينهما". 

ويضيف الزرقا أن الفارق بين الجنرالات ومرسي لم يكن دينيا، بل كان الحفاظ على النظام، وكان الجنرالات وحدهم القادرين على توفير النظام. ولكن قادة السلفية صمتوا عندما بدأ الجنرالات الفوضى من جديد، فلم يتلفظوا ولو بكلمة عندما قتل الجيش المعتصمين الإخوان في ساحة رابعة. وعندما خلع المارشال السيسي بزته العسكرية ورشح نفسه للانتخابات دعمه حزب النور، واستخدم تأثيره لحشد التصويت للسيسي. وقد أثار قرار قادة الدعوة غضب الكثير من شبان الإخوان ممن تعاطفوا مع الثورة. وكما يقول أحمد خليل، رجل أعمال سلفي "لقد خسرنا الكثير من الأشخاص، ولكنه هذا الثمن كان قادة النور مستعدين لدفعه".

الراقصة سلفية

ويرى الكاتب أن السلفيين يبدون مثيرين عندما يؤخرون مشروعهم السلفي لمصر حتى يتم سحق منافسيهم من الإسلاميين. ويرى الزرقا إنه لا توجد أجندة لمصر غير أجندة الشريعة، فمصر كلها، حسب رأيه، سلفية "حتى الراقصة سلفية".

ويختم تروب تقريره بالتساؤل: ما هي رؤية السلفيين لمصر؟. ويرى أنه من الصعب تحديدها، فقادة "النور" عادة ما يمسكون عن الحديث في حضرة من لا يعرفونهم، ولكن ميلهم للسلطة العسكرية يظل أكثر تهديدا من طموحهم لتطبيق الشريعة.