ملفات وتقارير

رعاة أغنام فلسطينيون يفضلون البرد على ترك الأرض

يعيش في خربة طانا قرابة 300 إنسان ـ عربي21
ما إن تشرف على خربة طانا (14 كم شرق مدينة نابلس شمال الضفة الغربية)، حتى ينقطع استقبال جهاز هاتفك الخلوي، وتنفصل عن العالم، وتشعر بالانتقال عبر الزمن.

فعلى امتداد البصر، لا يوجد مظهر للحياة المعاصرة، فلا بيوت ولا عمارات ولا شوارع تقف على مشارف هذه الخربة التي تحيط بها الجبال، وتعصف بها الرياح، لتشاهد كهوفا تتنفس دخان الحطب، وقطيعا من الغنم يقوده فتى وقد تلفع بثوب يكاد يقيه البرد.

حيث تمر فلسطين في هذه الأيام بظروف جوية صعبة، وتساقط للثلوج في بعض المناطق المرتفعة عن سطح البحر.

ويعيش في خربة طانا قرابة 300 إنسان، مهنتهم رعي الغنم وبيع منتجاتها للبلدات المجاورة، يعانون مثل باقي الفلسطينيين في منطقة الأغوار منذ سنوات طويلة من سياسة دولة الاحتلال التي تهدم بيوتهم وبركسات ماشيتهم، وتطردهم من منطقتهم، مبررة ذلك بأنها تقع في منطقة (C) التي هي تحت السيطرة الإسرائيلية، والتي أعلن عنها في سنوات السبعين منطقة عسكرية مغلقة، رغم وجود أهل الأرض، ومبرر آخر أوردته محكمة العدل العليا بعد التماس رفعه السكان، وهو منع البناء في المنطقة، "لأسباب تتعلق بالاحتياجات البيئية"، رغم وجود مستوطنة "مخورا" الزراعية في المنطقة.

وبعد حملة الهدم الواسعة التي تعرضت لها الخربة عام 2011، أصدر منسق الشؤون الإنسانية من قبل الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية، ماكسويل جيلرد، بيانا يشير إلى أن القانون الدولي يحظر على إسرائيل تخريب الممتلكات في الأراضي المحتلة.

من يزور المنطقة يجد أن المبنى الوحيد القائم هو المسجد، الذي يقول السكان أنه بني في زمن الأتراك، بينما يسكنون الخيم والكهوف، رافضين بإصرار مغادرة أرضهم، رغم صعوبة المعيشة، والمخاطر الناجمة عن المنخفض الجوي.

وقال الصحفي عاطف أبو الرب لـ"عربي21"، إن سكان الأغوار يعانون من "تهميش السلطة الفلسطينية بسبب منع الاحتلال أي نشاط للسلطة في هذه المنطقة، وعليه فإن السكان يعانون من نقص الخدمات، وأهم ما يعانيه السكان عدم ملائمة بيوتهم لمواجهة مثل هذه الظروف الباردة، وبالتالي يتعرضون للبرد والمطر، وانعدام أي وسيلة للمواصلات، وفي حال تعرضت بعض التجمعات لمياه الأمطار فإن مصير السكان محفوف بالمخاطر، في ظل استحالة الوصول إليهم. وحدث أن استشهد شاب في هذا الموسم، كما تسببت الأمطار بنفوق عشرات الأغنام في أحداث مماثلة في العام الحالي".

وأضاف أن صمود أهل الخربة يحمل رسالة، وقال: "رسالة السكان، وبعيداً عن أي شعار، هي الحق في الحياة، وحق الإنسان في العيش الآمن والكريم، وما يعانونه من مشاكل يهدد هذا الحق، فرسالتهم: من حقنا العيش الآمن، ونسعى لمواجهة كل المحاولات لسلب هذا الحق".

وقالت منظمة بتسيلم الإسرائيلية، في بيان سابق لها، إن خربة طانا هي البلدة الثالثة في منطقة الأغوار التي تحاول دولة الاحتلال خلال السنوات الأخيرة طرد سكانها، ويتم في إطار الجهود المتواصلة التي تبذلها إسرائيل من أجل إبعاد السكان البدو من هذه المنطقة، وتشتمل هذه الجهود على منع البناء وسط التجمعات البدوية، ومنع الخدمات مثل الكهرباء والماء عن السكان، والهدم المتكرر للمباني التي تستعمل لأغراض السكن وتربية الماشية.

في هذا الإطار، أعلنت إسرائيل أن حوالي 45 بالمئة من الأراضي في منطقة الأغوار وشمال البحر الميت هي مناطق عسكرية مغلقة مخصصة لتدريبات جيش الاحتلال، وهي تحول دون وصول الفلسطينيين إليها، رغم أن قسما من هذه المناطق لا يستعملها الجيش.

بدوره قال المختص في الشؤون الفلسطينية أمين أبو وردة، إن سكان الخربة يعيشون في ظروف أقرب للبدائية، وهو ما ينطبق على بقية الخرب في الأغوار، فجميعها إما بركسات من الصفيح أو خيام، كونها تقع في مناطق تصنفها سلطات الاحتلال (C)، حيث تخضع إجراءات ترخيص البناء للاحتلال، ما جعله يتحكم في كل مفاصل الحياة، وبالتالي هذه البركسات والخيام لا تتحمل الرياح القوية والسيول، ولذلك يؤدي كل منخفض جوي إلى الدمار والضرر الفادح".

في وسط هذه المعاناة، يقول أبو وردة لـ"عربي21"، يضطر السكان للنوم مع المواشي في البركسات ذاتها، حفاظا عليها من الموت، ويطلقون مناشدات لتقديم العون لهم في ظل الأحوال الجوية الصعبة.

وأشار إلى أن الاحتلال "يستهدف هذه المنطقة، لأنه يعتبرها مناطق حدودية مع الأغوار القريبة من الأردن، وبالتالي تعدّ مناطق حساسة أمنيا، والاحتلال يخطط لأن تكون حزاما أمنيا في حالة إقامة، أي كيان فلسطيني في الضفة".



من يزور المنطقة يجد أن المبنى الوحيد القائم هو المسجد من أيام الأتراك