كتاب عربي 21

الاصطفاف الثوري.. الممكن والمستحيل!

1300x600
يقول بعض الناشطين إن الاصطفاف الثوري مستحيل، وإن ما حدث خلال الأعوام الأربعة الماضية يجعل وقوف التيارات المختلفة مع بعضها صفاً واحداً (كما حدث في يناير 2011) ضرباً من أحلام اليقظة.
هل هذا الكلام دقيق؟

أفضل طريقة لاختبار دقة هذا الكلام هو الاعتماد على تجربة من كانوا موجودين في العمل الوطني في العمل الوطني قبل يناير 2011 بفترة كافية، لكي يستطيعوا المقارنة بين التجربتين، ولكي يدركوا حجم الاتفاق والاختلاف بين ما قبل وما بعد يناير 2011.

أزعم أنني كنت جزءاً من الحركة الوطنية قبل عام الثورة بسنوات طوال، وأؤكد أن العلاقات بين تيارات المعارضة المصرية لم تكن بتلك الحميمية التي يتخيلها كثيرون.

الشباب الذين دخلوا الحياة السياسية في يناير 2011 من ميدان التحرير يظنون أن المعارضة المصرية كانت على وفاق، والحقيقة أن الحالة التي رأوها في الميدان في تلك الفترة كانت حالة نادرة، لم تحدث من قبل، ولم تستمر بهذه الروعة بعد ذلك. الذي تسبب في هذه الحالة المثالية هو نحن (أعني شباب الحركات الثورية)، ولو أوكل الأمر لقيادات المعارضة من العجائز لما التم شمل الميدان، ولما دعا أحد لإسقاط مبارك أصلاً.

على سبيل المثال، لا يعلم الكثيرون أن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن جزءاً من العمل المعارض لحسني مبارك، الذي لم يؤد إلى اندلاع الثورة إلا في العام الأخير فقط.

فإذا قلنا إن معارضة مبارك التي أدت إلى إسقاطه بدأت بحركة كفاية، فإني أقول لك يا عزيزي إن الإخوان لم يكونوا موجودين في حركة كفاية، والكل يعلم أن شخصاً مثل الأستاذ محمد عبدالقدوس كان يمثل نفسه لا غير، وبالتالي مخطئ كل من يظن أن جميع التيارات كانت صفاً واحداً ضد الاستبداد، لقد كنا متفرقين!

ليس معنى كلامي أن الإخوان لم يكونوا جزءاً من الحركة الوطنية، أنا لا أقصد ذلك بالمرة، ولكن كان للإخوان كجماعة منظمة كبيرة، لها تنظيم سري مغلق، كان لها حساباتها الخاصة، وطرقها التي ارتضتها، وحساباتها المعقدة التي كثيراً ما أعاقت  انخراطها المباشر في المعارضة المصرية، بل كان لها تفاهماتها غير المعلنة مع نظام مبارك نفسه.

وكان للإخوان أيضاً نجاحات مؤثرة، مثل الانتخابات البرلمانية عام 2005، ولكنهم لم يندمجوا مع بقية فصائل العمل الوطني إلا في عام 2010، بعد وصول البرادعي للقاهرة، وبعد أن بدأت بعض شخصيات الحركات الوطنية (أشرف بكوني واحد منهم) محاولات لتوحيد الصف الوطني آنذاك، وبعد أن أصبح هناك اتصال مباشر بين د.البرادعي وجماعة الإخوان من خلال د.محمد سعد الكتاتني، وبعد أن أصبح د.محمد البلتاجي عضواً في الأمانة العامة للجمعية الوطنية للتغيير.

ولكن من الناحية العملية كانت الفعاليات التي يشترك فيها شباب الإخوان مع بقية شباب الحركات الوطنية في عمل ما على الأرض ... كانت قليلة، بل نادرة!

كان هناك فصل تام بين الإسلاميين وغير الإسلاميين، على مستوى القيادات، وعلى مستوى الشباب، وكانت الصورة الذهنية لكل فريق مشوهة (أو مشوشة على الأقل) في نظر غالبية أفراد الفريق الآخر.

بفضل الله استطعنا أن نشرك الإخوان المسلمين في عملية جمع التوقيعات على بيان التغيير الذي أطلقه د.البرادعي، ولكن ذلك لم يكن عملاً مشتركاً، ولم يكن عملاً على الأرض يتعرف به الناس على بعضهم، بل كان عملاً قام به الإخوان مستقلين، من خلال موقع خاص، وهو عمل في المجال الافتراضي، لم يحدث فيه أي تعارف أو تآلف أو تكاتف!

أما العلاقة بين التيارات الثورية الشبابية، فإني أستطيع أن أقول بكل ثقة (ومن حضر هذه الفترة يعلم ذلك جيداً)، كانت العلاقة بين الحركات الثورية في مجملها (زي الزفت)!

ما السبب في ذلك؟

عشرات الأسباب، تبدأ من الخلاف الأيديولوجي، وتنتهي بالأحقاد والضغائن الشخصية الصغيرة، مروراً بالمكائد المفتعلة لأجهزة الأمن.

كيف حدثت حالة الاصطفاف في الميدان إذن؟

الإجابة : بالترفع عن هذه الخلافات!

باستحضار العدو المشترك!

بالرغبة الحقيقية في تغيير هذا الواقع الأسود!

بتأكد الجميع من أن فشل هذا التحرك بعد أن بدأ معنا، أننا سنعلق على المشانق جميعاً (وهو المصير الذي ما زال يتهدد كل من شارك في ثورة يناير حتى اليوم)!

ما الذي ينقصنا إذن لخلق حالة الاصطفاف الثوري التي يطمح لها الشعب المصري؟

أقول وأمري لله:

لم يخلق الاصطفاف الوطني في يناير 2011 إلا الشباب، ولن يخلقه اليوم إلا الشباب، وما ينقصنا اليوم هو أن يقرر شباب مصر من سائر التيارات أن وقت الثورة قد حان!

إن خلق الحالة التي كانت تظلل الناس في ميدان التحرير في 2011 أمر مستحيل، ولكن خلق التوافق والاصطفاف الذي يؤدي إلى تغيير حقيقي سلمي ... ممكن إذا كنا على مستوى المسؤولية.

لقد جاءت معركة الجمل وصمد فيها الجميع، وصمد فيها شباب الإخوان ضد الخيول والجمال، وضد رغبة غير حكيمة من قيادات شاخت فأمرتهم بالانسحاب من الميدان.

الاصطفاف اليوم مرهون بأن يقرر شباب مصر من سائر الحركات والتيارات أن يتساموا فوق خلافاتهم، وأن يتفقوا على الحد الأدنى من المسلمات، وأن يرتبوا سلم أولوياتهم بشكل صحيح، وأن يضعوا الخطة المثلى لإدارة مرحلة انتقالية جديدة، لا غالب فيها ولا مغلوب، ولا مكسب فيها إلا للشعب، ولا مطالب فيها إلا أهداف الثورة المعلنة، ولا تراجع فيها عن تحقيق العدل والقصاص.

إذا حدث ذلك ... فسترى العجل الذهبي الذي يعبدونه قد تحطم بضربة فأس واحدة!

متى يحدث ذلك؟

قريبا جداً بإذن الله تعالى 

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين..