كتاب عربي 21

الأردن و"داعش" وجها لوجه

1300x600
يظهر استطلاع للرأي أجري قبل أسر الطيار الأردني من قبل مقاتلي الدولة الإسلامية، أن 72 بالمئة من الأردنيين يعتقدون أن "داعش" حركة إرهابية.

 ورغم ذلك، فهناك شكوك في أن الحرب التي يشارك فيها الأردن بفاعلية ضد الدولة الإسلامية تحظى بالشعبية.

 فقد تفاجأ الأردنيون في الثالث والعشرين من أيلول/ سبتمبر الماضي بمشاركة الطائرات الحربية الأردنية في قصف مواقع للدولة الإسلامية في سوريا، ضمن التحالف الدولي الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة.

 مصدر المفاجأة كان قبل شهرين تقريبا من ذلك التاريخ حين صرح رئيس الحكومة عبد الله النسور، بأن "الأردن لن يكون عضوا في التحالف الذي أعلنت عنه قمة حلف شمال الأطلسي، وأن الأردن لا يخوض حروب الآخرين".

 ورغم النسبة الكبيرة من الأردنيين، التي ترى في تنظيم الدولة تنظيما إرهابيا، فإن أغلب الظن أن مرد ذلك هو مقاطع قطع الرؤوس التي أصبحت "علامة" مسجلة للتنظيم.

ما يعني أن الأسباب التي تقدمها الجهات الرسمية لإقناع الرأي العام بصوابية المشاركة في الحرب ضد "داعش" ليست السبب الرئيس في اعتبار الأخير تنظيما إرهابيا.

وهناك بون شاسع بين سؤال "هل تعتبر داعش تنظيما إرهابيا؟" وسؤال: "هل تؤيد الدخول في حرب ضد داعش؟".

 لا شك في أن الأردنيين، وفي غالبيتهم الساحقة، يتمنون لابنهم الطيار معاذ الكساسبة العودة سالما، لكنهم قبل نبأ أسره لم يكونوا يكترثون كثيرا في تتبع قصف الطائرات الحربية الأردنية لمواقع الدولة الإسلامية، لدرجة أن الإعلام الرسمي لم يكن بحاجة إلى إصدار بيان رسمي عقب كل غارة جوية.

 ولمن يريد التعرف على مدى شعبية الحرب ضد "داعش" ما عليه إلا توجيه السؤال التالي لأي أردني: ترى لو كانت الطائرة التي سقطت أمريكية وكان الطيار الأسير لدى "داعش" أمريكي، ما هو شعورك؟

 وبعيدا عن جدل شعبية الحرب من عدمها، فإن حادثة أسر الطيار الكساسبة أثارت نقاشا وأسئلة كانت السلطات الرسمية في غنى عن مواجهتها قبل ذلك، لذا فقد عمدت إلى وسائل الإعلام الرسمية والموجهة لتجاهل مثل ذلك النقاش وتلك الأسئلة، كما أنها لجأت إلى استصدار قرار من مدعي عام محكمة أمن الدولة يحظر فيه نشر أي أخبار أو تحليلات تسيء للكساسبة.

 جدير بالذكر أن الحرب بين الأجهزة الأمنية الأردنية وتنظيم الدولة الإسلامية قديمة، حيث بدأت مع تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، الذي تحول إلى تنظيم "داعش" فيما بعد، بزعامة أبي مصعب الزرقاوي (أردني من مدينة الزرقاء)، وكان سجينا لدى الأجهزة الأمنية.

 ووصلت الحرب ذروتها بتفجيرات عمان 2005 (راح ضحيتها 57 قتيلا) التي أعلن الزرقاوي مسؤوليته عنها، ومقتل الزرقاوي (عام 2006) بعملية أمنية شاركت فيها الأجهزة الأمنية الأردنية بفاعلية.

إلا أن الحرب بين الطرفين كانت أمنية بالدرجة الأولى، ثم انتقلت إلى حرب عسكرية، لكنها عن بعد حتى الآن، ما جعل المواجهة بين الطرفين تأخذ طابعا أكثر حدة وعنفا.

 ويبقى السؤال مشروعا: هل الأردن رسميا وشعبيا مستعد لمواجهة مفتوحة مع تنظيم الدولة الإسلامية؟

 رسميا، فقد اتخذ القرار، وسخرت الدولة كل إمكانياتها الأمنية وجزءا من إمكانياتها العسكرية (سلاح الجو) لخوض هذه المعركة، لكن أسر الطيار الكساسبة أربك الحسابات، وجعل السلطات تبحث عن دعم شعبي حقيقي، وليس صوريا، لتقبل فكرة الخسائر البشرية إن وقعت، سيما وأن كل منتسبي القوات المسلحة هم من أبناء العشائر الأردنية، وهم من ينظر إليهم على أنهم أعمدة النظام وأشد مواليه.

 وفي لحظة من اللحظات قد يبدي هؤلاء تذمرا من أنهم الوحيدون الذين يقدمون التضحيات دون المكونات الأخرى من الشعب الأردني، أو أن هذه الحرب ليست حربهم، بما يجعل موقف السلطات الرسمية أكثر ضعفا وإرباكا. 

من هنا تبدو حساسية استمرار السلطات الرسمية في اندفاعتها تجاه الحرب ضد الدولة الإسلامية، لكنها لن تجد بدا من فعل ذلك إذا أصبح النظام الأردني على جدول أعمال الدولة الإسلامية، وسيجند كل أدواته وخبراته لحشد الشعب خلف قرار الحرب.