قضايا وآراء

مهددات أمن الخليج

1300x600
تختلف الرؤى الأمنية بشكل واضح للدول الواقعة على جانبي الخليج (إيران ودول مجلس التعاون الخليجي)، ففي حين تنتقد إيران مبدأ الاعتماد على قوى خارجية لتحقيق الأمن ولعملية توازن القوى، تجد دول مجلس التعاون الخليجي نفسها مضطرة إلى الاعتماد على القوى الخارجية (خصوصا الولايات المتحدة الأميركية)، نظراً لعجز هذه الدول عن تحقيق توازن القوة وحفظ الأمن والسلام في المنطقة، لأسباب عدة أهمها صغر الرقعة الجغرافية لدول الخليج، فضلاً عن قلة عدد مواطنيها. 

ما زال الملف الأمني في الخليج – بمختلف محاوره - يشكل هاجسا مقلقا للأنظمة الخليجية، وسنتناول أهم القضايا الأمنية في الخليج ضمن خمسة محاور:

1. تحدي الحفاظ على الأمن القومي لدول الخليج

تواجه دول مجلس التعاون الخليجي تحديات وتهديدات جوهرية في إقليم مضطرب أمنياً، ويكمن جوهر الخلل في عدم قدرة دول المجلس للتصدي لمعظم التهديدات التي تواجهها بنفسها، ولارتباط هذا الخلل بالبنية الاقتصاديّة والسّياسيّة في دول المنطقة؛ فإن ذلك يُعقد المشاكل المرتبطة بتلك البنى، ويضيف إليها بُعدا آخر يُضاعف صعوبات الحلّ والتّجاوز.

تعتمد دول الخليج اعتمادا كلياً على بعض الدول العظمى في الحفاظ على أمنها، حيث تقدم التسهيلات لهذه الدول لإنشاء المنظومات الأمنية والقواعد العسكرية في دول المجلس، وهناك أكثر من مؤشر بأن هذه الدول لن تستمر في دعمها الأمني لدول الخليج في المستقبل البعيد على الأقل، فأميركا التي تحتمي بها دول الخليج من إيران بدأت تتقارب مع إيران أكثر وأكثر، ابتداء بتسليمها الملف العراقي، وآخرها التقارب العلني بعد فوز حسن روحاني "في الانتخابات الرئاسية الإيرانية"، وهناك تقارير عدة تشير  إلى تراجع وتناقص الهيمنة الأميركية على العالم في عام 2030 وتغير النظام العالمي من أحادي القطبية إلى متعدد الأقطاب، فضلاً عن الأصوات الداخلية التي تتعالى في الداخل الأميركي والتي تطالب بسحب قواتها من دول الخليج، يضاف إلى ذلك: الأزمة الاقتصادية التي عصفت بأميركا، فمن المحتمل عدم قدرة أميركا في المستقبل على دفع فاتورة بقاء قواتها في الخليج العربي.

تشير التقارير الاقتصادية إلى عودة الولايات المتحدة الأميركية إلى مكانتها المتصدرة للدول المصدرة للغاز الطبيعي، وستصل لمرحلة الاكتفاء الذاتي من النفط مستقبلاً، ومن ثم مرحلة التصدير في عشرينيات القرن الجاري، أي أنها لن تكون بحاجة للنفط الخليجي، وسينتهي قريباً مبدأ "النفط مقابل الأمن".

من أهم الأخطار التي تهدد الأمن القومي الخليجي: 

- الأزمة الداخلية البحرينية التي تتمثل بوجود معارضة شيعية مدعومة من إيران تسعى لقلب نظام الحكم بدعوة أن الأقلية السنية تحكم الأغلبية الشيعية. 

- الأزمة العراقية المتمثلة بوجود حكومة مدعومة من إيران ومنفذة لأجندتها، وسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على عدد من المحافظات السنية (منها الأنبار المحاذية لحدود السعودية) ينذر بوجود تهديد حقيقي للأمن القومي السعودي.

- سيطرة الحوثيين على المؤسسات السياسية في اليمن: لا يخفى على المتابع للمجريات السياسية في المنطقة بأن دول الخليج بشكلٍ عام والسعودية بشكلٍ خاص قد ضُرب عليها طوق "إيراني" إن جاز التعبير بدءا بلبنان والعراق وسوريا وليس انتهاء باليمن. وهذا ما سيمنعها إن لم يمنعها حالياً من الحصول على حيز مريح تستطيع من خلاله ممارسة سياسة مريحة بالنسبة لها.
 
ومن المهددات للأمن الخليجي: الحرب الدائرة في سوريا بين الثوّار والنظام السوري المدعوم إيرانياً، والأزمة بين الفرقاء اللبنانيين ورجوح كفة الجهات المنفذة للأجندة الإيرانية "كحزب الله وحركة أمل"، مضافاً  إلى ذلك الأزمة اليمنية وقوة الحوثيين في اليمن وضخامة حجم الدعم الإيراني لهم. 

ومن الملاحظ رجاحة كفة جميع الجهات المدعومة من قبل إيران على الجهات المدعومة خليجياً، ما يشكل تهديداً حقيقياً لدول الخليج في المستقبلين القريب والبعيد. 

2. الأمن الفكري:

تشكل التجاذبات والتناقضات الفكرية خطراً حقيقياً يهدد الأمن الفكري الخليجي وينذر بحالة من التفكك المجتمعي، ذلك بأن الإتجاه الفكري الرسمي في دول الخليج يتجه بإتجاه معين بالمقابل تتعارض معه الأفكار الوليدة كالفكر الليبرالي الذي بات ينتشر انتشاراً واسعاً في المجتمعات الخليجية عموماً وفي السعودية خصوصاً بسبب الظاهرة التغريبية والعولمة وتصادمها مع الفكر المحافظ الذي تنتهجه هذه الحكومات، ومن الجانب الأخر من الأفكار التي تهدد المنظمة الفكرية لدول الخليج علاوةً على المنظومة الأمنية النهج المتطرف الذي تنتهجه الجماعات القتالية المتطرفة كتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، فالمنظومة الفكرية لهذه الجماعات تسمح لها بقتل من يخالفهم بالرأي فضلاً عن عدم تورعهم بتكفير مجتمع بأكمله، ويلاحظ بأن الدول الخليجية قد اصبحت منبعاً مغذياً مالياً وبشرياً لهذه الجماعات التي اصبحت تشكل خطراً عاليماً بالإضافة  إلى انها تشكل تهديداً امنياً داخلياً.

لم يقتصر الخطر الذي يهدد الأمن الفكري والمجتمعي في دول الخليج على المنظومة الفكرية فقط، بل يتعداه  إلى المنظومة الطائفية، فوجود الطائفة الشيعية المتجذرة في المجتمع والذي يتطلع  إلى السيطرة على الدول الإسلامية وفقاً لمبدأ تصدير الثورة الإسلامية ( الذي وضعه الخميني )، ينذر بوجود تهديد حقيقي وخطير يحيط بأمن الخليج، وقد تُرجم هذا التهديد على ارض الواقع في المنطقة الشرقية في السعودية والبحرين حيث كشفت المعارضة البحرينية عن نيتها الحقيقية وظهر الدعم الإيراني جلياً للحراك الشيعي البحريني الأمر الذي يبعث بإشارات واضحة تثبت بأن الدول المحيطة بالخليج تتدخل وتدعم من يحاول زعزعة الأمن هناك.

و خلاصة ذلك أن التهديدات التي تحدق بالأمن الفكري الخليجي لا تنحصر بالفكر والايدلوجية فقط بل تتعداه  إلى المذهبية والطائفية ايضاً، لذلك وجب على هذه الدول أن تضع حلولاً وبرامجاً جادة لتجاوز هذه الأزمة التي من الممكن ان تتحرك بطريقة يصعب على الحكومات السيطرة عليها واحتوائها 

3. الأمن السياسي: 

لم تخلو أروقة مجلس التعاون الخليجي من الاختلافات بين أعضائه منذ تأسيسه، وقد تنوعت الاختلافات ما بين اقتصادية تارة وحدودية تارةً أخرى وصولاً  إلى التقاطع في السياسة الخارجية ?.

شكلت الاختلافات المتعددة حالة تراكمية أفضت مؤخراً  إلى سحب كل من السعودية والإمارات والبحرين سفرائها من دولة قطر بدعوة تدخلها في الشؤون الداخلية لدول المجلس ودعمها لـ " الإرهاب " في مصر وفي فلسطين، علاوةً على سياسة العزلة التي تتخذها عُمان سياسةً لها في تعاملها مع القضايا الخليجية خاصة وقضايا المنطقة عامة، كما أن السعودية ( الدولة السياسية الأكبر في المجلس ) قد فقدت زمام القيادة والمبادرة في المنطقة لصالح إيران وتركيا.

3. الأمن الاقتصادي: 

يشكل الاعتماد الكامل للدخل القومي الخليجي على استخراج وتصدير النفط إنذاراً بوجود تهديداً اقتصادياً كبيراً لمستقبل دول الخليج، فالسيناريوهات المستقبلية تشير  إلى احتمالية صدارة العراق - الأقرب اقتصادياً وسياسياً  إلى إيران - لتصدير النفط في العالم في السنوات القليلة القادمة، كما أن التقارب الحاصل بين إيران والدول الغربية عامة وأميركا خاصة واحتمالية التوصل  إلى اتفاق بخصوص البرنامج النووي الإيراني قد يفضي  إلى رفع العقوبات عن إيران في المستقبل القريب الأمر الذي سيعيدها  إلى المنافسة في الإنتاج في السوق النفطية العالمية وبقوة، كل هذا ينذر بانتزاع صدارة دول الخليج في استخراج وتصدير النفط، مما سيشكل زلزالاً يهدد الاستقرار الاقتصادي الذي تشهده هذه الدول.

فضلاً عن انهيار اسعار النفط العالمي الأمر الذي يشكل ضغطاً كبيراً على ميزانية السعودية.

تذهب بعض التحليلات للمنحى الذي يقول: ما تقوم به منظمة أوبك بقيادة السعودية برفض تخفيض الانتاج بهدف رفع الاسعار واعادتها  إلى طبيعتها ما هو الا مناورة سياسية واقتصادية للضغط على امريكا الساعية  إلى الاكتفاء الذاتي في استخراج النفط ومن ثم تصديره، والرد على هذا الرأي ببساطة:  إلى متى ستصمد ميزانيات هذه الدول؟ كون ان ناتجها القومي يعتمد بشكلٍ كليٍ على تصدير النفط، بالإضافة  إلى أن امريكا تتملك الحصة الأكبر من الصخر الزيتي في العالم وأنها تتمتع بنفسٍ طويل في قضايا استراتيجية كهذه!

4. الأمن الغذائي والمائي:

 برز مفهوم الأمن الغذائي والمائي كأحد التحديات الاستراتيجية التي تواجه حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تقع هذه الدول ضمن أكثر مناطق العالم جفافاً وفقراً بالموارد المائية الطبيعية، وبالرغم من اعتمادها بشكل رئيس على المياه المحلاة - وهو الحل الأكثر كلفة – وعلى المياه الجوفية، فما زالت دول الخليج تواجه تحديات عدة من استنزاف لتلك الموارد بسبب تزايد عدد السكان. 

وتتفاقم هذه المشكلة إذا ما أخذ في الاعتبار ضعف أجهزة إدارة المياه وحمايتها، وقلة الاعتمادات الماليّة اللّازمة لتنميّة الموارد المائيّة، والبحث عن موارد مائيّة اقتصاديّة جديدة.

وتواجه إمدادات الدول الخليجية الغذائية تهديداً متزايداً بسبب ندرة الموارد الطبيعية وتدهورها، علاوة على اعتمادها على استيراد معظم احتياجاتها الغذائية من الخارج مما يجعلها عرضة لعدم الاستقرار اقتصادياً واجتماعياً نظراً لتقلبات الإنتاج العالمي للأغذية وتغيرات السياسات التجارية وتذبذب أسعار السلع الأساسية.

5. الأزمة السكانية: 

يشكل الوافدون نسبةً عاليةً من سكان وقدرات المجتمع الخليجي الاقتصاديّة والثقافيّة والاجتماعية، ولا تزال أعداد الوافدين بتزايد مستمر مع مرور الزمن، وتبدو امكانية اندماجهم مع المجتمع شبه معدومة، وتجذر الانقسام في المجتمع بين مواطنين ووافدين، وهذا الوضع ينذر بأن التركيبة المجتمعية الحالية في دول المجلس غير مستدامة على المدى البعيد.

الخلاصة: 

خلاصة القول تكمن في أن على دول الخليج أن تنتبه إلى الأخطار الحقيقة التي تحدق بها وألا تصرف طاقاتها وإمكاناتها في غير محلها !!