يتصاعد الغضب في الأوساط الجامعية بمصر عقب الإعلان عن قرار للرئيس عبد الفتاح
السيسي، بإصدار قانون معدّل لبعض أحكام قانون تنظيم
الجامعات، بما ينص على عزل عضو هيئة التدريس المتهم باتهامات غالبيتها "فضفاضة" في ما يراه رافضو التعديل عسكرة للجامعات، وحجرا على حرية الرأي، وفق وصفهم.
وأصدر السيسي قرارا بقانون، مساء الخميس، بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات، يسمح بعزل أعضاء هيئة التدريس الذين تثبت ممارستهم للعنف أو العمل الحزبي داخل الجامعات.
وبحسب بيان للرئاسة، فإن التعديلات تشمل عزل عضو هيئة التدريس الذي يثبت ارتكابه أو الاشتراك أو التحريض أو المساعدة على العنف أو أحداث الشغب داخل الجامعات أو أي من منشآتها.
ويعاقب عضو هيئة التدريس بالعزل أيضا في حال ممارسة الأعمال الحزبية داخل الجامعة، أو إدخال سلاح من أي نوع أو مفرقعات أو العاب نارية أو مواد حارقة أو أي مواد تعرض الأفراد والمنشآت للضرر أو الخطر.
وشملت عقوبة العزل من يثبت قيامه بـ"كل فعل يزري بشرف عضو هيئة التدريس أو من شأنه أن يمس بنزاهته وكرامته وكرامة الوظيفة".
وقال الدكتور محمود خليل الأستاذ بكلية الإعلام بجامعة القاهرة: "لم يشغلني في هذا القرار البنود الثلاثة الأولى منه، فقد أشبعها المهتمون بأمر الجامعات بحثا وجدلا، ونوهوا إلى ما فيها من سوءات أبسطها هذه العبارات الفضفاضة التي لا تحمل تحديدا واضحا لمفهوم التحريض أو المساعدة عليه، وحكاية السلاح أيا كان نوعه (يعني حتى لو كان قصافة ضوافر)"، على حد تعبيره.
واستدرك خليل -في مقال له بصحيفة "الوطن" الأحد- قائلا: "ما شغلني حقا في هذا القرار، هو استثناء البند الرابع المتعلق بالإتيان بفعل يزري بشرف المهنة التي يمتهنها الأستاذ الجامعى مما نص عليه القرار من إيقاف عضو هيئة التدريس ستة شهور، ومنعه من دخول الجامعة إلا لحضور جلسات التحقيق حال توجيه أي من التهم الثلاث إليه".
وتابع: "هذا أمر له دلالة هي أن السلطة لا تكترث كثيرا بموضوع شرف المهنة أو الكرامة الوظيفية، وأن ما يعنيها هو أي أفعال تحدث داخل الجامعة قد تتسبب في أي نوع من الصداع لدى الجالسين على مقاعدها".
وأوضح أن "المظاهرات والشغب والعمل الحزبي وخلافه تتوجه إلى السلطة بصورة أساسية، وهو أمر يعنيها كثيرا، أما مسألة النزاهة أو الكرامة الوظيفية أو شرف المهنة وغير ذلك من أمور فتصب داخل الجامعة، وتؤدي إلى تخريبها، وهو أمر غير ذي بال لأنه لا يزعج السلطة في شيء. إنه فقط يضر الجامعات. وبالتالي فيجب ألا ينطبق عليه ما ينطبق على الأفعال التي تؤرق السلطة"، وفق قوله.
وفي سياق متصل، قال الدكتور حسام عيسى نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي الأسبق في عهد حكومة الببلاوي، إن "التعديل التشريعي الجديد، هو إجراء مجحف، وقاس، وكان لا بد من وضع عقوبات أخف وطأة من ذلك".
وأوضح عيسى -في تصريحات نقلتها عنه صحيفة "الشروق" الأحد- أنه "يجب التفرقة بين ممارسة العمل السياسي داخل الجامعة، من خلال إقامة ندوات تثقيفية تنمي مهارات الشباب، وتبني منهم كوادر في المستقبل.. وبين العمل الحزبي داخل الجامعات الذي أبدي تحفظا عليه".
ووصف الدكتور وصفي عاشور أبو زيد، أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية، القرار بأنه "خطوة نحو عسكرة التعليم، وتجفيف منابعه، وتجريف بيئته من الفكر الحر والإبداع الحقيقي، وتكميم أفواه الأساتذة، بدعاوى ظاهرها فيه الرحمة، وباطنها من قبله العذاب، من خلال التدليس والتلبيس والخلط، ودس السم في العسل"، وفق رأيه.
وأضاف في ما نقلته عنه شبكة "رصد": "لا أحد يقبل أن يُدخل أستاذ جامعي مواد متفجرة، أو ما يقترب من هذا الفعل الذي لم يحدث في تاريخ الجامعات في ما أزعم، لكنهم أوردوا هذه المواد المتفق على رفضها، ليضيفوا معها مواد فضفاضة كالمساعدة على العنف أو أحداث الشغب، أو فعل ما يزري بمكانة الأستاذ، وهذا كله كلام فضفاض يمكن تمرير أي رغبة من خلاله في إبعاد من يشاءون حسب ما يشاءون، وبالطريقة التي يريدون، بما يجعل الأمور في النهاية تحت سيطرتهم".
وتساءل الدكتور وصفي: "أين هذا الفعل الشائن والشائه مما فعله الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، الذي جعل كل المستويات الجامعية بالانتخاب، وزاد من رواتبهم أضعافا، وترك لهم الحرية المنضبطة دون مصادرة رأي، أو تسلط من سلطان؟".
ومن جهته، قال هاني الحسيني، الأستاذ بكلية العلوم بجامعة القاهرة، والمتحدث باسم حركة 9 مارس المعارضة - في ما نقلته عنه وكالة أنباء الأناضول- إن "هذه التعديلات تعد استمرارا لنظرة الدولة الخاطئة للجامعات، التي تحصر المشكلات الجامعية في الأزمات الأمنية فقط".
وأضاف: "لا أتخيل أن يحظر القانون على الأساتذة المشاركة في الحياة السياسية والحزبية بالجامعات، وإذا لم يشارك أستاذ الجامعة في الحياة السياسية والحزبية، فمن سيشارك؟"، مضيفا أن "الطبيعي أن للأستاذ الجامعي نشاطا سياسيا وحزبيا، فكيف يمنع من هذا النشاط؟".
يُذكر أنه منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، تعرض أكثر من 215 أستاذا ومحاضرا من 26 جامعة حكومية وخاصة للسجن، بينهم ثلاثة عمداء كليات بجامعات دمياط وطنطا وحلوان، إضافة إلى الدكتور محمد مرسي الذي كان مدرسا في جامعة الزقازيق.
وبحسب التقارير، فقد قامت الجامعات
المصرية بفصل أكثر من عشرة من أعضاء هيئة التدريس من العمل، من بينهم رؤساء جامعات، وهذا العدد مرشح للزيادة في ظل قرار السيسي الجديد، بعزل أي من أعضاء الهيئات التدريسية في المؤسسات التعليمية، لمشاركته في المظاهرات المعارضة.
هذا، فضلا عن مطاردة عشرات الأساتذة بسبب انتماءاتهم الفكرية، وقتل العديد منهم في المذابح التي شهدتها مصر في ميداني رابعة والنهضة وغيرهما، علاوة على تعرض الجامعات المصرية إلى 426 عملية اقتحام عسكري نفذتها قوات الجيش والشرطة لقمع مظاهرات الطلبة المطالِبة بالإفراج عن زملائهم وأساتذتهم المعتقلين.