كشفت صحيفة "صندي تايمز" البريطانية عن مقترح تقدم به رئيس الوزراء البريطاني السابق توني
بلير لتقديم المشورة للإمارات العربية المتحدة، وتوقيع عقد معها بقيمة 30 مليون جنيه إسترليني أثناء عمله مبعوثا خاصا للجنة الرباعية.
وحصلت الصحيفة على
وثيقة من 25 صفحة، تظهر كيف استخدم بلير علاقاته الشخصية وعمله الخيري من أجل تحقيق أرباح مالية.
وجاء في الوثيقة: "لا يوجد هناك أي مكان في العالم لا نستطيع فيه العمل أو تقديم المشورة سواء كانت مالية أو سياسية". وأضافت الوثيقة أيضا "لدينا فريق عمل على الأرض يعمل في عشر دول أفريقية، وعشر دول خارج إفريقيا، ولدينا عروض للعمل في عشر دول أخرى، وإذا اضفنا العمل الذي تقوم بها منظمة (فيث/إيمان)، فسيصل عددها إلى خمسين دولة".
وتتحدث الوثيقة عن التزام قوي من توني بلير و"العمل لمدة يومين أو ثلاثة أيام" في الشهر في عاصمة
الإمارات العربية المتحدة أبو ظبي.
وتبين الصحيفة أن فريق توني بلير قام بالعمل على الاتفاق مع وزارة الخارجية الإماراتية، التي يعمل معها توني بلير بصفته مبعوثا خاصا للشرق الأوسط، ويمثل
اللجنة الرباعية، التي يعمل فيها منذ عام 2007، ولم يحقق أي إنجاز سياسي في الوقت الذي بنى فيه ثروة من خلال استشاراته المالية. وعزز من نشاطات مؤسسته "فيث"، وعمله الخيري في أفريقيا.
ويشير التقرير إلى أن مدير جمعية التفاهم العربي البريطاني "كابو" كريس دويل، دعا بلير إلى الاستقالة من منصبه كونه ممثلا للرباعية، وقال: "إن أراد مواصلة عمله مع الحكومات العربية وتوقيع اتفاقات معها فعليه الاستقالة من عمله كونه ممثلا للرباعية؛ لأن هناك تضاربا واضحا في المصالح".
وتورد الصحيفة نفي المتحدث باسم بلير أن يكون هناك تضارب في المصالح. واعترف أن هناك مناقشات تمت مع الإمارات العربية، لكن لم يتم توقيع عقود مع وزارة الخارجية الإماراتية، وأن الوثيقة لم يوافق عليها بلير.
ويفيد التقرير بأن بلير سافر في عام 2007، بعد استقالته من منصب رئيس الوزراء بأربعة أسابيع، إلى أبو ظبي بصفته ممثلا للرباعية. وأقامت العائلة الحاكمة على شرفه حفل عشاء احتفاء بموقعه السياسي ودوره الجديد في الشرق الأوسط.
وتقول الصحيفة إن بلير كان في مزاج مرتاح، ومن بين الذين التقاهم وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد، وتحدث الرجلان أكثر من مرة منذ زيارة بلير، ولكن الوثيقة تظهر أن الشيخ عبدالله بن زايد هو زبون لبلير.
وتكشف الوثيقة عن قيام شركة "توني بلير وشركاه" للاستشارات بتوقيع عقد مع وزارة الخارجية الإماراتية مدته خمسة أعوام قابلة للتمديد. وكتب بلير مناشدا "كما في أي بلد تظهر بين الفترة والأخرى مشاكل وقضايا تحتاج إلى حلول، وهذه المشاكل قد تكون تحديات مالية أو سياسية أو في العلاقات، ونحن جاهزون لتقديم المساعدة وحل المشاكل"، ولكن المساعدة لها ثمن. فبحسب مصدر مطلع، فقيمة العقد المقترح تتراوح ما بين 25- 35 مليون جنيه إسترليني تحصل عليه مؤسسة توني بلير وشركاه.
وتلفت الصحيفة إلى أن بلير جمع ثروة مالية من أعماله التجارية والخيرية أكثر من أي رئيس وزراء بريطاني قبله، لدرجة أنه وصف بـ"بلير إنك"، وتمتد نشاطاته من الولايات المتحدة إلى الصين. ويقول بلير إنه يكرس معظم وقته لعمله كونه مبعوثا خاصا للشرق الأوسط، ولعمله الخيري الذي يضم دعم الحكم الرشيد ومؤسسة "فيث".
ويستدرك التقرير بأنه رغم ذلك فهناك دعوات تطالب باستقالته من منصبه ممثلا للرباعية، التي تضم روسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ نظرا لتضارب المصالح.
وتذكر الصحيفة أن النائب المحافظ أندرو بريجين، قام بتقديم مشروع قرار في كانون الثاني/ يناير، يطالب فيه رئيس الوزراء السابق بالالتزام بالمبادئ التي تحكم العمل العام، وتعرف بمبادئ نولان، التي تشمل الشفافية والمسؤولية. ويقول النائب: "يعيش الشرق الأوسط فوق نار مشتعلة، ويقوم بلير بشكل مستمر بالاستفادة ماليا منه عبر عقود، وهذا مضر بسمعة بريطانيا، ويجب عليه الاستقالة كونه مبعوثا للشرق الأوسط".
ويقول مسؤولون يعملون مع بلير إن الوثيقة التي حصلت عليها "صندي تايمز" قديمة، وتعود إلى أيلول/ سبتمبر 2014، ولم يوافق عليها بلير. وقالوا إن محادثات منفصلة جرت مع الإمارات، ولكنه لم يكن ليتلقى أجرا على خدماته يتضارب مع عمله كونه مبعوثا للشرق الأوسط.
وتجد الصحيفة أن أبو ظبي تعد وجهة مربحة لرئيس الوزراء السابق، فلديه عقد مع مؤسسة "مبادلة"، وهي المؤسسة الاستثمارية السيادية، وهو من الوجوه التي تزور دائما فندق "بالاس هوتيل"، ويقيم فيه أثناء زيارته إلى أبو ظبي، وهو الفندق الذي يقدم فنجان كابوتشينو مزينا برقائق ذهبية، وسعر الفنجان الواحد 16 جنيها إسترلينيا.
ويوضح التقرير أن نشاطات بلير عادة ما تدار بسرية كاملة، فهي تتم عبر شركات صغيرة وشركاء، ومن هنا فالوثيقة تعد مهمة لأنها تقدم صورة عن نشاطات بلير وشركاته حول العالم، وتظهر استعداده لاستخدام صلاته وشبكته التي لا تنافس، بل وحتى نشاطاته الخيرية، لتحقيق أرباح مالية.
وجاء في الوثيقة أنه لا يوجد مكان عصي على عمل شركات بلير "فالمنظمات المختلفة كلها تقوم على مبدأ أساسي، وهو أن العالم اليوم يعمل من خلال المفهوم الجمعي، ولهذا فنحن نقوم ببناء سلسلة من العمليات التجارية العميقة والعلاقات بين الحكومات حول العالم. فنحن ندير أعمالا تجارية وخيرية في الوقت ذاته".
وتشير الوثيقة إلى أن عمليات بلير التجارية ممثلة الآن في 25 دولة، وفي حال أضيفت إليها عمليات مؤسسته الخيرية "فيث"، فسيصل عدد الدول إلى 50 دولة.
وتقول الوثيقة عن مشروع التعاون مع الإمارات إنه سيشمل الإشراف على المشاريع في دول أخرى مثل كولومبيا وفيتنام، وربط رجال الأعمال الإماراتيين وشركات الاستثمار الإماراتية بفرص فيما وراء البحار.
وتظهر الوثيقة أن عمل مؤسسة بلير مع الإمارات قد يساعدها على تعزيز العلاقات مع الصين، حيث يحتفظ بلير هناك بعلاقات واسعة. وتمضي الوثيقة للقول إن "تحقيق هذه الطموحات يقتضي درجة عالية من الالتزام، بما في ذلك توني بلير وفريقه المحلي (مكتب أبو ظبي)، ودعما إضافيا من مكتبنا في لندن، واستخدام شبكتنا الدولية بشكل كامل".
وتتابع الوثيقة أن الإمارات العربية المتحدة "ستوسع نشاطاتها عبر توني بلير وشركة توني بلير وشركاه"، وتبين أن فريقا مكونا من أربعة مستشارين يقيمون في أبو ظبي سيلقون دعما من "فريقنا المؤسساتي والتجاري" في لندن.
وتذكر الصحيفة أن لدى هذا الفريق خبرة في التجارة والمال، ويعمل في "مؤسسات دولية ذات خبرة طويلة أو ناشئة، حيث يعمل على توسيع الجهود لمناطق جديدة". ومقابل هذه الخدمات من المتوقع أن تقدم الإمارات مكتبا لتوني بلير، وتأشيرات صالحة للدخول والخروج لأكثر من مرة، "وخدمة طعام مناسبة".
وحددت الوثيقة أندرياس بوغارمينتر، الذي يمثل بلير في أبو ظبي، الشخص المسؤول عن المهمة.
وفي الوقت الذي تحدثت فيه الوثيقة عن علاقات سابقة مع وزارة الخارجية الإماراتية، إلا أنها لا تتحدث عن طبيعتها، ولا تعطي معلومات عن عقود تجارية سابقة. لكن من المعروف أن دور بلير مستشارا للحكومة الصربية تدفع تكاليفه الحكومة الإماراتية.
وتكشف الوثيقة الطريقة السرية التي تعمل من خلالها شركة بلير، فقد وضع على كل صفحة "سري"، مع تحذير أنه لا يجوز تصوير أو إعادة إنتاج الوثيقة أو أي جزء منها بأي شكل من الأشكال دون إذن أول من شركة بلير وشركاه.
وترى الصحيفة أنه من المثير للدهشة أنه لا توجد إشارة لتحسين وضع حقوق الإنسان في الإمارات، وهو الأمر الذي انتقدته منظمة "هيومان رايتس ووتش". وحاولت الإمارات تحسين صورتها بالاعتماد على منظمة "غلوبات نيت وورك فور رايتس أند ديفلبومنت"، التي لها مقر في دبي، وتقول في تقرير لها إن الإمارات تعامل المعتقلين بحسب القانون. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2013، نشرت المنظمة مؤشرا لحقوق الإنسان العالمي، ووضعت فيه الإمارات في المرتبة 14 من ناحية احترام حقوق الإنسان، وجاءت الإمارات متفوقة على الولايات المتحدة الأمريكية. وواجهت المنظمة تساؤلات حول تمويلها، لكنها أنكرت يوم أمس تلقيها أموالا من الإمارات.
وتختم "صندي تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن أكبر عقد وقعه بلير حتى الآن كان مع الكويت، وتقدر قيمته بـ 27 مليون جنيه، رغم أن مؤسسته تنفي هذا الأمر. لكن بلير تعرض لانتقادات شديدة بسبب تقديمه استشارات لنظام كازاخستان. بينما تقول المؤسسة إن الأموال التي تحصل عليها تغطي نفقات العمل، ولا يذهب منها شيء إلى جيبه.