ملفات وتقارير

باحثان أمريكيان: إخوان الأردن يتعرضون لانهيار داخلي

تحظى جماعة الإخوان الأم بأرضية جماهيرية على عكس الجمعية المرخصة حكوميا - أرشيفية
قال الباحثان في "معهد واشنطن"، ديفيد شينكر وجافي برنهارد، في تقرير لهما، إن جماعة الإخوان المسملين في الأردن ليست بأفضل حالاتها في هذه الأيام، فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، تنامت الانشقاقات التي تشهدها جماعة الإخوان المحلية منذ فترة طويلة، لتتحول إلى انشقاق علني سيئ، استغلته الحكومة في عمّان.

وقال الباحثان في التقرير الذي نشره المعهد على موقعه الإلكتروني إن الحكومة استغلت بمهارة الانشقاق الإخواني لتزيد من الانقسام داخل الجماعة. ونتيجة لذلك، فإنه يبرز حاليا فرع جديد من الإخوان أصغر من القديم، وأكثر ميلا للحكومة ومعترف بها لدى الجهات الرسمية. 

وحاول الباحثان إعطاء صبغة عنصرية على الخلاف الذي أفضى إلى انشقاق في صفوف الإخوان، حيث قالا إن المنتمين للجماعة من أصول فلسطينية اشتبكوا مع أعضاء من الجماعة موالين للنظام، من سكان الضفة الشرقية، من أصل عشائري، "وقد تركز الكثير من الخلاف على الأولوية النسبية للجهاد" في الأراضي المحتلة، في حين يطالب آخرون بإعطاء أولوية للشأن المحلي.

وأوضحا أن بدايات الخلاف كانت منذ أن أصبح "الصقور" متفوقين ويحددون السياسات الرئيسية للإخوان.
واحتد الخلاف بحسب الباحثين بسبب الموقف من المشاركة في الانتخابات النيابية، في 2007، ومرة أخرى في عام 2013. وقد "عانى الإخوان من نكسة أخرى في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، حين قام مسؤول كبير سابق في "جبهة العمل الإسلامي" هو رحيل غرايبة بإطلاق "مبادرة زمزم"، وقالا إن خطوته لقيت "مباركة ودعما ماليا محتملا من القصر الملكي"، على حد قولهما.

ووصفا مبادرة زمزم بأنها عبارة عن "منظمة هدفها المعلن هو إنهاء احتكار الخطاب الإسلامي من قبل الإخوان، وتعزيز إسلام أصيل وأكثر شمولا لا يُبعد الجمهور". 

وقام "مجلس الشورى" في الجماعة بالرد على المبادرة بمنع أعضائه من التفاعل معها، "الأمر الذي أبرز الصراع الداخلي بين الصقور المتشددين في المواقف السياسية، والحمائم الشرق أردنيين، المتساهلين في هذه المواقف"، على حد تعبيرهما.

تداعيات الخلاف

أوضح الباحثان في معهد واشنطن أن الانهيار الداخلي والتفكك الذي تشهده جماعة الإخوان في الأردن كان عملية طويلة دامت لسنوات. وقد نتج ذلك، جزئيا على الأقل، عن الجروح التي ألحقتها بنفسها. 

وتابعا بأنه بات من الواضح أن عقدا من الاقتتال الداخلي سيكون له تأثير فتّاك على التماسك. إلا أن الحكومة الأردنية لعبت أيضا دورا رئيسا في إدارة الانشقاق داخل صفوف الجماعة بمهارة وسرية، على حد قولهما. 

فعلى الأقل حتى الآن، كانت العواقب السلبية بالنسبة إلى عمان قليلة أو شبه معدومة. 

وفي الواقع، فإن العديد من المسؤولين الحكوميين قد تشجعوا دون شك من الإعلان الذي صدر مؤخرا عن أن تيارا ثالثا في إخوان الأردن يدعى "التيار الإصلاحي" سوف يصطف إلى جانب الفصيل المرخص برئاسة ذنيبات، بحسب متابعتهما.

تفاقم مشاكل الجماعة

واعتبرا أن أسوأ ما تعرضت له الجماعة، هو الإطاحة العسكرية بحكم الرئيس المصري، محمد مرسي وحكومته، في تموز/ يوليو 2013، واتهام الجماعة بالإرهاب وحلها القانوني، ومصادرة أصولها، وملاحقة قادتها.. فقد "دوّت في الأردن أصداء الانقلاب المدعوم من كبار الراعين لعمّان ومموّليها الماليين من دول الخليج، ما أرعب الفرع المحلي للجماعة".

وقالا إن هذا الخوف اتضح أنه كان لسبب وجيه؛ "ففي أواخر عام 2014، اعتقلت السلطات الأردنية بني ارشيد، وحكمت عليه بالسجن 18 شهرا، لانتقاده دولة الإمارات، بعد أن أدرجت الأخيرة جماعة الإخوان على لائحة المنظمات الإرهابية". 

وبعد ذلك، في شباط/ فبراير الماضي، ألمحت عمّان إلى مشاكل الترخيص لجماعة الإخوان في الأردن، متهمة إياها بارتباطها بهيكلية قيادة الجماعة في مصر. 

وفي 2 آذار/ مارس الماضي، أصدرت وزارة التنمية الاجتماعية تصريحا بإنشاء جمعية جديدة للإخوان، برئاسة القيادي السابق عبد المجيد ذنيبات، ووصفه الباحثان بـ"الزعيم المعمّر من الحمائم". 

ولم يأت بعد قرار المحكمة المرتقب الذي من المرجح أن ينقل جميع الأصول المالية والمادية لجماعة الإخوان الأردنية للفصيل الخاضع لسيطرة ذنيبات.

وبدأت هنا أزمة مقلقة للجماعة، حيث إن همام سعيد وصف الخطوة بأنها "انقلاب" قوّض قيادة الإخوان المسلمين، وانتهك القوانين الداخلية للجماعة، ما دفع بـ "مجلس الشورى" إلى طرد ذنيبات وغرايبة، وثمانية "حمائم" آخرين من المنظمة. 

وقال الباحثان إن هذا القرار الأخير "لم يُتخذ بالإجماع، إذ إن سبعين من أعضاء الإخوان البارزين قدموا التماسا إلى المجلس لإبطال الطرد، إذا وافق ذنيبات على سحب طلب الترخيص الذي قدمه". 

وعلى الرغم من هذه اللفتة التصالحية ظاهريا، فقد قالا إن "الانقسامات لم تلبث أن اتسعت بين الجماعتين".. ففي 9 آذار/ مارس، أصدرت جماعة ذنيبات بيانا رسميا أعلنت فيه عن عزمها على تشكيل هيئة قيادية جديدة، والأهم من ذلك، إعطاء الأولوية للهوية الأردنية للجماعة. 

وأوردا أن ذنيبات يضغط على الحكومة لنقل جميع الممتلكات العقارية والحسابات المصرفية لجمعيته المرخصة حديثا، ووقف جميع النشاطات التي تقوم بها الجماعة الأم.

وفي آذار/ مارس الماضي، قال عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين، إبراهيم منير، المقيم في لندن: "نحن لا نعترف إلا بمجلس الشورى العام لجماعة الإخوان في الأردن، ومراقب الجماعة العام، الدكتور همام سعيد، ومجلسه التنفيذي الشرعي الذي جاء بانتخابات من كافة أعضاء الجماعة".

واعتبر الباحثان أن هناك القليل الذي يمكن أن يفعله "الصقور" في هذه المرحلة. ففي 23 نيسان/ أبريل الماضي، أعلن وزير الداخلية حسين المجالي "أنه لن يسمح لأي جهة أو جماعة بتنظيم أي نشاطات أو فعاليات عامة على الأراضي الأردنية، نيابة عن جماعات خارجية، تفرض أجندتها على الدولة الأردنية"، ولا يزال هذا هو الموقف الرسمي للحكومة غير القابل للتغيير على الأرجح حول الموضوع. 

وقالا: "في حين أنه من المؤكد أن تواصل الجماعة الأم التحدث بنبرة قاسية، إلا أن أمامها عددا محدودا إن وجد من الخيارات السلمية القانونية، لاسترداد السيطرة على الحركة"، على حد قولهما.

 
* يشار إلى أن ديفيد شينكر هو مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، وجافي برنهارد هو مساعد باحث في المعهد ذاته.