حقوق وحريات

"جمهورية المشانق".. تقرير حقوقي ينتقد أحكام الإعدام بمصر

تناول تقرير المنظمة الحقوقية "انهيار منظومة العدالة في مصر" - عربي21
نشرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا تقريرا لها، انتقد أحكام القضاء المصري، المثيرة للجدل، التي طالت المعارضين لنظام المعارضة والمؤيدين للرئيس محمد مرسي، الذي يواجه أيضا حكما بالإعدام.

وتحت عنوان "جمهورية المشانق"، وصفت المنظمة الحقوقية في تقريرها الذي وصل "عربي21" نسخة منه، ما تشهده مصر من أحكام جماعية بالإعدام، بالانهيار الكامل في منظومة العدالة. 

وأوضح التقرير الحقوقي أن مئات المصريين يواجهون خطر تطبيق عقوبة الإعدام بحقهم، بعد محاكمتهم في قضايا ذات خلفية سياسية، ويبدو أن الحكومة المصرية عازمة على تنفيذ تلك الأحكام دون تمهل، عقب انتهاء درجات التقاضي الشكلية المنصوص عليها في القانون المصري، على حد قولها. 

وتلقى مصر انتقادات دولية وحقوقية جراء "تغول الأجهزة الأمنية التي أنيط بها قمع المتظاهرين وقتلهم واعتقالهم وتعذيبهم، وتمرير القضايا إلى النيابة العامة لتضفي عليها صبغة قضائية، وتحيلها إلى دوائر قضائية خاصة اختيرت بعناية من قبل وزير العدل"، وفق تقرير المنظمة العربية.
  
وأشار إلى أن آلاف الأشخاص يحاكمون أمام ساحات القضاء المصري بعد اتهامهم بقضايا في أغلبها ممارسات لمعارضة السلطة الحاكمة، في إطار حرية الرأي والتعبير، المكفولين في القانون المصري، حيث أصدرت هذه المحاكم أحكاما قاسية بدءا من الإعدام وحتى المؤبد والحبس والغرامات المالية الباهظة.

معايير العدالة

أوضحت المنظمة العربية لحقوق الإنسان أن كافة المحاكمات التي انتهى قضاتها إلى الحكم بالإعدام بحق المتهمين، لم تتوافر فيها المعايير الدنيا للمحاكمات العادلة، وكانت الأحكام فيها منتجا سياسيا بامتياز لتتعادل تلك الأحكام مع أي قرار إداري صادر عن السلطة التنفيذية.

القتل العمد في ساحات القضاء

ذكر التقرير الحقوقي أن عدد الأشخاص الذين أحيلت أوراقهم إلى المفتي منذ الثالث من تموز/ يوليو 2013 (الانقلاب العسكري) وحتى الثامن والعشرين من أيار/ مايو 2015، بلغ 1665 مواطنا، وهو إجراء تمهيدي للحكم بالإعدام من قبل القضاء المصري، ليتم تثبيت الحكم بعد ذلك على 530 منهم حتى الآن، من بينهم سبعة مصريين حُكموا بأحكام نهائية وباتة، بعد استنفاد كافة طرق الطعن، ونفذت السلطات الإعدام بحقهم جميعا.

وبيّن التقرير أن دوائر الإرهاب ومحكمة عسكرية كانت قد أصدرت تلك الأحكام في 22 قضية، لا زالت أربع قضايا منها في انتظار رأي المفتي قبل الفصل فيها، ومن بين تلك الأحكام حكم واحد صدر من القضاء العسكري.

واستعرض التقرير عددا من القضايا التي شهدت أحكاما بالإعدام وينتظر رأي المفتي فيها، وهو رأي استشاري غير ملزم.

انتهاكات في قضايا الإعدام 

تناول التقرير انتهاكات شهدها القضاء المصري، في إصداره أحكاما بالإعدام على ناشطين سياسيين ومعارضين للنظام عبد الفتاح السيسي، حيث أوضحت أن كافة القضايا التي استعرضتها المنظمة العربية في تقريررها تمت بناء على أدلة واهية لا تكفي بأي حال لإثبات إدانة أي من المتهمين على ذمتها. 

وقال إن أوراق تلك القضايا حوت قدرا كبيرا من التناقضات والأمور اللامنطقية الواضحة التي كانت محل انتقاد العديد من المنظمات الحقوقية والتقارير الصادرة من الأمم المتحدة واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب وبعض الدول الأوروبية.

وبيّنت أن كافة القضايا المذكورة تمت بناء على دليلين أساسين في الأغلب، وهما "تحريات الأجهزة الأمنية السرية" و"اعترافات بعض المتهمين"، مضيفا أنه "بلا شك أن كلا الدليلين لا يمكن الوثوق بهما في ظل نظام ألغى حياد كافة مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسات الأمنية، وفي ظل انتشار التعذيب في مصر بشكل منهجي لانتزاع اعترافات من المعارضين".

ومن الانتهاكات التي تناولها التقرير "العيوب الجسيمة التي تحويها القوانين المصرية"، وذلك لنصها على عقوبة الإعدام لأكثر من 105 جرائم، سواء المتعلق منها بقانون العقوبات أم القانون العسكري، أم قانون الأسلحة والذخائر، م القوانين الجنائية الخاصة، موضحا أنها "نصوص صيغت في أغلبها بشكل فضفاض غير محدد، وتفتح الباب للتوسع في العقوبة بحق أي معارض سياسي".

وأوردت كذلك حرمان المتهمين في كافة القضايا من حقهم في الدفاع عن أنفسهم بصورة كاملة"، حيث رفضت المحاكم النظر في دفوعهم القانونية أو التحقيق في الانتهاكات التي تعرضوا لها من قبل أجهزة الأمن، وخاصة وقائع انتزاع الاعترافات تحت وطأة التعذيب.

وجاء في التقرير أن العديد من تلك القضايا تخللها أخطاء مهنية جسيمة، مثل الحكم على أشخاص قد توفوا أو معتقلين خارج مصر، كما هو الحال في قضية التخابر مع حركة حماس، أو أشخاص سافروا منذ سنوات، أو معاقين جرى اتهامهم بارتكاب أعمال عنف وقتل وتخريب، مثل ما حدث في قضية أحداث المنيا، وكذلك في قضية عرب شركس، التي نُفذ حكم الإعدام فيها في ستة متهمين، رغم ثبوت اعتقال بعضهم قبل حدوث الوقائع التي حوكموا فيها بأشهر.

وصدرت بعض تلك الأحكام بحق المئات في جلسة واحدة أو جلستين، وفي دقائق معدودة لا تكفي القاضي كي يقرأ أسماء المتهمين، فضلا عن بحث القضية، وتفنيد ما بها من أدلة.

واستعرض التقرير حالات لمتهمين تم اعتقالهم، وكذلك القضاة الذين أطلقوا هذه الأحكام، ومن بينهم المستشار محمد ناجي شحاتة، والمستشار شعبان الشامي.

يشار إلى أن المستشار شحاتة، يرأس الدائرة الخامسة في محكمة جنايات الجيزة، وهي إحدى دوائر الإرهاب التي تم استحداثها في أعقاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، للنظر في القضايا التي تصنفها الأجهزة الأمنية وجهات التحقيق الابتدائي على أنها قضايا إرهابية.

أما المستشار شعبان الشامي، فهو رئيس الدائرة الخامسة عشرة في محكمة جنايات القاهرة، التي تم تخصيصها أيضا لنظر قضايا الإرهاب، وهو من أصدر أول حكم قضائي بالإعدام بعد الثالث من تموز/ يوليو في جلسة لم تتجاوز مدة انعقادها الخمس دقائق، وفي غياب كافة المتهمين عن أحداث وقعت قبل خمسة أعوام في القضية المعروفة إعلاميا بـ"خلية السويس".

أحكام قضاء مصر والممارسات الإرهابية

وخلص تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان إلى أنه لا فرق بين جملة الجرائم المروعة التي ارتكبها النظام المصري بحق المواطنين وممارسات الجماعات الإرهابية التي يدعي محاربتها، "فلا فرق بين من قتل برصاص أو بحكم تعسفي، فكلا الأمرين مناهض للقوانين المحلية والدولية".

وأضاف أن السلطات المصرية أوغلت منذ تموز/ يوليو 2013 في دماء المصريين، وفي استباحة غير مسبوقة لحرمة الروح في التاريخ المصري، وأنها لم تكتف بعمليات القتل الجماعي في الميادين والشوارع، باستخدام القضاء لإصدار أحكام جماعية بالإعدام .

وتوصل التقرير إلى أن أحكام القضاء المصري لا تراعي معايير العدالة الجنائية، ما يؤكد انهيار منظومة العدالة في مصر، فكافة الأدلة والدراسات للقضايا المحكوم فيها بالإعدام تؤكد أن هذه القضايا هي سياسية بامتياز، وهي إحدى أدوات النظام لقمع معارضيه.

وطالبت المنظمة الحقوقية أمين عام الأمم المتحدة، بان كي مون، بالتحرك الفوري من أجل إلغاء أحكام الإعدام، إلى جانب دعوة مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إلى تشكيل لجان للتحقيق في جرائم النظام المصري، واتخاذ إجراءات حاسمه لوقفها ومحاسبة المسؤولين عنها.

ودعت في توصياتها إلى ملاحقة كل من تورط في أحكام الإعدام بتهم القتل العمد، والتآمر لارتكاب هذه الجريمة، وعلى وجه الخصوص القضاة، شعبان الشامي، ومحمد ناجي شحاته، وسعيد صبري، ومعتز خفاجي، وصلاح حريز، وغيرهم، إضافة إلى النائب العام هشام بركات، ومن وصفته بـ"مفتي الإعدام" شوقي علام.