كتاب عربي 21

رمضانهم غير

1300x600
1-

"المسجونين في ليمان طره بيتقفل عليهم الزنازين الساعة 2 ظهرا، ويفضل قاعد بالأكل بتاعه للفطار اللي هو الساعة 7. يعني تخيل معايا كدا حضرتك. الساعة تيجي 2 الظهر، أحمد بياخد أكله اللي المفروض سخن والمشروبات اللي المفروض ساقعة ويدخل زنزانته "الانفرادي" يفضل قاعد 5 ساعات مستني المغرب علشان يقعد يفطر لوحده، وطبعا الأكل بيكون برد، إن مكانش حمض، وحتى الأكل بتاع السجن ممكن ميجيش أصلا أو يتسرق ساعة التريض. ويوم الخميس بيدخل زنزانته الظهر مبيطلعش منها غير السبت الصبح علشان الجمعة أجازة وممنوع الخروج من الزنزانة".

هذا ما قاله "مصطفى" شقيق الناشط السياسي المعتقل أحمد ماهر، عن الطريقة التي يقضي بها شقيقه وزملاؤه شهر رمضان، فبينما يقضي أحمد نظيف وحبيب العادلي وأنس الفقي رمضان في بيوتهم، وبينما يقضي يوسف بطرس غالي ورشيد محمد رشيد رمضان في فنادق فخمة بالخارج، وهم من دمروا مصر وأفقروها لثلاثة أجيال قادمة، يقضي شباب الثورة رمضان في زنازين انفرادية لأنهم تجرأوا ورفضوا الظلم في بلد يحبه!

2-

"لم أكن أتمنى أن يكون في السجون أحد يقضي رمضان بعيداً عن عائلته، لكن ليس لدينا خيار، في ظل الظروف التي تمر بها البلد.. يتم إلقاء القبض على البعض حتى يعيش الباقي، وفي بلد فيها 90 مليون نسمة، ومن أجل تأمينهم في ناس بتيجي في الرجلين، ونحن نراجع ذلك، فيه مظلومين ونحن نعمل لتصحيح الخطأ".

هكذا أعلنها الجنرال صريحة وهو يجلس أمام مائدة طعام عامرة في إفطار الأسرة المصرية: نعلم أن هناك مظلومين يقضون رمضان في السجون، لكن ما المشكلة؟ يجب أن نلقي القبض على البعض ليعيش الباقون، وسنعمل على تصحيح الخطأ، وإن مكانش النهاردة يبقى بكرة، مش رمضان ده يبقى رمضان الجاي، اللي بعده، هي ساعة السجن تتعوض؟

الطريقة التي يتعامل بها السيسي مع المحبوسين في السجون لا تختلف عن الطريقة التي يتعامل بها مع المحبوسين خارجها، يجب أن يتحمل الجميع من أجله، وأن يعاني الجميع ليستقر حكمه هو، يكرر تأكيده على وجود مظلومين بالسجون في كل كلمة يلقيها، يتعامل ببساطة شديدة مع معاناة مئات الشباب داخل السجون والآلاف من أسرهم خارجها، لا يأمر بإنهاء مظالمهم ولا يأمر حتى إدارة السجن بأن تعاملهم كما كانت تعامل لصوص مصر وقتلة أبنائها قبل شهور.

3-

"بالرغم من ارتفاع درجة الحرارة في رمضان هذا العام، ما زالت إدارة سجن برج العرب ترفض دخول المراوح للعنابر والزنازين التي يحضرها أهالي المعتقلين، التمر ممنوع، فعندما حاولت إدخاله إلى زوجي وشقيقي المعتقلين قوبلت محاولتي بالرفض، وطلبوا منا نزع النواة منه شرطا لإدخاله، حتى العصائر ممنوعة ولا بد من شرائها من داخل السجن، زينة رمضان أضيفت إلى قائمة الممنوعات بدعوى أنه سجن، ومواعيد الزيارة لم تتغير، فما زالت لا تستغرق أكثر من 10 دقائق".

هذا ما قالته هند القهوجي شقيقة المعتقل لؤي القهوجي في تصريحاتها لـ"مصر العربية" عن ظروف اعتقال شقيقها في رمضان، وتصورها الساذج أن من يديرون السجون سيسمحون ببعض الاستثناءات في الشهر الكريم، ولو كرامة وتعويضا لمن يقول عنهم السيسي إنهم في السجن ظلما وزورا.

4-

من داخل السجون هناك عشرات الحكايات عن الظلم الذي أصبح دولة، والمظاليم الذين يدفعون ثمنا لجرائم لم يرتكبوها لأن من تشبه الدكتورة آمنة نصير عدله بعدل عمر بن الخطاب يرى أن الظلم ضروري للحفاظ على الدولة، ورمضان الذي ضاعت لذته في آلاف البيوت لأن أحد أبنائها يقضيه في زنزانة انفرادية.

في ليلة لا تقل سوادا عن ليلتنا قال محمد مرسي: "مفيش مانع نضحي بشوية عشان الباقي يعيش"، والآن يقول السيسي: "في الظروف التي تمر بها البلد يتم إلقاء القبض على البعض حتى يعيش الباقي"، لكن بينما هاجت الدنيا في الحالة الأولى واعتبروها دليلا على نقص أهلية محمد مرسي وعدم أحقيته بالحكم واستهانته بأرواح شعب مصر العظيم، اعتبروا حديث السيسي في الحالة الثانية مصارحة تحسب للرئيس ودلالة على عدم إنكاره المشكلات وسعيه لإصلاحها.

في السجن عشرات/ مئات/ آلاف المظلومين، يسألون كلما رُفع أذان عن السبب الذي حُرموا لأجله من تناول الإفطار مع أسرهم والسهر مع أصدقائهم حتى السحور، من حسن حظهم أنهم لم يسمعوا إجابة سؤالهم من السيسي، فإذا كانت الأسئلة قاسية عندما تكون بلا إجابة، فإنها تكون أقسى إذا كانت إجابتها أن الظلم ضرورة.