مقالات مختارة

مشكلة نقص الدولار

1300x600
كتب عماد الدين حسين: قبل نحو شهر قابلت مسؤولا خليجيا كان يزور القاهرة في حفل استقبال بأحد فنادق القاهرة الكبرى.

تحدثنا في قضايا كثيرة محلية وإقليمية. وسط كلامه قال لي: إنه يتمنى أن تبدأ مصر في وضع خطط محددة تتعامل مع المساعدات الخليجية، باعتبارها لن تستمر إلى الأبد، وأنها قد تتوقف أو تنخفض في أي لحظة. لم يكن كلام هذا المسؤول الخليجي جديدا على أذني، فقد سمعته من أكثر من مسؤول عربي خلال الأشهر والأسابيع الماضية.

بعد هذا اللقاء بيومين، كنت أتحدث مع خبير اقتصادي بارز، وقال لي إن مشكلة مصر الحقيقية في الفترة المقبلة هي الدولار ثم الدولار ثم الدولار، وبعده تجيء بقية المشكلات والأزمات الأخرى.

في رأي هذا الخبير ـ-الذي يعرف السوق جيدا، وهو متابع للأوضاع السياسية- فإنه مع كل التقدير للمشكلات السياسية، فإن انخفاض المعروض من الدولار هو المشكلة الأصعب.

تذكرت هذا الكلام وأنا أتابع قرار البنك المركزي بتخفيض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار أكثر من مرة، آخرها بمقدار عشرين قرشا خلال الأسبوع الماضي.

تقول بعض التقديرات إن الجنيه سوف يواصل "الهبوط المدار أو المخطط" ليصل سعر الدولار إلى ثمانية جنيهات ونصف، خلال ستة أشهر من الآن.

الدولار يأتي لمصر من مصادر أساسية: السياحة وكلنا يعرف حالها الصعب، والاستثمارات الأجنبية شبه المتوقفة، وقناة السويس بنحو خمسة مليارات، إضافة إلى المساعدات العربية.

البعض لا يدرك حجم الجميل الذي فعلته الإمارات والسعودية لمصر في العامين الماضيين في ظل نقص موارد مصر من العملة الصعبة، والأهم في ظل توقف الإنتاج في قطاعات عديدة.

وبحسب قول مسؤول مصري، فإنه لا يعرف كيف كانت مصر ستتصرف إذا غابت المساعدات خصوصا الإماراتية، التي تشعبت في العديد من القطاعات الأساسية من أول تطوير قرى وتوريد أتوبيسات نقل عام نهاية ببناء الصوامع وتأمين شحنات الوقود المختلفة، مرورا بدعم مصر في المحافل الدولية.

في تقدير هذا الاقتصادى الكبير، فإنه كان الله في عون الرئيس عبد الفتاح السيسي، لأن مصر في قطاع واحد مثل الكهرباء تحتاج إلى محطة كهرباء كل أربعة أشهر بعدد سكانها الـ95 مليونا، في حين كانت تحتاج إلى محطة كل ثلاث سنوات عام 1956، بعدد سكان نحو عشرين مليونا.

الدعم العربي سيتوقف إما آجلا أو عاجلا، خصوصا في ظل الأوضاع الإقليمية المضطربة، وانخفاض أسعار البترول، والضغوط الدولية المتزايدة على الخليج بوقف المساعدات، والمعلومات المتاحة تقول إن المساعدات والمنح والقروض قد بدأت تتقلص فعلا.

إذن كيف سنتصرف في هذه الحالة؟

هناك معادلة صعبة جدا تواجه الحكومة خلاصتها، أنه ينبغي عليها أن تواصل التخلص من دعم الطاقة، وفي الوقت ذاته لا تزيد الأعباء على الطبقات الفقيرة والمهمشة.

هناك أكثر من خيار منها أن تخفض الدعم المباشر وتتوسع أكثر وأكثر فى شبكات الحماية الاجتماعية خصوصا برامج مثل تكافل وكرامة، لكن ميزانية هذين البرنامجين المهمين لاتزال قليلة جدا، والمستهدف هو 1.5 مليون شخص قد يتضاعفون إلى ثلاثة ملايين، في حين أن التقديرات الرسمية تقول إن ربع عدد السكان صاروا عمليا تحت خط الفقر.

السيناريو الثاني هو العودة مرة أخرى إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولى والقبول بالدواء المر، أو الإسراع في التخلص من الدعم مع ما يستتبعه من رفع أسعار السلع بصورة آلية.

السيناريو الثالث أن تتخذ الدولة خطوات حقيقية تجعل جزءا من القادرين هم الذين يتحملون الفاتورة الأكبر للإصلاح الاقتصادي، وليس الفقراء جدا.

الحكومة عمليا لا تملك أوراق ضغط حقيقية عليهم لأنهم يهددون دائما بالتوقف عن الاستثمار وتوفير فرص عمل للفقراء والداخلين الجدد إلى سوق العمل. ومع زيادة الاستقطاب والعنف والإرهاب وغياب برلمان منتخب، فإن الصورة تبدو شديدة الصعوبة اقتصاديا. فعلا كان الله في عون الحكومة. هي في وضع لا تحسد عليه.

(عن صحيفة الشروق المصرية، 13 تموز/ يوليو 2015)