مقالات مختارة

بعد رمضان..!

1300x600
كتب هاني البدري: نقطة وسطر جديد، ونبدأ من حيث انتهينا قبل أن يداهمنا الشهر الفضيل بتفاصيله ومعطياته.

بعد رمضان أتوقف في العادة مع حصيلة ما جرى، حوادث السير وإصابات التخمة، شكاوى الأسعار والعيون التي فقأها (فتيش) طائش، ملل الطبخ اليومي، ومسلسلات السهرة.

في المشهد التلفزيوني الرمضاني، لم نخرج بما هو جديد على امتداد العالم العربي فالوهم والهواجس والعنف والمعالجات السطحية والمغالطات كلها كانت من سمات دراما الشاشة في رمضان.

بعد رمضان أصبحت نساء العالم العربي يبحثن عن رجل بمواصفات أبطال مسلسل "تشيللو" من حيث الرقة والأناقة واحترام الأنثى وطبعا الوسامة الطاغية.

بعد رمضان اكتشفنا أننا ما زلنا أسرى التاريخ المزور لعنتريات مزعومة وقبضايات من ورق، في باب الحارة بجزئه الجديد الذي استنفد كل البطولات، والذي لم يعلن حتى هذه اللحظة عن نهاية للمهزلة المستمرة التي باتت مملة وسمجة، لكنها تجد من يتابعها ويتفاعل مع أحداث الزعامة و"الزغرتية" التي أدت بنا إلى ما وصلنا إليه.

لم نعرف بعد أن انتهينا من متابعة "حارة اليهود" ما المطلوب؟ أن نقبل الآخر، أم أن علينا أن نتعاطف مع يهود الحارة المصرية القديمة، وسط عشرات المغالطات التاريخية والتسطيح اللافت في التعامل مع القضية الفلسطينية، وحين نجد أن الشيخ الفلسطيني يتحدث باللهجة العراقية والمحتل اليهودي يرطن باللبناني، أخطاء بالجملة تعتري العمل.. ينتهي، ولا نعرف بعد رمضان ما حكمة العدد.

في "تحت السيطرة" ثلاثون حلقة من الإدمان المبالغ فيه، التوغل في أعماق هذا العالم المغلق، لكن حلا أو حتى مجرد اقتراح، أو توصية.. لا نرى، فيما مشاكل الشباب في العالم العربي تنذر بما هو أسوأ.
قبل أيام كان الرئيس أوباما يتحدث للصحفي توماس فريدمان عن حجم المشاكل المتوقعة في العالم العربي بسبب إخفاق الحكومات العربية عن إيجاد حلول جذرية لمشاكل الشباب وتفشي الفساد.

في مسلسل "بعد البداية"، قُدمت دراما رمضانية هي أيضا أمضت ثلاثين يوما تتحسس مواطن الفساد في الأجهزة الحكومية العربية بدون حلول.

نفهم أن هذا هو الواقع، ولا نتفهم أبدا أن المليارات التي تُصرف على الدراما كل رمضان لا تأتي بالفائدة والنفع اللهم إلا بتحقيق التسلية وقضاء السهرات الرمضانية، وإلا كيف نواجه هذه العشوائية التي نعيش في الأحياء وفي العلاقات، وكيف نواجه لعبة تبديل الأقنعة التي تمارس كل يوم كما أظهر "أستاذ ورئيس قسم" وصاحبه.

اكتشفت هذا الرمضان أننا ما زلنا نركض وراء الخرافة والأسطورة وأحلام الثراء السريع، تشدنا الحكايات التي تداعب فشلنا وقلة حيلتنا. 

لم تحرمنا الشاشات في رمضان من الحضور (اللازمة) للدعاة ورجال الإفتاء على الهواء، حيث الفتاوى والنهي والمنع تُصاغ مباشرة، ترسخ معها مكانة الدعاة ورجال الفتوى بصفتهم قادة ومرشدين.

ألم نصل إلى حدد الملل بعد من كم الاستهانة بمشاعر الناس، بهلعهم وردود أفعالهم الطبيعية، وفي برامج تصر على أنها خفيفة الظل وبمقالب تتلاعب بكرامات الناس وبأحاسيسهم.

وما يزال في رمضان من يُقدم أعمالا درامية تحاك على مقاس النجمات وتُصنع لتمجيد النجوم، وتجميل مواقفهم السياسية، وأما المليارات التي تدفع لإنتاج هذه الدراما التي تسلينا فقط فتشيح وجهها عن شوارع وأحياء في عواصم عربية تفتقر إلى أقل الخدمات وملايين الشباب العاطل الذي لا يفكر إلا بتقليد شخصيات هذه الدراما.

(عن صحيفة الغد الأردنية 23 تموز/ يوليو 2015)