مقالات مختارة

حماس.. القيادة بلا دولة

1300x600
كتب فايز الفايز: لا تزال الأوساط السياسية والإعلامية العربية خصوصا الفلسطينية منشغلة بالتباكي على جريمة إحراق عائلة الشهيد الفلسطيني الطفل علي دوابشة ولاحقا والده، وإصابة أخويه ووالدته أثناء نومهم في منزلهم بقرية دوما على يد مجموعة من الإرهابيين اليهود، ورغم بشاعة الجريمة التي تمثل "الطبيعة اليهودية الصهيونية"، فإن قطاع غزة المحاصر حتى اليوم شهد طيلة سنوات آلاف الحوادث المشابهة لقتل وإحراق الأطفال والنساء والعائلات داخل بيوتهم، جراء القصف الصاروخي والمدفعي المباشر من قبل جيش الاحتلال الصهيوني، ولكن الفرق أن غزة فيها قيادة تدعى حماس تأخذ الثأر بأي طريقة من القاتل الصهيوني، فيما في الضفة الغربية هناك "قادة بلا قيادة" لا يملكون إلا العويل والتهديد اللفظي والتهويل.

حماس، التي لا يحبها الرئيس محمود عباس ولا قيادة فتح كثيرا، رغم الابتسامات المطاطية التي يحاول الجميع إظهارها خلال الاجتماعات، تشكل قلقا كبيرا لدى القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وهم يحاولون إفشال أي عملية مصالحة تسعى لها حماس مع قيادة فتح، أو مع أي طرف من الأطراف العربية التي تناصب حماس العداء دون أي مبرر واضح أو تهديد سياسي وأمني معلن، لهذا شهدت حماس خلال العقد الماضي حصارا سياسيا وماليا كبيرا من غالبية الأنظمة العربية عدا دولة قطر التي واجهت اتهامات مضحكة من قبل بعض الأنظمة بأنها تدعم حماس علانية، فيما كان النظام السوري لا يزال يبيع بضاعة المقاومة دون أن يكشف قناعه ليظهر الوحش خلال الثورة، ولهذا اضطرت حماس إلى التعامل مع إيران لتأمين التمويل المالي والدعم العسكري اللازم للدفاع عن أرض غزة وشعبها، وضمان بقائها جدارا صلبا في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

اليوم وبعد أن انهار عدد من الدول العربية وأنظمتها فعليا كليبيا والعراق واليمن وسوريا وتحولت أراضيها إلى ساحات حرب مزدوجة، دون أي إمكانية لمن يدعون حكمها بالسيطرة عليها، تبقى حركة حماس تمثل القيادة الحكيمة والمحترفة سياسيا وعسكريا لقطاع غزة الذي يعادل بمساحته وسكانه مساحة وسكان بعض الدول العربية، وتقود معركة الدفاع عن الأرض والإنسان ضد الوحشية والإرهاب الإسرائيلي الممنهج، رغم الخلاف بينها وبين بعض الأنظمة العربية، فيما الشريك الوطني في الضفة الغربية لا يملك من أمره شيئا، حتى تحول إلى مدير منطقة، يسير الأعمال اليومية، بينما يشكل قادة الأجهزة الأمنية في السلطة تهديدا فاضحا للمجاهدين والثوار والوطنيين الذين يقاومون الاحتلال.

من هنا يبدو الأمر أكثر طرافة محزنة، مابين قيادة حماس التي لا تشكل فعليا قيادة دولة، وما بين قيادات دول فشلت في الحكم وإدارة أمور الدولة، فإما سقطت ضحية الثورات أو نخرها الفساد والمديونية والعجز السياسي، أو تحولت إلى الحكم العسكري الباطش، وسخرت القضاء والإعلام والسياسة وحتى التعليم ضد خصومها ومعارضيها، وما يجمع هؤلاء جميعا هو مناصبتهم العداء لحركة حماس وقادتها واعتبارهم إرهابيين.

إن حركة حماس عادت لتثبت وجودها وقوتها السياسية، فقد مثل السيد خالد مشعل قيادته لها كقائد حكيم محترف، فهو بات يمتلك ألق الزعامة بسبب الكاريزما التي يتمتع بها، فحضوره طاغ في المشهد السياسي وهو يعتمد فلسفة متميزة في طروحاته السياسية فيما يخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث يمتلك الرؤية الحصيفة التي مكنته من البقاء في المركز الأول كأكثر القيادات الفلسطينية احتراما وشعبية لدى العالم العربي والعالمي، وتمثل زياراته إلى المملكة العربية السعودية واجتماعه مع الملك سلمان بن عبدالعزيز والمحادثات التي جرت وما سيتبعها من تطورات إيجابية لصالح قطاع غزة خصوصا والتعاطي مع حركة حماس والإسلام السياسي عموما، يعتبر فتحا متميزا للحركة التي عانت خلال السنوات الماضية من القطيعة العربية لها، فيما يلعب القادة الآخرون كموسى أبومرزوق ومحمود الزهار ويحيى البطش وغيرهم روافع سياسية لتلك القيادة الفلسطينية في جنوب فلسطين.

إن الانفتاح السعودي على قيادة حماس والدعوات التي تلقتها من قبل الخارجية الروسية والاتصالات الرفيعة مع القيادة التركية والحضور الحمساوي في المشهد الفلسطيني العام وبقاء العلاقة مع إيران دون قطيعة، كل ذلك يعود فضله سياسيا لإصرار القيادة القطرية على أن تبقى حركة حماس قوية معنويا وسياسيا وماليا، خلال السنوات الماضية، ولعل مشروع الميناء العائم والمطار الذي اقترحته قطر وتركيا، إن تم تنفيذه يعطي الأمل لحياة أفضل لسكان قطاع غزة وإعادة إعماره، ولكن الأهم من هذا أن تغير الأنظمة التي تعادي حماس سياستها تجاهها، في ظل تصاعد التنظيمات المتطرفة التي تجوب البلاد العربية وفي ظل تصاعد قوة حركات اليمين الإسرائيلي والحركات الإرهابية الصهيونية التي تنكل بالفلسطينيين وتقتلهم بدم بارد.

إن حماس باتت قيادة تستطيع قيادة دولة كبرى، رغم ما يشيعون عنها في الأوساط الصهيونية والعربية المضادة من المعلومات المضللة، ذلك أن لها رسالة وهدفا، ورسمت إطاراً أيديولوجياً وسياسياً وعسكرياً لخدمة ذلك الهدف دون الخشية من الموت للقيادات واغتيالهم، فالرسالة هي الخلاص من العدو الصهيوني وحماية الشعب الفلسطيني الذي نسيه الثوار والمجاهدون وقيادته المستمتعة بالتصاريح الإسرائيلية.

(عن صحيفة بوابة الشرق القطرية، الثلاثاء 11 آب/ أغسطس 2015)