كتاب عربي 21

ظهور غريب للظواهري وبيعة أغرب

1300x600
على مدى عام بالتمام والكمال اختفى زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري عن المشهد الجهادي العالمي رغم خطورة التحولات الجهادية، وسرعة التطورات في الوقع السياسي الإقليمي والدولي، فالرجل الذي ورث منظمة جهادية ممتدة بدا عاجزا عن مواكبة الأحداث وغير قادر على السيطرة على فروع القاعدة، ويفتقر إلى إدارة الصراعات داخل الشبكة، فضلا عن فشله في تدبير الخلافات مع الجماعات الجهادية المنافسه.

أحد أبرز نقاط الغرابة والدهشة في ظهور الظواهري الأخير الذي قدم فيه بيعته لملا أختر محمد منصور، هو سرعة استجابة الظواهري للحدث، إذ عقب إعلان حركة طالبان في 29 تموز/يوليو 2015 عن وفاة الملا عمر، ثم إعلان الحركة عن انتخاب الملا أختر محمد منصور زعيما جديدا، في 31 تموز/ يوليو 2015، لم يتأخر الظواهري أكثر من ساعات ليعلن عن بيعته للزعيم الجديد وذلك يوم السبت في 16 شوال 1436، الموافق 1 آب/ أغسطس 2015، بحسب تاريخ التسجيل لبيعة الظواهري، الذي صدر عن مؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامي التابع للقاعدة، رغم أن ظهور الشريط على شبكة الانترنت جاء في 12 آب/ أغسطس 2015.

الاستجابة السريعة من الظواهري أثارت جدلا واسعا نظرا للخلافات العميقة داخل حركة طالبان، وغياب الاجماع حول شخصية منصور وعلاقاته مع جهاز الاستخبارات الباكستانية، فبعض الأجنحة كانت تفضل اختيار نجل الملا عمر الأكبر المولوي محمد يعقوب، وبعضها الآخر كان يرغب بتولي رئيس المجلس العسكري لحركة طالبان الملا قيوم ذاكر، وهما من أشد معارضي نهج أختر منصور المتعلق بالسلام مع حكومة أشرف غني الأفغانية، ولعل رفض طيب آغا مدير مكتب طالبان السياسي في قطر لبيعة منصور وانسحابه من الحركة اعتراضا على طريقة الاختيار، ومعه عدد من كبار قادة الحركة، كانت لتشكل دافعا للظواهري للتريث وهو المشار إلية في الفضاء الجهادي القاعدي بــ"حكيم الأمة"، الأمر الذي دفع خصومه من الجهاديين من أنصار تنظيم الدولة الإسلامبة إلى القول: إن "زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بايع المخابرات الباكستانية"، وهي إشارة دالة على أن الظواهري خاضع لجهاز الاستخبارات الباكستاني (آي أس آي) كما هو حال صديقه الملا أختر منصور.

غرابة ظهور الظواهري أنه اكتفى بمتابعة بيان حركة طالبان الخاص بإعلان وفاة الملا عمر، وبإضفاء صفات القداسة وذكر المناقب، دون الاشارة إلى ملابسات وفاته، والتي  تشير المعلومات الأكثر موثوقية أن وفاته كانت في كانون ثاني/ يناير 2013، عندما  تسربت الأخبار في 23 نيسان/ أبريل 2013، وقد حدد مكتب طالبان في قطر التاريخ الأخير كتاريخ مؤكد للوفاة، الأمر الذي دفع بروس ريدل إلى القول: "ما زالت حركة طالبان مصممة للتغطية على حقيقة أن الملا عمر كان "ضيفًا" على الاستخبارات الباكستانية منذ عام 2002؛ حيث كان يختبئ في منازلهم الآمنة في كويتا وكراتشي. والاعتراف بهذه الحقيقة قد يقوض طالبان كمجموعة من المحاربين القوميين الذين يقاتلون جيش الناتو "الصليبي"، وقد يسبب أيضًا حرجًا بالغًا لإسلام آباد".

وفاة الملا عمر جاءت في سياق تحولات عميقة في الظرف الدولي والإقليمي والمحلي الخاص بأفغانستان وحركة طالبان، وتتمثل بدخول الحركة في محادثات سلام مع حكومة أشرف غني الأفغانية تحت إشراف باكستاني، وصعود تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، ومنافسة أبو بكر البغدادي للملا عمر على لقب أمير المؤمنيين، وتنامي الانشقاقات في صفوف طالبان الأفغانية والباكستانية، وإسراع الظواهري في بيعة منصور عززت من نظرية وقوع الظةاهري تحت سيطرة الاستخبارات الباكستانية منذ اختفائه قبل عام، كما تعزز صيغة البيعة تلك التكهنات، والتي افتتحها بقوله: "إني بوصفي أميرا لجماعة قاعدة الجهاد أتقدم إليكم ببيعتنا لكم، مجددا نهج الشيخ أسامة وإخوانه الشهداء الأبرار في بيعتهم لأمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد رحمهم الله أجمعين".

بيعة الظواهر للملا منصور تضمنت اشتراطات تعزز الشكوك في شخصية منصور ونهجه، إذ يضع الظواهري جملة من الشروط الشاقة وربما المستحيلة، فهو يقول: "نبايعكم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى سنة الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم. ونبايعكم على إقامة الشريعة حتى تسود بلاد المسلمين حاكمة لا محكومة قائدة لا مقودة، لا تعلوها حاكمية، ولا تنازعها مرجعية"، ويشترط الولاء واليراء إيراءا لذمته بقوله: "نبايعكم على البراءة من كل حكم أو نظام أو وضع أو عهد أو اتفاق أو ميثاق يخالف الشريعة، سواء كان نظاما داخل بلاد المسلمين، أو خارجها من الأنظمة أو الهيئات أو المنظمات التي تخالف أنظمتها الشريعة كهيئة الأمم المتحدة وغيرها"، ثم يضع شرطا أكثر استحالة: "ونبايعكم على الجهاد لتحرير كل شبر من ديار المسلمين المغتصبة السليبة من كاشغر حتى الأندلس، ومن القوقاز حتى الصومال ووسط إفريقيا، ومن كشمير حتى القدس، ومن الفلبين حتى كابل وبخارى وسمرقند"، وشرطا آخر أكثر صعوبة: "ونبايعكم على جهاد الحكام المبدلين للشرائع، الذين تسلطوا على ديار المسلمين، فعطلوا أحكام الشريعة، وفرضوا على المسلمين أحكام الكفار، ونشروا الفساد والإفساد، وسلطوا على المسلمين أنظمة الردة والعمالة، التي تحتقر الشريعة، وتعلي عقائد الكفار وفلسفاتهم، وتسلم بلاد المسلمين وثرواتهم لأعدائهم".، ويصل في شروطه حدود المثالية المفرطة بقوله: "ونبايعكم على إقامة الخلافة الإسلامية، التي تقوم على اختيار المسلمين ورضاهم، وتنشر العدل وتبسط الشورى، وتحقق الأمن وترفع الظلم وتعيد الحقوق، وترفع راية الجهاد".

لا جدال بأن الظواهري كان يفكر بأبي بكر البغدادي خليفة الدولة الإسلامية عندما صاغ بيان البيعة لملا أختر منصور زعيم حركة طالبان، وهي حركة أسلامية قومية ترتكز إلى البشتون أساسا ولا تدعي بأنها حركة جهادية عالمية، كما لا تتضمن أجندتها التوسع خارج أفغانستان، ولم تنفذ أي عملية (جهادية) خارجية، وهي مسائل أكدتها الإمارة مرارا وتكرارا وشدد عليها الزعيم الجديد أختر منصور، وهو الأمر الذي دعا قيادات في حركة طالبان الأفغانية ذاتها، وقيادات في طالبان باكستان، وحركات جهادية عديدة كالحركة الإسلامية لأوزبكستان، وحركة تركستان الشرقية الاسلامية، وجماعة جند الله  البلوشية إلى التخلي عن بيعة طالبان والتوجه نحو تنظيم الدولة الإسلامية.

كان آخر ظهور للظواهري في 3 أيلول/ سبتمبر 2014، عندما أعلن في تسجيل مصور صادر عن مؤسسة السحاب، إنشاء فرع جديد للقاعدة في شبه القارة الهندية, وهو "جماعة قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية"، بزعامة الملا عاصم عمر، وهي جماعة لم تخرج عن حدود الإعلان ولم تتمكن من انجاز شيئ يذكر، بل إن نائب أمير الجماعة الشيخ أحمد فاروق قتل في قصف جوي أمريكي بتاريخ 15كانون ثاني/ يناير 2015،  وقد اختفى الظواهري عقب الإعلان مباشرة، ولم يظهر الظواهري في الشريط الدعائي الطويل الذي صدر عن مؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامي التابعة للقاعدة عام 2014 في ذكرى أحداث 11 أيلول/ سبتمبر بعنوان "وإنَّا لهم لغائظون"، والذي اقتصر على حسام عبد الرؤوف، وتضمن كلمة سابقة للظواهري، وعرضا تاريخيا مملا وكلمات ومقاطع غير منسقة وإخراج باهت لا يتوافر على أدنى تشويق أو حرفة.  

عقب اغتيال أسامة بن لادن في 2 أيار/ مايو 2011، وتولي الظواهري تعرضت القاعدة في باكستان لاختراقات كبرى وتم تصفية معظم قياداتها بدءا من أبو يحيى الليبي وعطبة الله الليبي 2012، وصولا إلى قاري عبيد الله منصور (القاري عمران) مسؤل القاعدة في أفغانستان في قصف للطائرات الأمريكية في 5 كانون ثاني/ يناير 2015، ثم مسؤول العمليات بالتنظيم، عدنان شكري جمعة، خلال عملية للجيش الباكستاني في كانون أول/ ديسمبر 2015، وبعدها مقتل المتحدث باسم تنظيم القاعدة آدم غدن المعروف بلقب "عزام الأميركي في نيسان/ إبريل 2015، من خلال طائرة من دون طيار على الحدود الباكستانية الأفغانية.

لم يظهر الظواهري لنعي أولئك القادة كما كان يفعل التنظيم في العادة، والأهم أن الظواهري لم يظهر عندما قتل مختار عبد الرحمن أبو الزبير زعيم حركة الشباب في الصومال التي بايعت القاعدة في عهد الظواهري، وكان أبو الزبير قد قتل في بداية أيلول/ سبتمير 2014، بطائرة أمريكية، الأمر الذي تكرر مع مقتل أبو بصير ناصر الوحيشي بطائرة أمريكية بدون طيار  في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت في 9 حزيران/ يونيو 2015، وأعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب  عن مقتله في 16 حزيران/ يونيو 2015، وكان الظواهري قد عينه نائبا له عام 2013، ولعل االغريب في الأمر أن الظواهري لم يتقدم بنعي لقادة فروعه، أما الأغرب فهو عدم صدور بيانات مكتوبة أو مسجلة للظواهري أو التنظيم المركزي حول خلفاء القادة وتعيين قادة جدد، بينما لم يتأخر الظواهري سوى ساعات عن بيعة أختر منصور زعيما لطالبان وأميرا للمؤمنين. 

ظهور الظواهري أشد غرابة من اختفائه، إذ يبدو أنه غير مكترث بشبكة القاعدة المتداعية في باكستان وأفغانستان، ولا تشغله سوى عمليات نزع شرعية تنظيم الدولة الإسلامية، والطعن والتشكيك في صحة خلافة أبو بكر البغدادي، فبحسب الظواهري لإإن القاعدة تعتبر أن "الامارة الاسلامية" التي أقامتها طالبان في أفغانستان كانت "أول إمارة شرعية بعد سقوط الخلافة العثمانية، ولم تكن في الدنيا إمارة شرعية سواها"، وان كل من بايعوا بن لادن والقاعدة "دخلوا في البيعة" لهذه الإمارة، ويبدو أن التناغم بين الظواهري وأختر منصور يستند إلى براغماتية غرائبية، حيث بادر الملا أختر منصور سريعا بالإعلان عن قبول بيعة الظواهري داعيا الجميع إلى توحيد الصفوف من أجل محاربة "قوى الكفر العالمي"، وهي عبارة لا تمت بصلة إلى قاموس أختر منصور الملتزم بزعامة إمارة في حدود أفغانستان دون التدخل في شؤون الأخرين بحسب عباراته السابقة، ولكن هل ستصمد البيعة لننتظر ظهور الظواهري مفسرا سر غيابه الغريب وبيعته الأغرب.