قضايا وآراء

التصعيد الإسرائيلي وتوظيفه في شلّ الاتفاق النووي !

1300x600
رد إسرائيل الفوري، والذي لم نشهد مثله منذ عقود، ضد الأراضي السورية، والذي أسفر - كما الزعم الإسرائيلي- عن تصفية خليّة الجهاد الإسلامي باعتبارها صاحبة الهجوم الصاروخي باتجاه منطقة الجليل الأعلى الخميس الماضي، وتدمير مستودعات عسكرية تابعة للدولة السوريّة، كان رداً مدروساً ومركّباً، وليس كما كان الهدف منه في كل مرة، باعتباره محدود وتم القيام به من أجل امتصاص أي عملية عسكرية تنشأ ضدها.

فعلاوة على ادّعائها بالحق في الدفاع عن نفسها من خلال شن عمليات عسكرية احترازية أو انتقامية، ضد الدولة السوريّة، باعتبارها مسؤولة عن أي هجوم ينطلق من أراضيها، فإن الرد الإسرائيلي، يأتي ضمن المشاغبات اليومية ضد واشنطن وخاصةً بعد توقيعها الاتفاق النووي مع إيران، باعتبارها قفزت عالياً عن الرغبة الإسرائيلية وبلا أيّة مُبالاة، وبرغم علمها بأن ذلك الاتفاق، يُمثّل خطرً كبيراً على الدولة، لدرجة أن أيّة تعويضات سياسية وعسكرية ومهما بلغت أحجامها، فإنها ستبدو متضائلة أمامه، خاصة وأنه يُعطي إيران قدراً أوسع من المكاسب السياسية والاقتصادية، وفي نهاية المطاف سيُمكّنها من صنع القنبلة النووية.

رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" هو بنفسه الذي يقود تلك المشاغبات، ويعتبر أن اللعب بالورقة السوريّة هو الحظ الأخير بالنسبة له، سيما وأنه خسر ما لديه من أوراق كانت بالنسبة له مضمونة، أمام الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" وذلك بعد أن ذهبت كل تحذيراته أدراج الرياح، التي ما فتئ ينثرها على مدار فترة المفاوضات الطويلة، في طرق وممرات مفاوضي مجموعة 5+1، والتي زعم خلالها، من أن الخطر الإيراني سيصيب الجميع، إذا ما شاركت إيران في التوقيع على اتفاق.

وكما باءت بالفشل، وسواء بالنسبة لمحاولاته في تأليب الرأي الأوروبي ضد إيران، أو بالنسبة لجلب المزيد من التعاطف الدولي إلى ناحية إسرائيل، فقد خسر أيضاً وبصورة مفاجئة، الصوت اليهودي داخل الولايات المتحدة، والأمر الذي مثّل له حرجاً أكبر الأن، هو شعوره بأنه في الطريق لخسران رهانه على الكونغرس الأمريكي أيضاً، بعدما شاهد بعضاً من نوّابه يولونه ظهورهم، ومن ثمّ يتساقطون واحداً تلو الآخر إلى ناحية تأييد الاتفاق.

فالعملية العسكرية الإسرائيلية، والتي وصلت إلى هذا الحجم من القوّة ضد الأراضي السورية- في اعتقاده- ستكون ملائمة بشكلٍ جيّد من أجل خلط الأوراق في المنطقة، وأثراً جيّداً في إحراج واشنطن، على اعتبار أن مثل هذه العملية ستضرّ بالاتفاق النووي وإن جزئياً على الأقل، وفي ضوء تخفيضات أمريكية لنبرتها أمام إيران- الحليف الأكبر لسوريا- بشأن مساعيها في تقويض الدولة السورية، وارتفاعها بشأن القبض على النشاطات العسكرية الإسرائيلية المُرسلة باتجاهها.

إذاً، فإن ذهاب "نتانياهو" إلى شن الهجوم وبهذا الحجم، ليس من أجل ردع حفنة من الصواريخ، أو من أجل وأد لاعب جديد على الساحة السورية - الجهاد الإسلامي- أو ردعه على الأقل، أو لإشعال فتيل حربٍ مع سوريا أو حتى إيران، بل لمواصلة التنغيص على واشنطن بالدرجة الأولى.

وحتى في ضوء فهم السوريين لذلك التنغيص، فإن ذلك الفهم سيزيد الوضع سوءاً أكثر، بسبب أنه يُسعدهم ما يُسعد إيران، ويُغضبهم ما يُغضبها، وإيران الآن هي في عزّ سعادتها بعد إنجاز الاتفاق، كونه مناسب تماماً لأوضاعها في المنطقة، كما ولا يُقلل من طموحاتها النووية أيضاً، ومن ثم فلا يُحصّنه من مخاوف مختلفة، تضطره إلى المداومة على انتظار مفاجئات، كأن تكون هناك ردود سوريّة محتملة باعتبارها مُنتهكة، وإن بمواصلة السماح لجهات تابعة أو موالية بالتكفل بالمهمّة، كحزب الله أو الجهاد الإسلامي.

على أي حال، فإن ما يسعى إليه "نتانياهو" وبرغم تكاثر المخاوف لديه من بروز مواقف أمريكية تكون أكثر حِدّة، كون سياستها وسواء باتجاه سوريا أو إيران، لم تعُد متطابقة معه، هو تنشيط لغة التضييق على واشنطن، بشكلٍ متصل وبأعلى قدرٍ ممكن، وحتى لو تطلّبت الأمور، الاحتكاك مباشرةً بالجيش السوري، أو حتى المغامرة بشن حربٍ على دمشق نفسها.

كان "أوباما" يفترض بأن يرضخ "نتانياهو" أمام الاتفاق، وأن يعمل على تغيير سلوكه، وأن يجِدّ في شأن تحقيق الفهم الدقيق، في أن استمرار التصعيد من أجل الوصول إلى أغراض متصلة بهدم الاتفاق، لم يعد مقبولاً، لا في واشنطن، ولا في العواصم الأوروبية، ولا في أنحاء العالم أيضاً، وكان في وقتٍ سابق قد حذّر "نتانياهو" بنفسه، من أن مواصلة السعي باتجاه تقويض الاتفاق، وسواء كان عن طريق التصعيد العسكري باتجاه سوريا أو إيران، أو عن طريق رفض الكونغرس أو أي وسيلة أخرى، ستكون له تبعات سيّئة على كلا البلدين في نهاية المطاف.