أعلنت وسائل الإعلام الخميس 3/9/2015م في خبر مقتضب قصير عن اجتماع د.صائب عريقات بالأستاذ خالد مشعل في الدوحة لبحث المستجدات على الساحة الفلسطينية، وخاصة موضوع جلسات المجلس الوطني الفلسطيني، ولا نقول إلا ما يقوله كل محب لاجتماع كلمة هذا الشعب المنكوب:ربنا يجيب الخير.
وبناء على قراءة بعيدة عن التشنج أدعو وبكل شفافية الإخوة في حركة المقاومة الإسلامية(حماس) وحركة الجهاد الإسلامي إلى المشاركة في انتخابات اللجنة التنفيذية، ضمن اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني المزمع عقده في رام الله منتصف أيلول الجاري.
إن الشيخ الشهيد عز الدين القسام الغني عن التعريف، كان وما زال وسيظل رمزا كبيرا للفداء والتضحية، ومع ذلك لم يتمكن الشيخ الأزهري المعمم الذي جاهد باللسان والسنان من حيازة القرار الوطني، والسبب أنه لم يكن ضمن القيادة التي كانت وقتها و كان على رأسها الحاج أمين الحسيني، فالتضحية والجهاد والتأييد والتعاطف الشعبي يضعف كله إذا لم يكن صاحبه ممثلا في الجسم القيادي، ولو بأقل مما يطمح، أو أقل من حضوره الفعلي على الساحة السياسية والشعبية، وأرى أن حركة فتح، قد تعلمت الدرس جيدا من تجربة القسام، خاصة أن رجالها المؤسسين الأوائل وبعضهم من خلفية إسلامية إخوانية، لهم اطلاع على تاريخ القضية بتفصيلاته وما هو غير مخطوط في الكتب منه، ناهيك عن اطلاعهم على الوضع العربي؛ ولذا حرصت فتح على دخول منظمة التحرير.
فحركة فتح تأسست نواتها الأولى في 1959م وأسس العرب منظمة التحرير، لأسباب لا مجال لذكرها، ولا تهمنا الآن، في 1964م وبعد بضعة شهور أعلنت فتح عن انطلاقتها في 1/1/1965م ولكنها برغم نضالاتها وشهرتها كحركة مقاتلة أوجعت العدو، ما كان لها تسلّم زمام القرار الفلسطيني لو لم تدخل منظمة التحرير، بعد معركة الكرامة في آذار 1968 ، فلولا دخول فتح إلى المنظمة والحضور الفاعل في مؤسساتها سنة 1969م لما كان لها هذا النفوذ؛ مع أن فتح كانت وما تزال أقوى أو أكبر من المنظمة، ولكن امتلاك القرار أو حتى المشاركة بصناعته يستوجب دخول المنظمة!
وقد سعت حركة حماس إلى دخول منظمة التحرير الفلسطينية قبل حوالي 24 سنة حينما كانت حركة جديدة نسبيا، وكان الخلاف وقتها على الحصص وتوزيع المهام في مؤسسات المنظمة، واجتماع العاصمة السودانية الخرطوم أظن محاضره موجودة في الأرشيف.
وقبلت حماس أن تشارك ولو بحصة، رأت فتح آنذاك أنها أكبر من حجمها، والحقيقة أن فتح لم تستغل تلك اللحظة التاريخية لضم حركة حماس ولو بتقديم بعض التنازلات في موضوع الحصص، معتمدة على أن حماس حجمها أقل مما تطلب، واليوم حماس قد تضيع اللحظة التاريخية في دخول منظمة التحرير، التي أحب من أحب وكره من كره، تملك القرار الفلسطيني وتتحكم بمفرداته مع كل ما أصابها من خلل بحكم الزمن والتغيرات السياسية المتلاحقة، ولكن المنظمة هي الممثل الشرعي الوحيد المعترف به للشعب الفلسطيني.
والجهاد الإسلامي رفض المشاركة في السلطة بناء على اعتبارات سياسية وأيديولوجية، ولكنه أعلن عن رغبته في دخول منظمة التحرير، ومثله مثل حماس يرى أن الباب والمدخل هو اتفاقيات القاهرة في 2005 ولكن، لأي سبب كان هذا الباب ليس مفتوحا وها هو باب آخر يفتح أمامهم اليوم، فلم الوقوف أمام الباب المغلق والاستمرار في طرقه، وباب آخر مفتوح و أمامه من يقول لكم:تفضلوا بالدخول؟!
يبدو أن هواية مقاتلة الناطور وتفضيلها على جني العنب معضلة فلسطينية، وذلك لأننا نرى أن الخلاف يتمحور حول أمور إجرائية، أكثر منها مبدئية، ولعل حركة حماس تدرك أن تصدرها أو قيادتها لمنظمة التحرير لن يكون في صالحها ولا صالح القضية الفلسطينية، وقد جربت قيادة الحكومة فكان ما كان؛ فنحن أمام وضع عربي ودولي معقّد لا يخفى على أي فرد فلسطيني.
ولقد رضيت حركة حماس الذهاب إلى مفاوضات وقف إطلاق النار في حرب غزة قبل عام ضمن وفد يرؤسه قيادي في حركة فتح (عزام الأحمد)، علما بأنه عمليا كانت مفاتيح التوصل لاتفاق بيد حماس ثم الجهاد، ولكن لاعتبارات عربية وتحديدا مصرية وافقت حماس ومعها الجهاد على تركيبة هذا الوفد، وبناء عليه، فإن هذا الأمر يمكن البناء عليه للتوصل إلى صيغة توحد القوى والفصائل الفلسطينية ولو بالحد الأدنى.
إن حماس والجهاد الإسلامي، لم تحسنا استثمار الإنجاز العسكري الواضح في الحرب، بتحويله إلى إنجاز سياسي يفيدهما ويفيد القضية، وأرى أن الفرصة أمامهما كبيرة الآن كونهما مدعوتان للمشاركة في الاجتماعات، وإن الإصرار على الرفض بأي ذريعة لن يفيدهما، ولات حين مندم!
وإذا كان أوسلو هو المانع والمعضلة والعقبة الكأداء، فإن حركة حماس قبلت المشاركة في الانتخابات التشريعية للسلطة الفلسطينية وفازت بأغلبية المقاعد، وصار نوابها تلقائيا أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني، وشكلت الحكومة العاشرة للسلطة، وترأست حكومة الوحدة التي لم تعمر طويلا؛ أليس المجلس التشريعي من إفرازات أوسلو؟ صحيح أن أوسلو لم يتضمن تأسيس مجلس تشريعي مثل الذي ولد بعد انتخابات 20/1/1996م، ولكن لولا أوسلو لما كان هناك لا تشريعي ولا حكومة ولا كل ما عشناه خلال عقدين من أعمارنا.
ثم من الذي طلب من حماس أن تؤيد أوسلو، وهو اتفاق مهشم لم يتبق منه إلا قليل من المظاهر، ولماذا لا تستغل حماس ومعها الجهاد الإسلامي الفرصة لمحاولة تصحيح المسار بحضور اجتماعات المجلس الوطني؟ وليصدح ممثلو الحركتين في الاجتماعات بما شاؤوا وليطرحوا وجهة نظرهم بصراحة، وليحاولوا الحصول على تمثيل معقول ولو كان أقل من طموحاتهما، أو حتى حجمهما في الشارع الفلسطيني، ومن خلاله يمكنهما النضال السياسي ضد أوسلو وضد مدريد وضد كل عملية التسوية؟ بل قد ينجحان في توحيد الساحة، خاصة أن إسرائيل قد تعلن رسميا أنها لن تتعامل مع منظمة التحرير لأنها تحوي (منظمات إرهابية)..أليس هذا أفضل من الصراخ عبر الإعلام وإطلاق الشعارات، مع خطاب إعلامي يهاجم أو يسخر، فيما ستسير السفينة ركبوها أم لم يركبوها؟
فمعلوم أن حماس والجهاد الإسلامي ليستا كحزب التحرير الذي يرفض حتى المشاركة في انتخابات محلية أو طلابية بانتظار إقامة الخلافة على يد ضباط يقلبون الحكم في دولة عربية ما، متذرعا بآراء فقهية معروفة، وليستا مثل تنظيم الدولة (داعش) الذي يتصرف وفق نظرية تفكيك كل ما هو قائم وبنائه بالطريقة التي يؤمن بها ضمن (إدارة التوحش)، وليستا مثل حزب الله الذي دخل بقوة في حرب سوريا بتعليمات إيرانية، متجاوزا انتماءه الوطني لصالح رؤية الولي الفقيه، وما تبع ويتبع ذلك من انعكاسات على الحزب والدولة اللبنانية، إنهما حركتان فلسطينيتان تتبنيان الفكر الإسلامي بمفهوم يختلف تماما عن المذكورين، وبالتالي لا مناص من استغلال الفرصة والهامش المتاح وقبول التنازل الذي وإن افترضنا أنه قد يمس شكليا بالحركتين، ولكنه سيفيد القضية ويفيدهما...فهلموا ولا تتغيبوا عن الاجتماعات، وإذا كان الأمر يتعلق بالمكان والتوقيت، فهذه مسائل يمكن حلها في حال قبول المبدأ، وفي مقالي القادم بعون الله سأناقش مسائل أخرى حول ذات الموضوع...والله ولي التوفيق.