كتاب عربي 21

المدينة الدولة

1300x600
أشرنا في الإطلالة الأسبوعية السابقة إلى الصعوبات التي تجعل من آماني مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، برننادينو ليون، في أن تكون الجولة الحوارية التي انطلقت الأسبوع المنصرم في صخيرات المغرب هي الأخيرة.

وبرغم أجواء التفاؤل التي سادت في الاجتماع الأول للجولة الحوارية، والتي تم التعبير عنها بثقة من وفد الطرفين إلا أن التصريحات والبيانات التي أعقبت رجوع الوفود إلى قواعدها كشفت عن وضع شديد التعقيد، لا يمكن تفكيكه في المدى الزمني الذي قرره المبعوث الأممي.

واستجابة للصعوبات الناجمة عن تصلب كل فريق وتمسكه بموقفه، اتجهت أطراف عدة من بينهم مبرزين ضمن المعسكرين المتنازعين، إلى طرح "خوارط طريق" بديلة عن الحوار كان من بينها:
- أن يستأنف الحوار من دون المؤتمر الوطني العام أي بين الأطراف التي وقعت بالأحرف الأولى على المسودة وتشكل حكومة التوافق.
- أن يضع البرلمان خارطة طريقة ويستمر في الإشراف على إدارة البلاد حتى الاستفتاء على الدستور
- الذهاب إلى انتخابات برلمانية جديدة.
- تسليم السلطة إلى المحكمة العليا التي تختار سلطة تنفيذية تسير البلاد حتى الاستفتاء على الدستور.
- تشكيل مجلس عسكري أعلى إلى حين إقرار الدستور.
- تسليم السلطة إلى الثوار إلى حين إقرار الدستور.
- الفدرلة أو التقسيم وفق الأسس الجغرافية والتاريخية (ثلاثة آقاليم).

لكن يواجه كل بديل من البدائل السابقة تحديات كبيرة، وربما من الصعب جدا أن يكون أي منها حلا للأزمة لسبب بسيط، أن كلا منها يمثل تطلعا لأحد الأطراف ولم يتقاطع فيه مع الطرف الآخر، فغياب المؤتمر عن أي توافق مشكلة كبرى لأنه يمثل شريحة متنوعة سياسية وعسكرية ليست صغيرة بحيث يمكن تجاهلها. أما التمديد للبرلمان فالتحدي اليوم أمامه داخل معسكره في طبرق والبيضاء والمرج قبل التحديات خارجها، أما خيار الانتخابات الجديدة فإن تعقيدات الوضع السياسي والأمني، لا يمكن أن تجعل منه بديلا يفرز ممثلين صالحين عن كل الليبيين في جميع مناطقهم. وعلى نفس المنوال الحكم على تسليم السلطة إلى المحكمة العليا، إذ من المستحيل أن يلقى هذا المقترح قبولا من جبهة طبرق وفق التشكيلة الحالية للمحكمة، والدليل هو رفض الحكم الصادر عنها الذي قضى بحل البرلمان، ثم إن إعادة تشكيلها معضلة شبيهة بمعضلة الحوار الراهن ولن يكون من اليسير التوافق عليه. أما المجلس العسكري الأعلى والثوار فهما محل نزاع كبير وعبرت مكونات عدة مدنية وعسكرية عن رفضهما.

بديل الفدرلة أو التقسيم ربما سيكون واقعا وليس اختيارا، باعتبار الحالة الراهنة وهو تحكم المنظومة الساسية والعسكرية الموجودة في كل إقليم في مصيره. ومعضلة هذا الخيار في حال المناداة بالسير فيه هو أن مشاكله لا تختلف كثيرا عن مشاكل الدولة الواحدة بسلطة وبرلمان وقوى أمنية واحدة.

فالمشاكل التي تتجذر في الأقاليم الثلاثة تجعل من العسير التوافق على إداراتها داخل مكوناتها. فعلى سبيل المثال، ولأن أنصار الفدرالية بالأساس من إقليم برقة، ويعود الحديث عنها والحشد لها منذ الأشهر الأولى لتفجر ثورة فبراير، إلا أن واقع الحال اليوم داخل برقة يجعل من العسير الاتفاق على شكل سياسي وإداري بين جميع مكوناتها، ويمكن أن يكون الصراع بين الجظران وحفتر نموذجا على صعوبة التوافق على إدارة ملف النفط، وقس على ذلك العديد من الملفات الحيوية الأخرى.

في ظل استمرار التأزيم وفشل المساعي المركزية لحل الأزمة وصعوبة التوافق بين المكونات على مستوى البلاد أو الأقاليم، فإن فكرة التركيز على إدارة المدن من قبل مكوناتها، دون تمييز، يمكن أن تكون بديلا مؤقتا وقصير العمر قابلا للنجاح من خلال مجالس بلدياتها المنتخبة، أو حتى شكلا إداريا جديدا في حال التنازع حول بعض المجالس. فهذه المقاربة تجعل من التحديات أمام التوافق في أقل درجاتها، والمشاكل الفنية في أدنى مستوياتها، ويبقى الإشكال حول الموارد وكيفية توزيعها لإنجاح مقاربة "الدولة المدينة"، وهنا يمكن أن تؤدي الأمم المتحدة دورا في الترتيب لتوزيع الموارد بناء على اعتبارات ديمغرافية وجغرافية.

الدولة المدينة "City State" بديل استثنائي مؤقت وقصير العمر يمكن أن يعجل بالاستقرار الأمني في المدن ويسهل من عملية انتعاشها اقتصاديا وخدميا، وفي نفس الوقت يضمن عدم استقلالها كما هو التخوف من الأقاليم، إذ ما أن يتجذر الاستقرار في معظم أو أهم المدن في الغرب والشرق والجنوب، فسيكون من اليسير جدا الاتفاق على الشكل السياسي والإداري على مستوى الدولة وفق نتائج الاستفتاء على الدستور، الذي يمكن أن يكون ممكنا جدا وفق هذه المقاربة.