سياسة عربية

مقاومة البيضاء تقاتل بصمت دون استجداء دعم هادي والتحالف

محافظة البيضاء تقاوم بصمت ودون ضجيج أو استجداء الدعم ـ أرشيفية
منذ نحو عام  سيطر مسلحو جماعة "أنصار الله" (الحوثي) على محافظة البيضاء (وسط البلاد)، ولم تنطفئ جذوة القتال المستعرة، بفعل استمرار هجمات تكاد تكون يومية يشنها مقاتلون محليون، ضد أتباع الجماعة المنتشرين في المحافظة، مسفرة عن وقوع خسائر مادية وبشرية.

وحدها البيضاء، تقاوم بصمت ودون ضجيج أو استجداء الدعم الغائب أصلا من حكومة الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، أو من التحالف العربي بقيادة السعودية، الأمر الذي اعتبره محللون يمنيون "إهمالا متعمدا" لهذه الجبهة مقارنة بغيرها من جبهات القتال يتحمل مسؤوليته الرئيس هادي، انطلاقا من فرضية أنها "مخترقة من قبل تنظيم القاعدة"، بناء على تقارير مخابراتية غير واقعية.

تقارير وجواسيس

الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عباس الضالعي، رأى أن "الإهمال وعدم توفير السلطات الشرعية الدعم الحربي للمقاومة في البيضاء التي تقاتل دون ضجيج، جعل منها ساحة مفتوحة لمسلحي الحوثي وملاذا آمنا لهم، يتحركون عبرها إلى مناطق الجنوب والشمال".

وهو أمر بدا مستغربا لدى الضالعي، الذي تساءل عن "دوافع الشرعية والتحالف إبقاء البيضاء الإستراتيجية تحت سيطرة الحوثيين دون أي حسابات دقيقة".

وقال في حديث خاص لـ"عربي21" إن "التعذر بحساسية المشهد في البيضاء، جاء بناء على تقارير أعدها جواسيس في مكتب الرئيس هادي ــ حسب وصفه ـ عندما قاموا بتصنيف جبهات القتال في المدينة بأنها مخترقة من قبل القاعدة".

وتابع حديثه قائلا، "رغم عدم واقعية هذا الفرضيات، إلا أنها ألحقت أضرارا كثيرة بسمعة المقاومة في الداخل والخارج"، معتبرا أن هذه التقارير "تأتي ضمن سياق تواطؤ الرئيس منصور هادي مع جماعة الحوثي، عندما ترك أبناء البيضاء قبل عام، يواجهون غزو الحوثي  للمدينة، نزولا عند رغبة بعض الأطراف الإقليمية والدولية، تحت ذريعة محاربة القاعدة".

وأوضح  السياسي الضالعي أن "عناصر القاعدة موجودون في أغلب المحافظات ومنها البيضاء"، منوها إلى أنه ليس مبررا لإهمال المحافظة وترك المقاومة دون دعم، رغم أن قطاعا واسعا من اليمنيين يعتبرون القاعدة والحوثيين وجهان لعملة واحدة".

ودعا الضالعي "السلطة الشرعية إلى مد مقاومة البيضاء، بالدعم الحربي للتحرر من هيمنة الحوثيين والقاعدة، في الوقت ذاته، رغم أن وجود الأخيرة رمزي لايقارن بالطرف الأول".

دعاية وإرهاب

من جهته، يؤكد عبداللطيف العامري، ناشط من أبناء البيضاء، أن هناك "دعاية إعلامية شرسة، وجهت ضد جبهات المقاومة في المحافظة، ووصمها بالإرهاب، وهو ما أثر بشكل قطعي على سمعتها، ولذلك أهملت".
 
وقال في حديث خاص لـ"عربي21" إن "الحوثيين أولوا أهمية قصوى لهجومهم على المحافظة، وبمجرد وصولهم إلى مدينة رداع تحديدا، سلمت لهم المعسكرات الحكومية وشاركت ألوية الحرس الجمهوري في القتال إلى جانبهم، تحت ذريعة محاربة القاعدة والدواعش، ولطالما استخدمت هذه الشماعة لتبرير وغزو محافظات عدة في البلاد".

وأشار الى أن مقاومة البيضاء "تواجه الحوثيين بصمود وثبات وبإمكانيات متواضعة، رغم فارق التسلح الهائل الذي يمتلكه الحوثيون وحليفهم المخلوع علي عبدالله صالح فضلا عن مشاركة الدرونز الأمريكية في إسناد الحوثيين في مناطق قيفة بداية الهجوم على البيضاء".

وبين العامري أنه "مر عام على دخول الحوثي المدينة، والمقاومة لم تنطفئ جذوتها مع شح إمكانياتها ومعاناتها المستمرة من قلة التسلح أو انعدامه"، منوها إلى أن "هذا الصمود بحاجة إلى مساندة عاجلة، فجبهات المقاومة تشكو قلة العتاد وجرحى لا يجدون التطبيب المناسب".

استغلال وإهمال

وفي شأن متصل، أوضح مدير تحرير صحيفة "الناس"، عامر الدميني، أن "مليشيا الحوثي والمخلوع أرادت استغلال البيضاء لتقديم نفسها أمام المجتمع الدولي خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها قوة جديدة في مواجهة الإرهاب، خاصة بعد حملات إعلامية واسعة تم ترويجها بأن البيضاء تمثل وكرا من أوكار القاعدة في اليمن".

وأضاف في حديث خاص لـ"عربي21" أن "تلك المليشا توجهت إلى محافظة البيضاء، في وقت مبكر وحشدت لها المقاتلين والأسلحة، ووصل الأمر حد مساندة طائرات الدرونز الأمريكية للمليشيا الحوثية في الحرب التي تشنها على أبناء  البيضاء تحت ذريعة مواجهة الإرهاب".

وقال الدميني إن "مقاومة البيضاء وجدت نفسها أمام غياب العون من الحكومة أولا، ومن دول التحالف العربي ثانيا بعد انطلاق عاصفة الحزم، مضطرة  للمواجهة بجهودها الذاتية، بهدف درء التهمة التي حاول البعض إلصاقها بهم باعتبارها مدينة محتضنة للقاعدة، ودحر المليشيا الحوثية من مناطقهم ومنع تواجدهم فيها".

ويعتقد مدير تحرير أسبوعية "الناس"، أن "الصور المزيفة التي رسمها الانقلابيون على البيضاء من خلال اتهام المقاومة بالارتباط بالقاعدة، جعل دول التحالف العربي تتردد في دعمها بالسلاح، ولذلك اعتمدت المقاومة على نفسها، وهذا الأمر عمل على تماسك جبهات القتال فيها، ولم تسجل فيها أي نكسات كما حدث في محافظات أخرى".

وعبر عن أسفه من "عدم قيام الحكومة الشرعية بدورها كما يجب تجاه المقاومة في البيضاء إعلاميا وسياسيا وعسكريا،  فتركتها تواجه مصيرها لوحدها، رغم إدراكها خطورة تخليها عنها".

وتحظى محافظة البيضاء التي سيطر عليها الحوثيون بدعم من قوات صالح في شباط/ فبراير الماضي، بأهمية جيوعسكرية كبيرة بحكم موقعها الجغرافي، الذي يتوسط ثمان محافظات شمالية وجنوبية وتمر منها معظم الطرق الرئيسية الرابطة بين أبين وشبوة والضالع ولحج (جنوبي وجنوبي شرق) وذمار وصنعاء(شمالا) ومحافظتي مأرب والجوف من جهة الشرق.

وبين الفينة والأخرى، يشن التحالف العربي، غارات جوية، على مواقع ومعسكرات يتمركز فيها الحوثيون وقوات موالية لصالح، في وسط و شمال وجنوب المحافظة.