قضايا وآراء

وسيبقى الشرق شرقا وسيبقى الغرب غربا

1300x600
كان الإسلام ولازال وسيكون دائما هو مركز الدائرة في العلاقة بين الشرق والغرب.. حتى وإن تقولت الأقاويل التي تختزل المسالة في بٌعد المصالح والمنافع.. ليكن ذلك.. فالمصالح والمنافع موجودة مع وجود الإنسان في كل زمان ومكان وهذ المصالح لا تعيش في الفراغ ولا تتحرك على الأرض هكذا بلا بشر يحملونها.. بشر بقيم وضوابط وشرائع وأحكام وتراث وتاريخ وحضارة ذات آداب وأخلاقيات وثقافات حاكمة وجامعة.. 

ما يحاول الخبثاء والخادعون قوله وفعله هو تجريد دنيا المصالح هذه (بشرا وأرضا) من القيم والضوابط والأحكام والمثل العليا التي يحياها البشر.. وهو ما لم يمكن تحققه في الحقيقة وما كان يوما واقعا على الأرض.. بخاصة حينما تنزل على البشر دين به من الشمولية والكلية ما يستوعب حياة الإنسان من حيث هو فردا في بيته ومن حيث هو فردا في مجتمع وأمة.. 

الشرق هو (البلاد المسلمة التي اختلفت جذورها وعناصرها ولغاتها في الماضي ثم ذابت كليا تقريبا في بوتقة الإسلام وعالميته الرحبة وهي إلى الآن رغم كل التدخلات الأجنبية والتأثرات الخارجية مجتمعات متماسكة قوية سمات ثقافتها وحضارتها وتقاليدها مستمدة من معين واحد هو(الإسلام).. 
منذ أربعة عشر قرنا والشرق هو ارض الإسلام فيه ولد إيمان المسلمين وعلى أرضة صيغت للمرة الأولى الحضارة الإسلامية.. وكان حكامه بعقيدتهم التي حملوها ولغتهم التي نشروها هي لغة قرأنهم وهي الأساس والوسيلة لحضارتهم.. والتي أسهم في بنائها أناس من شعوب متعددة.. لكنها كانت تنشر باللغة العربية وتسكب في إطار الأفكار الإسلامية وتوزن بالمعايير الإسلامية.. 

اذا كان الدين يعني في الغرب (إيمان وعبادة) ويتميز عن الولاء الوطني والسياسي فهو بالنسبة للشرق أكثر من ذلك بكثير.. فالإسلام يشمل في معناه ما تعنيه في الغرب كلمة(الحضارة).. ولجميع الشعوب الإسلامية قاسم مشترك واحد من الإيمان والولاء للإسلام.. يطبعها بطابع هوية واحدة يبقى ويدوم حتى ولو فقد الإيمان وأهملت الشريعة.. والوحدة التي تجمع هذه الشعوب على قاسمها المشترك هي عقيدة توحيد الله والقرآن والسنة والنظام الماهر المعقد المبني على نظرية الإسلام الدينية وعلى الفقه الذي استند إليه فتعاليم الإسلام المنبعثة من منابعه الأصلية تضم إضافة إلى العقيدة والعبادة تشريعا يمكن تسميته بلغة الغرب الحقوق المدنية والحقوق الجنائية وحتى الحقوق الدستورية وكل مسلم يعتقد أن هذه التشريعات لها سلطة وقوة التشريعات الاعتقادية والعبادية.. 

الشرق دائما كان مركزا للحضارات وحاضن الأديان السماوية وكان موطن أول مجتمع عالمي ذي ثقافة بينية بكل ما للكلمتين من معنى وكان مركز إنجازات عملاقة في كل حقل من حقول العلوم والثقافة والفنون وكان قاعدة لإمبراطوريات متتالية شاسعة وعظيمة).

قائل هذا الكلام شخص يدعى برنارد لويس.. وما ادراك ما برنارد لويس.. ؟ هو الكاهن الأعظم لمدرسة خرج منها فوكوياما وهنتنجتون ولاحقا توماس فريدمان ومارتن أنديك وأسماء كثيرة تعي جيدا ما هي حقيقة علاقة الغرب بالشرق.. وان تقولت كل الأقاويل.. وتمثلت كل الأماثيل بعكس ذلك.. وهو يهودي ولد بلندن 1916 حصل على درجة الليسانس في التاريخ من مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن عام 1936 والدكتوراه في تاريخ الإسلام من نفس المدرسة عام 1939 وكان موضوع رسالته عن الطائفة الإسماعيلية. يقولون عنه (حجة ومرجعاً في الشئون الإسلامية والشرق أوسطية لا غنى عنها لصانع القرار الغربي). 

نشر كتاباً عن ( تركيا الحديثة) يقصد الكمالية وآخر عن(تكوين الشرق الأوسط الحديث) ثم كتاب(تعدد الهويات في الشرق الأوسط) وهو من اخطر كتبه ويعتمد عليه العقل السياسي الغربي اعتمادا كبيرا.. حتى يومنا هذا .

برنارد لويس يرى أن الدول العربية هي الأكثر تعرضا لخطر التفكك وأنها ليست الوحيدة فالاتجاه نحو التفكك سيزداد بتشجيع من الشعور الاثني والشعور الطائفي المتناميين وقد تسربت الفكرة المغرية بحق تقرير المصير إلى عدد من الأقليات الأثنية التي لم تعد تكتفي بوضعها السابق
ويرى أيضا أن النفط لا بد وأن ينضب في يوم من الأيام وهو المصدر الأساسي للثروة في الشرق الأوسط الذي لم تعد الزراعة التي تعتمد على التربة والماء تكفيه وهو لا يملك السهول الشاسعة التي تعتمد على الأنهار.. وستدور حول الأنهار مشاكل تقنية وسياسية . و يرى أن الصراع في المنطقة سيمتد ويطول.. .فأنهار العالم العربي مثل النيل والفرات ودجلة والأردن ستشهد صراعات مع الآخرين. 

نشر عام 1992م مقالة في مجلة( الفورين افيرز ) ذكر فيها.. إن غالبية دول الشرق الأوسط مصطنعة وحديثة التكوين وهي مكشوفة.(وإذا ما تم إضعاف السلطة المركزية إلى الحد الكافي)فليس هناك (مجتمع مدني) حقيقي يضمن تماسك الكيان السياسي للدولة ولا شعور حقيقي( بالهوية الوطنية المشتركة) أو ولاء للدولة الأمة. وفي هذه الحال تتفكك (الدولة) مثلما هو حاصل في لبنان إلى فوضى من والطوائف والمناطق والأحزاب المتصارعة.

الكلام يطول حول نظرة العقل الاستراتيجي الغربي بصفة عامة.. للشرق وما يقوله برنارد لويس هو أهم ما أنتجه هذا العقل.. والخطورة الكامنة في الموضوع أن برنارد ومدرسته لم يكتفوا بالتواجد في الحقل العلمي و الاكاديمي فقط.. بل موجودين وبقوة تأثير هائلة داخل الحقل السياسي والثقافي (الإعلامي والفني).. والأخطر هو امتداداتهم التنظيمية والمعرفية (داخل بيوتنا).. ممن يرددون نفس المقولات وإن بصيغ أخف وأخدع.. 

أنا لا أعيب على برنارد ومريديه وتلاميذه كونهم خادعين في مقولاتهم وأطروحاتهم
(راجع كتابه الإسلام والحداثة.. أين الخلل؟.. هذا الكتاب على فكره مقرر في (الأكاديمية العسكرية الأمريكية) ويدرسه الضباط المبعوثين من البلاد العربية والإسلامية !!!؟؟وهم الضباط المرشحون بقوة لتولي (الزمام) حين تنتهي بعثاتهم ويعودون إلى أوطانهم.. .). 

لكني أعيب على من أخضع عقله ووعيه لهذه الأفكار وتلك المقولات، بل وآمن بها واعتقدها..