كتاب عربي 21

عندما يحكمها العيال

1300x600
لم يكن ظهوره على يخت المحروسة بجانب الرئيس عبد الفتاح السيسي حدثا عاديا، كشف الأمر عن دور ما يتم تجهيز الفتى للقيام به، فلو كان السيسي يريد التحدث إلى رئيس حزب، فهناك رؤساء أحزاب قضوا في العمل السياسي أضعاف عمر الفتى، ولو كان يريد التحدث إلى شاب، فكان هناك مئات الشباب أكثر إسهاما في العمل العام وإفادة للمجتمع، ولو كان يريد التحدث إلى أحد ركاب "المحروسة" فكان على اليخت 15 شابا غيره، لكن بدا أنه مطلوب بالاسم.

لم يظهر محمد بدران في برامج كثيرة، لم يشترك في فعاليات سياسية تُذكر، لم يتحدث سوى في مؤتمرات معدودة لمرشحي حزبه في الانتخابات، وربما لا يعرف الكثيرون صوته أصلا. ظهوراته تقتصر على الاحتفالات والاجتماعات التي تدعو إليها الرئاسة والقوات المسلحة، ولا تحمل سيرته الذاتية قبل رئاسة حزب مستقبل وطن سوى أنه كان رئيسا لاتحاد طلاب مصر.

حتى عندما أعلن عن تأسيس حزبه وتفاخر بأنه أصغر رئيس حزب في العالم نظر غالبية المراقبين إلى ذلك باعتباره حركة دعائية لا أكثر، وتوقعوا أن ينضم الحزب لعشرات الأحزاب الأخرى التي لا تملك أكثر من مقر ولافتة، لكنه فجأة ضم وجوها برلمانية سابقة بعضها ينتمي للحزب الوطني المنحل، وفجأة تسابق رجال الأعمال في الإنفاق عليه، وفجأة حصل على المركز الثاني في الانتخابات الأخيرة خلف "المصريين الأحرار" متفوقا على أحزاب أعرق.

ولأنه مراهق كان في الثالثة والعشرين من عمره وهو يأسس حزبه، وبات في الخامسة والعشرين وهو يملك ثاني أكبر كتلة برلمانية، فكان طبيعيا أن تسيطر المراهقة على تصرفاته وتصريحاته، لكن لأن المناخ كله تحكمه المراهقة السياسية مرّ كل ذلك مرور الكرام.

قبل شهرين أجرى بدران حوارًا مع "المصري اليوم" كان كفيلا بالقضاء على مستقبله السياسي مبكرًا، سأله الزميل محسن سميكة عن دعم الحزب ماديا ومن يقف خلفه قال: "رجال الأعمال وقفوا معنا منذ كنا حملة وحتى تحولنا إلى حزب مثل أحمد أبوهشيمة ومنصور عامر وكامل أبوعلى وهانى أبوريدة، ورجال الأعمال كلهم متساون عندنا فى الدعم، لا فرق بين أبوهشيمة وعامر وأبوعلى، فماذا يقدر مبلغ 100 ألف جنيه عند رجل أعمال يمتلك 10 مليارات جنيه؟".

وعندما سُئل عن إجمالي تبرعات رجال الأعمال للحزب في البنوك، قال: "ولا مليم، ما نتلقاه من دعم يتم صرفه على الأنشطة والفعاليات، كما أنه يأتى إلينا من رجال الأعمال أو نطلبه لكى يستغل فى أمر ما وليس لمجرد تلقى الأموال ووضعها فى أمانة صندوق الحزب أو فى الخزائن الخاصة فى البنوك".

تصريحان كفيلان بهدم الحزب شعبيا، وحله قانونيا، إذ أننا أمام حزب يدعمه وينفق عليه رجال أعمال ليسوا أعضاء فيه لتحقيق أهداف لا يعلمها إلا هم، ويحصل على التبرعات "كاش" دون الإفصاح عنها بالتفصيل ودون وضعها في حساب الحزب في البنوك، وهو ما يخالف المادة 11 من قانون الأحزاب التي تلزم أي حزب بالإعلان عن اسم المتبرع له وقيمة ما تبرع به في إحدى الصحف اليومية على الأقل إذا زادت قيمة التبرع على خمسمائة جنيه في المرة الواحدة أو على ألف جنيه في العام الواحد.

مر الحوار الكارثي ببساطة لأن هناك من يرد له أن يمر، مر كما مر الحوار الذي سبقه والذي أجراه بدران مع الشروق وكان كفيلا بدوره أن يقضي على هذه الفقاعة فورا، فقد أثبت الحوار أننا أمام رئيس حزب سياسي لا يعرف عن السياسة شيئا، وأمام شاب غير قادر على صياغة رأي أو توصيل فكرة، قال بدران لـ"الشروق" إنه ليس مع تعديل الدستور ولا ضده، وأن شعبية السيسى لم تقل ولم تزد، وأنه لا يتوقع ثورة ثالثة لكن من الممكن حدوثها.

بالتزامن مع ذلك كان رئيس نادى الزمالك يشن هجوما كاسحا على رئيس "مستقبل وطن" ويقول له: "أتحداك تقولى أيام الإخوان كنت فين. الإخوان جابوك رئيس اتحاد طلبة فى الجامعة, محمد بدران يدعى أن حزبه من الشباب وجميع من فى حزبه تتخطى أعمارهم الـ65 عاماً".

ثم وجه رئيس الزمالك اللوم للرئيس عبد الفتاح السيسى، لاصطحابه بدران على يخت المحروسة قائلا: "ناس محترمين كلتهم الشمس وبدران راكب على السفينة جنب الريس، لازم محمد بدران يعرف حجمه الطبيعي".

بعدها بأيام كان محمد بدران في مكتب رئيس الزمالك حاملًا بوكيه ورد لمصالحته رغم أن الأخير هو من أهانه. يبدو أنه عرف حجمه الطبيعي!

هذا الارتباك في التصريحات والرؤى أصبح واقعا لأداء الحزب فيما بعد، فأعلن انضمامه لتحالف دعم الدولة في البرلمان وصوّر للناس أنه السبيل الوحيد لإنقاذ مصر، ثم انسحب من التحالف وأعلن أنه يُدار بديكتاتورية وبلا رؤية وسيقود مصر إلى الهاوية، ثم عاد إليه وأعلن مجددا أنه السبيل الوحيد لإنقاذ مصر، ولفي بينا يادنيا، مرجحينا يادنيا!

صحيح نسيت أن أخبركم. الأستاذ محمد بدران لم يترشح لمجلس النواب ولا ينتظر تعيينه فيه لأنه يخطط ليكون رئيس وزراء مصر.

***

طالبنا بتمكين الشباب فمكّن النظام "العواجيز" و"العيال"، فبين مستشاري ومساعدي السيسي السبعينيين، وبين بدران ابن الخامسة والعشرين هناك شريحة كبيرة من الشباب يتم سجنها أو تهميشها في أحسن الأحوال.

يريد النظام أن يكون حوله بعض الشباب ليشير إليهم إذا اتهمه أحد في الداخل أو الخارج بتهميشهم، لكنه لا يثق كثيرا في شباب يناير ولا حتى فيمن تحوّل منهم وأصبح أقرب للنظام، يريد شابا ليس محسوبا على جيل يناير ليكون هو الواجهة، ثم لا مانع من منح المنقلبين على يناير مقعد في البرلمان أو منصب تنفيذي في الحكومة.

لذلك وجد ضالته في محمد بدران ليكون هذه الواجهة، شاب ظهر بعد يناير عندما كانت الحرب قائمة بين القوى السياسية والإخوان وأصبح طرفا في هذه الحرب بالصدفة عندما خاض انتخابات اتحاد الطلاب في مواجهة الإخوان، ولا يحتوي تاريخه الطويل على أي تصريح مدافع عن الحريات أو مناصر لقضايا المعتقلين، فضلا عن فوزه بمنصب رئيس اتحاد طلاب جامعة بنها في 2010 عندما كان تقرير الأمن ورقة الترشيح الأهم.

لكن البدلة الأنيقة والمكاتب الفخيمة وحفلات فندق الماسة لا تصنع سياسيا، والفوارق ستبقى واضحة وقائمة بين شباب الثورة وعيال كل المائد.

أتذكر الآن وقوفي على أطراف أصابعي في انتظار إعلان فوز محمد بدران على مرشح الإخوان في انتخابات اتحاد طلاب مصر، ليس ندما على معارضة جماعة تستحق ما هو أكثر من المعارضة، لكن لأعرف أن عدو عدوي ليس بالضرورة صديقي.