صحافة إسرائيلية

هآرتس: ليفنغستون ضرب عصبا حساسا للصهاينة

يتضمن تقرير مراسل هآرتس،تشيمي شاليف، سردا لمجموعة من الوقائع المتعلقة بالتعاون بين الصهيونية والنازية- أرشيفية
في تقرير نشرته صحيفة هآرتس بعددها الصادر يوم الأحد الأول من أيار/ مايو 2016، سلط مراسلها تشيمي شاليف مزيدا من الضوء على الاتهامات الموجهة لحزب العمال البريطاني بتفشي العداء للسامية في أوساطه.

ويشير مراسل هآرتس إلى أن ليفنغستون سلط الضوء على فصل من فصول التاريخ يفضل معظم الصهاينة غض الطرف عنه وعدم الاقتراب منه، ألا وهو الفصل المتعلق بالمصالح المحدودة المشتركة وما نجم عنها من تعاون في تلك الظروف بين الصهاينة والنظام النازي استمر لما يقرب من سبعة أعوام من عام 1933 وحتى عام 1940 حينما كان الحصار الدولي يحول دون تدفق مزيد من المهاجرين اليهود خارج ألمانيا مباشرة قبل أن يأمر هتلر باللجوء بديلا عن ذلك إلى إبادة اليهود جماعيا.
 
بدأ "شاليف" تقريره بتذكير قراء الصحيفة بأن كين ليفنغستون، عمدة لندن السابق، صاحب تاريخ طويل من التصريحات المعادية لإسرائيل وللصهيونية وللسامية. وقال عنه: "لقد وصف إسرائيل بأنها عنصرية، واتهمها بممارسة التطهير العرقي، وطالب بمحاكمة زعمائها بتهمة ارتكاب جرائم ضد البشرية". وقارن اليهود البريطانيين الذين يلتحقون بالجيش الإسرائيلي بالمسلمين البريطانيين الذين ينضمون إلى الجماعات الإرهابية، وأعرب عن قناعته بأن يهود بريطانيا ما كانوا ليصوتوا لحزب العمال "لأنهم أثرياء".

 ويشير "شاليف" إلى أن هتلر لم يكن صهيونيا، ولئن كان قد دعم بشكل غير مباشر، وربما في بعض الأوقات بشكل مباشر، التعاون المحدود الذي كان قائما بين الحركة الصهيونية والنظام النازي طوال ثلاثينيات القرن الماضي. وأكد "شاليف" في تقريره أن أدولف آيكمان، في الواقع، هو الذي أعلن ذات مرة كما نقل عنه "أنا صهيوني"، موضحا أن آيكمان لم يقصد أنه كان يؤيد حق الشعب اليهودي في تقرير المصير أو في اللجوء الآمن، وإنما قصد أن الصهيونية وفرت آلية فعالة للتخلص من اليهود قبل ابتكار النازيين واستخدامهم لإجراءات أكثر صرامة وأشد تطرفا.

ويرى كاتب التقرير أن تصوير هتلر على أنه كان صهيونيا توصيف يلجأ إليه منذ سنوات طويلة نوعان من الناس: المعادون للصهيونية الذين ينفون وقوع المحرقة، والمتعاطفون مع النازية. أما المنتسبون إلى الصنف الأول حسب تقديره فهم الذين يسعون إلى تلطيخ سمعة إسرائيل وإظهارها كما لو كانت وريث الدولة النازية، وأما المنتسبون إلى الصنف الثاني، كما يقول، فهم الذين يرغبون في تمجيد الجرائم البشعة التي ارتكبت على أيدي من يعتبرونهم أبطالا لهم. ويجزم مراسل الصحيفة بأن ليفينغستون لابد أنه حصل على معلوماته من زمرة صغيرة من المؤرخين الماركسيين أو المعادين للصهيونية الذين تبنوا الرواية نفسها، وعلى رأس هؤلاء ليني برينر، مؤلف كتاب "الصهيونية في عصر الدكتاتوريات"، وهو الكتاب الأنجح والأوسع انتشارا، وهو الذي يزعم الكاتب أن ليفينغستون كان يقتبس منه.

ويقر مراسل هآرتس أن تصريحات ليفنغستون سلطت الضوء على فصل من فصول التاريخ يفضل معظم الصهاينة غض الطرف عنه وعدم الاقتراب منه، وهو الفصل المتعلق بالمصالح المحدودة المشتركة وما نجم عنها من تعاون في تلك الظروف بين الصهاينة والنظام النازي استمر لما يقرب من سبعة أعوام من عام 1933 وحتى عام 1940 حينما كان الحصار الدولي يحول دون تدفق مزيد من المهاجرين اليهود خارج ألمانيا مباشرة قبل أن يأمر هتلر باللجوء بديلا عن ذلك إلى إبادة اليهود جماعيا.

يتضمن تقرير مراسل هآرتس سردا لمجموعة من الوقائع المتعلقة بالتعاون بين الصهيونية والنازية ما قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، ومما يورده في هذا الشأن اتفاقية "الترانسفير"، بالعبرية "هيسكيم هآفارا"، والتي أبرمت في سنة 1933 بين النازيين المتنفذين وصهاينة ما قبل قيام الدولة العبرية في فلسطين، الذين كانوا يشعرون حينها باليأس والإحباط. ويشير "شاليف" إلى أن الاتفاقية أبرمت بعد مفاوضات أجراها الصهاينة الألمان تم بموجبها التوافق على أن يبيع بعض اليهود عقاراتهم في ألمانيا مقابل الحصول على أموال تمكنهم من شراء عقارات في فلسطين. كما تقضي الاتفاقية بأن يمتنع الصهاينة عن المشاركة في المقاطعة الدولية التي أعلن عنها يهود العالم ضد ألمانيا وأن يبذلوا ما في وسعهم لإقناع زعماء اليهود بالتخلي عنها وبإلغائها.

ويضيف مؤلف التقرير أنه بفضل هذه الصفقة تمكن 66 ألف يهودي، هم بالمجمل من الطبقة المتعلمة والثرية، من المجيء إلى فلسطين وبذلك نجوا من الإبادة. وكان يتوجب على كل واحد منهم إيداع ما يعادل ألف جنيه إسترليني آنذاك – والتي تقدر قيمتها الحالية بما يقرب من مائة ألف دولار أمريكي – لكي يتأهلوا للاستفادة من العرض المتضمن في الاتفاقية، التي جاءت في وقت كان المستوطنون اليهود في فلسطين في أمس الحاجة إليها حيث قدمت لهم مساعدة حيوية وهم يواجهون حركات الاحتجاج العربية في فلسطين وآثار الركود العالمي الكبير على المستوى الدولي، وذلك أن المهاجرين الألمان ضخوا ما لا يقل عن 8 ملايين جنيه إسترليني – أي ما يقارب اليوم ما قيمته مليار دولار أمريكي – في الاقتصاد الفلسطيني بشكل مباشر بالإضافة إلى 6 ملايين جنيه إسترليني أخرى بشكل غير مباشر. ويقول إن هؤلاء كانوا جزءا من موجة الهجرة الخامسة التي عززت بشكل كبير من حيث المهارات وأنواع المعارف قدرات المقيمين اليهود في فلسطين والذين كانوا ما يزالون يعانون من شح الإمكانيات حتى ذلك الوقت. ويضرب "شاليف" مثلا على ذلك بما جرى مع والدته التي استفادت من اتفاقية مشابهة كانت قد وقعت في تشيكوسلوفاكيا بعد استيلاء النازيين عليها، والتي سمح بموجبها للطلاب اليهود بالهجرة.

ويؤكد "شاليف" أنه لا يمكن إنكار أن قلة قليلة من الصهاينة كانت ترى أن صعود النظام النازي العنصري في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين يؤكد زعمها الأيديولوجي بأن ذوبان اليهود في أوروبا لم يكن سوى ضربا من الوهم، ويشير إلى أن بعض الصهاينة في الطرف القصي من حركة التحريفيين (المطالبين بالتعديل أو المراجعة)، كانوا في الواقع معجبين بهتلر وبفاشية موسوليني، إلا أنهم ما لبثوا أن ألجموا وأنهيت حركتهم على يد زعيمهم فلاديمير جابوتنسكي وبفضل التقارير المتزايدة والمتواترة حول الإجراءات التي بدأ يتخذها النازيون ضد اليهود بعد عام 1933. أما معظم الصهاينة، حسب ما يقوله، فلم تراودهم أي شكوك أو أوهام حول الطبيعة الكريهة لهتلر والنازيين، إلا أنهم انقسموا بشكل حاد إزاء الأسلوب الأنجع للتعامل معها، فقد كانت "اتفاقية الترانسفير" بكل الحسابات صفقة مع الشيطان، ولكن كان السؤال الذي يدور في الأذهان يتعلق بما إذا كانت شرا لابد منه أو خطيئة قاتلة.

ويمضي الكاتب ليقول تحت عنوان "زائيف جابوتنسكي": "لقد كان ذلك الجدل، في الواقع، هو ما شكل السياسات الصهيونية على مدى نصف قرن من الزمن، والذي يستمر بشكل أو بآخر في توفير الخلفية لها حتى يومنا هذا. ففي السادس عشر من حزيران/ يونيو 1933، وعلى شاطئ تل أبيب، أقدم مهاجمان مجهولان على قتل حاييم أرلوسوروف، الذي كان واحدا من أبطال الحوار مع النازيين. كان بن غوريون ومعه معظم زعماء المستوطنين اليهود في فلسطين على قناعة بأن الجريمة كانت من فعل متطرفين تحريفيين بهدف الانتقام. وفعلا وجهت تهمة ارتكاب الجريمة إلى ثلاثة أعضاء في جماعة يمينية منشقة إلا أنهم ما لبثوا أن برأتهم المحاكم. وكان من بين المتعاطفين التحريفيين، الذين سعوا إلى رفض ما وصفوه بأنه "تهمة الدم" التي اقترفها صهاينة العمال، والد بنيامين نتنياهو، بنزيون، وكذلك جده، ناثان ميليكوفسكي".

ويضيف قائلا: "على الرغم من مشاركة أرلوسوروف، إلا أن اتفاقية الترانسفير كانت بادئ ذي بدء قد أبرمت بين النازيين والصهاينة الألمان وحدهم. أما بن غوريون وغيره من الزعماء الصهاينة في فلسطين فقد نأوا بأنفسهم عنها، وخاصة أن الرأي العام بدا معارضا للصفقة. ولكن بسبب الضغوط المتوالية التي مارسها النازيون، وإثر المناشدات اليائسة بشكل متزايد من قبل الصهاينة الألمان وكذلك بفضل اعترافهم أنفسهم بالأهمية الحيوية للصفقة، لم يسع القيادة الصهيونية في فلسطين إلا أن توقع على الاتفاقية في عام 1935. ثم طرحت للنقاش وأجريت عليها تعديلات في المؤتمر الصهيوني التاسع عشر الذي انعقد في لوزان عام 1935. وكان ذلك المؤتمر هو اللحظة الحاسمة التي تحقق فيها الانفصال النهائي بين الصهيونية العمالية والتحريفيين، والذين اتهموا قيادة المستوطنين اليهود في فلسطين، تماما كما فعل ليفينغستون، بأنهم حلفاء هتلر. ومنذ ذلك الحين ولعقود تلت ظلت أصداء السؤال حول هوية الذين قتلوا أرلوسوروف تتردد في جنبات السياسة الصهيونية".

ويخلص "شاليف" في تقريره إلى القول بأن المؤرخين أنفسهم لم يتمكنوا من تعقب موقف هتلر الشخصي من اتفاقية الترانسفير الأولية، إلا أن المؤكد أنه لم يقم بقطع الطريق عليها ومنعها. ويضيف فيما يتعلق بموقف هتلر: "في عام 1937 تدخل شخصيا لكي يمضيها، وفعل ذلك على مدى العامين المتتالين أيضا. ولكن ذلك لا يجعل من هتلر مؤيدا للصهيونية لا من قريب ولا من بعيد، كما زعم ليفينغستون، وذلك لأن هتلر أباد ملايين اليهود، بمن فيهم ملايين ممن كانت لديهم القابلية للتحول إلى صهاينة، والذين كان يمكن أن يغيروا مسار التاريخ اليهودي بأسره. أما فيما يخص الصهاينة أنفسهم، فما يمكن قوله هو أن تلك الأوقات كانت عصيبة جدا وتبعث على اليأس، ولذلك كانت تتطلب إجراءات يائسة مازال من الصعب اليوم الحكم عليها بعد مرور ما يقرب من 80 عاما على تبنيها".