قضايا وآراء

تنظيم يفشل دوما

1300x600
ما تعرض له تنظيم الدولة في ليبيا من هزائم سواء في شرق البلاد بمدينة درنة على يد ائتلاف مجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها، مدعوما بقوات عسكرية ومسلحين من مدينتي طبرق والبيضاء، أو ما يجري حاليا من قرب سيطرة ائتلاف مقاتلي البنيان المرصوص، يفضي إلى بعض النتائج غير المؤكدة، إلا أنها تبدو لوهلة أولى على الأقل ذات وجاهة ومنطقية.

أولا: تحطيم الدعاية القائلة بعدم إمكانية هزيمة التنظيم، فتجربة درنة حزيران/ يونيو 2015 قضت بشكل نهائي على هذه الفرضية. الصورة النمطية التي زرعت في الأذهان جاءت من إحكام قبضته وطريقة أفراده "ما بعد العنيفة" في التعامل مع مخالفيهم.

ثانيا: أن أغلب الدراسات والتقارير الصحفية والمخابراتية الغربية كانت شبه اعتباطية، فمثلا التقديرات الأمريكية لأعداد مقاتلي التنظيم في سرت كانت ما بين 4000 إلى 6000 مقاتل.

إلا أن سرعة تقهقره إلى سرت أمام هجوم ائتلاف البنيان المرصوص أثبتت أن كل هذه التقارير غير دقيقة.

ثالثا: دخول عسكريين وثوار على خط قتال التنظيم في درنة من "طبرق والبيضاء"، والهجوم الذي شنته كتائب ثوار وعسكريين من مصراتة ومدن أخرى غرب ليبيا، دحض وهم أن التنظيم لا يقدر على هزيمته ومقارعته إلا المنتمين لتيارات إسلامية. إذ إن أغلب مقاتلي تنظيم الدولة غير منتمين لتيارات سياسية.

رابعا: فشل عملية الكرامة في تحقيق دعواها "الحرب على الإرهاب" ليس من قلة في التجهيز العسكري أو المقاتلين، فالعملية تلقت دعما لوجستيا واستخباراتيا من دول إقليمية معروفة للجميع، كمصر ودولة الإمارات، بل إن مهندس العملية اللواء المتقاعد خليفة حفتر ليس من ضمن أولويات مشروعه حرب تنظيم الدولة لأنه يطمح للمحافظة على بقائه في حدود معينة لاستمرار دعوى الكرامة.

خامسا: حرمان مقاتلي التنظيم في العراق وسوريا من إمكانية اللجوء إلى سرت الليبية، أو تحويل ليبيا إلى قاعدة ترتيب أوراق تنظيم الدولة من جديد، بسبب الهجوم الذي يشنه عليه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، واحتمال تخليه عن مناطق واسعة سبق أن سيطر عليها، مع التأكيد على أن قوة التنظيم في ليبيا أقل بكثير من نظيريه في سوريا والعراق.

سادسا: رغم ضعف أداء مجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني بعد قرابة شهرين من دخوله للعاصمة طرابلس، إلا أن عملية "البنيان المرصوص" انطلقت في الخامس من أيار/ مايو الماضي في ظل هذه الحكومة كدليل على أن الانقسام السياسي كان سببا رئيسيا في تغلغل التنظيم، إذ إن المؤتمر الوطني العام في طرابلس والحكومة التابعة له، ومجلس النواب في طبرق، والحكومة التابعة له، فشلا في تحقيق أي انتصار على التنظيم الذي استغل الانقسام وحاول توسيع نفوذه غرب ليبيا.

سابعا: تنتظر الجزائر، وتونس، وتشاد، والنيجر، تحديات عسكرية وأمنية ضخمة في حال نجح مقاتلو التنظيم في الفرار عبر مسالك ودروب صحراوية من ليبيا إلى حدود تلك البلدان، وهو ما يتطلب مضاعفة جهود هذه الدول في مراقبة حدودها بطرق وآليات غير تقليدية، خاصة أن بلدا كالجزائر يمتلك حدودا مع ليبيا بطول قرابة تسعمائة كيلومتر، وضعف البنى الأمينة لباقي الدول الأخرى وفسادها.

ثامنا: ضرورة تغيير القوى الدولية الكبرى خطابها مع قائد عملية الكرامة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وإمكانية الاعتماد عليه كشريك حقيقي للدول الغربية في مكافحة الإرهاب، مع العلم أن محاولته الانقلابية كانت أحد المغذيات المهمة للتطرف في ليبيا.

تاسعا: القصف المستمر من طائرات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر على مدينة درنة، بدعوى أن تنظيم القاعدة يسيطر على المدينة، وسقوط مدنيين قتلى وجرحى بما في ذلك أطفال ونساء، هي محاولة لصرف الانتباه عن التقدم الذي تحرزه عملية "البنيان المرصوص" في مدينة سرت، أو التقليل منها، خاصة أن أغلب كتائب "البنيان المرصوص" سبق أن أجهضت محاولة انقلابية في طرابلس "فجر ليبيا" تموز/ يوليو 2014.

نكتة لطيفة

نبهني صديق حاذق إلى أن بيانات تنظيم الدولة تسمي قوات البنيان المرصوص بمليشيات "فجر ليبيا" وعدم نعتها بقوات حكومة الوفاق، أو مصراتة مثلا، وذلك في رسالة من التنظيم شبه مبطنة إلى قادة عملية الكرامة بأن العدو الذي نقاتله هو عدوكم في الوقته ذاته.

ملاحظة/ عنوان المقالة مقتبس من كتاب لإدوارد سعيد مترجم بعنوان "آلهة تفشل دوما" وهناك ترجمة أخرى للكتاب بعنوان "المثقف والسلطة".