اقتصاد عربي

"تفصيل القرارات".. كلمة السر في انهيار البورصة المصرية

أجرت الجهات المسؤولة عن البورصة المصرية، العديد من التعديلات على قانون سوق المال- أ ف ب
تسببت السياسات الخاطئة وقرارات "التفصيل" التي تصدرها الهيئة العامة للرقابة المالية وإدارة البورصة المصرية، في انهيار سوق المال المصري، بعد هروب المستثمرين إلى المضاربة على الدولار.

وتلجأ هذه الجهات إلى تفصيل القرارات إما لمواجهة موقف محدد أو تمرير وجهة نظر أو سد ثغرة معينة، وربما لمجاملة أحد رجال الأعمال أو المسؤولين الكبار في الدولة.

وأجرت الجهات المسؤولة عن البورصة المصرية، العديد من التعديلات على قانون سوق المال وأصدرت العديد والعديد من القرارات بمنهجية ترقيع الوضع القائم واعتمدت آلية إصدار هذه القرارات والتعديلات على مبدأ المفاجأة ودون الرجوع إلى جمعيات سوق المال المصري والخبراء والعاملين في هذا القطاع، رغم أهمية الحوار المجتمعي المهني لإصدار القوانين والقرارات أو على أقل تقدير التمهيد لهذه القرارات وعدم مفاجأة العاملين في السوق لتوفيق الأوضاع.

وقال نائب رئيس مؤسسة شبة جزيرة سيناء للتنمية للأوراق المالية، محمد رضا، إن معظم التعديلات والقرارات الصادرة من الهيئة العامة للرقابة المالية والبورصة المصرية جاءت بعيدة عن واقع التطبيق وأدت إلى تقييد ووضع عقبات وزيادة الروتين داخل أروقة القطاع الأكثر ديناميكية في الاقتصاد المصري، فأصابته بشلل وتشوهات أفقدته ديناميكيته، وذلك بسبب عدم التواصل مع سوق المال والمتخصصين قبل إصدارها فجعلنا غير المتخصص يتولى إصدار القرارات والقوانين دون الرجوع لأحد من العاملين المتخصصين بهذا القطاع.

وأوضح في تصريحات لـ"عربي21"، أنه حينما أرادت الجهات المسؤولة تبرير تدخل البورصة المصرية المتكرر لإيقاف التداول على سهم بلتون تحت دافع أنه شهد ارتفاعات كبيرة في سعره، قامت بتعديل قواعد قيد وشطب الأوراق المالية بالبورصة المصرية بإضافة مادة جديدة برقم 34 مكرر.

وتابع أن المادة الجديدة تنص على أن "للهيئة أن تطلب من الشركة المقيد لها أسهم بالبورصة دراسة القيمة العادلة لسهم الشركة وذلك في حال وجود تغير سعري في اتجاه واحد بنسبة أكبر من 50% خلال مدة زمنية لا تتجاوز ثلاثة أشهر أو بنسبة أكبر من 75% خلال مدة زمنية لا تتجاوز ستة أشهر بما لا يتناسب مع اتجاه مؤشرات السوق أو القطاع الذي تنتمي إليه الشركة المصدرة أو نتائج أعمال الشركة المصدرة ومدى وجود أخبار جوهرية تبرر ذلك التغير".

واستطرد المتحدث: "بتحليل هذا التعديل الذي لا يوجد في مكان غير مصر نجد أنه تدخل صارخ في آليات قوى العرض والطلب الذي هو الأساس الذي أقيمت على أساسه أسواق المال، مما يعطي الحق للجهات المسؤولة التدخل في آليات السوق الحر ووقفها وفقا لوجهة نظرها مما ينسف سوق المال من أساسه بالإضافة إلى أن معظم الشركات المقيدة قد تراجعت بشكل كبير جدا عن قيمها العادلة بل وعن قيمتها الاسمية في بعض الأحيان بأكثر من 60% إلى 70%".

وقال إن هذه الأسهم من المفترض مع تعافيها نحو استعادة أسعارها وهو ما لا يتطلب تحسن مؤشراتها المالية أو حتى حدوث أخبار جوهرية ستصبح مطالبة بتقديم دراسات تقييم للقيمة العادلة، في حين أن هذه الدراسات ستأخذ فترة زمنية لحين إعدادها، لكن ماذا سيحدث حتى تنتهي منها؟
 
مع العلم بأنه ستخضع العديد من الشركات لهذا الشرط وبجانب تكاليف إعداد هذه الدراسات على الشركات المقيدة ليصبح قيد هذه الشركات في البورصة المصرية أمرا مجهدا ومكلفا مما سيدفع معظم هذه الشركات للخروج من هذه السوق الروتينية الصعبة.

وفي قرار آخر بخصوص شهادات الإيداع الدولية والتي يتم تداولها بالدولار الأمريكي في الأسواق العالمية، نجد أن المسؤولين قد اكتشفوا فجأة أنها سبب تهريب الدولار إلى خارج مصر، فاتخذوا قرار أن حصيلة بيع شهادات الإيداع الدولية سيتم دفعها بالجنيه المصري بدلاً من الدولار، والسؤال هنا هل وجدتم فعلاً أنها هي السبب بالرغم من صدور القرار منذ شهور؟

وللعلم فإن دورة شهادات الإيداع الدولية تتم بداية بشراء أسهم في السوق المصرية بالجنيه المصري ثم يتم تحويلها لشهادات إيداع دولية ثم يتم بيعها في الأسواق العالمية بالدولار ثم يتم دخول حصيلة البيع بالدولار إلى مصر، إذن فإن بيع شهادات الإيداع الدولية هو مصدر لدخول الدولار إلى مصر وليس كما قالوا إنه يخرج الدولار من مصر، ولم يسبب هذا القرار إلا حالة ركود في شهادات الإيداع الدولية وعائقا جديدا زاد من حالة ركود سوق المال.

وفي قرار آخر يدل على أعمال الترقيع وسياسة سد ثغرات القوانين وفقا للموقف وليس طبقا لرؤية، وهو يخص أيضا شهادات الإيداع الدولية، تم إصدار قرار بألا تتجاوز شهادات الإيداع الدولية المصدرة ثلث رأس مال الشركة، لكن لماذا تم وضع هذا القيد وإن كان جيدا من حيث الشكل في الوقت الحالي، ولماذا لم يتم وضعها منذ البداية، وهل يتم إدارة سوق المال المصرية بمنطق التجربة ثم التصحيح؟ وتنفيذ الشركات لهذا القرار سوف يضعها أمام صعوبات حتى تتمكن من توفيق أوضاعها وفقاً لهذا القرار المفاجئ.