ملفات وتقارير

تفاصيل مثيرة لعملية كركوك.. مقاتلون محترفون وخلايا نائمة

مسؤول أمني كردي: كانوا أكثر المقاتلين احترافية في تنظيم الدولة رأيتهم منذ 2003 - أرشيفية - ا ف ب
تسلل 100 مقاتل على الأقل إلى كركوك في الساعات الأولى من صباح الجمعة 21/10/2016 مسلحين برشاشات وقذائف صاروخية وسترات ملغومة، ورسالة مفادها أن الدولة الإسلامية سيطرت على المدينة.

وأعلنت مكبرات الصوت في المساجد هذه الرسالة، بينما شن المقاتلون هجومهم.

يقول مسؤولون أمنيون عراقيون إنه بينما شق المقاتلون طريقهم بالمدينة في هجوم سافر ومعقد، كان 99 من المدنيين وأفراد قوات الأمن قد لاقوا حتفهم، وكان 63 من المتشددين في المشرحة.

ويظهر حجم العملية مدى صعوبة المعركة التي ستندلع من أجل استعادة الموصل، ويشير إلى أن التنظيم لا يزال قادرا على تقويض الأمن في مختلف أنحاء البلاد، حتى لو سقط معقله في الشمال.

وكانت هذه العملية هي الأكبر بين عدة عمليات نفذتها الدولة الإسلامية؛ بهدف الإلهاء؛ لعرقلة التقدم صوب معقلها شمالي البلاد.

وتشير روايات جمعتها رويترز من السكان والشرطة ومسؤولين بأجهزة الأمن والمخابرات، إلى أن الهجوم نفذته عناصر على درجة عالية من التدريب والاستعداد لقيت دعما من داخل كركوك، الأمر الذي يثير قلق الحكومة.

وقال رانج طالباني، المسؤول الكبير بالمخابرات الكردية: "كان تنفيذه (الهجوم) بسهولة شديدة مفاجأة".

على غرار هجمات الدولة الإسلامية في باريس العام الماضي، استهدفت العملية على ما يبدو نشر الفوضى والخوف، وليس السيطرة على أراض. وعلى الرغم من أن أشرس المعارك كانت انتهت بحلول ليل الجمعة، إلا أن الاشتباكات استمرت ليومين، وما زال المسؤولون يبحثون عن وحدات الدولة الإسلامية بالمدينة.

وتمثل واجهتا فندقين غطاهما السواد، وحملتا آثار أعيرة نارية علامة واضحة على ضراوة المعركة. ويقع الفندقان قرب مبنى محافظة كركوك، الذي كان أحد أهداف الهجوم.

لا تزال رائحة الدخان والمتفجرات موجودة.

مقاتلون "محترفون"


تقع كركوك على مسافة 100 كيلومتر جنوب شرقي الموصل، على مقربة من حقول النفط التي توجد فيها معظم احتياطات النفط العراقية الهائلة. كما تقع قرب إقليم كردستان شبه المستقل بشمال العراق، وتسيطر عليها القوات الكردية منذ تقهقر الجيش العراقي في مواجهة تقدم مقاتلي الدولة الإسلامية عام 2014.

وقع الهجوم بعد أربعة أيام من انطلاق حملة على تنظيم الدولة في الموصل تشارك فيها قوات البشمركة الكردية والقوات العراقية، بالإضافة إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

يقول مسؤولون أمنيون عراقيون إن المقاتلين يبدون مدربين جيدا على القتال في المدن، وهو مؤشر على أن المعركة من أجل استعادة الموصل ثاني أكبر مدن العراق ستكون طويلة ودموية.

وقال هلو نجاة حمزة، قائد قوة الأسايش، وهي قوة للأمن والمخابرات في كركوك: "هؤلاء أكثر مقاتلين احترافية رأيتهم منذ 2003".

بعد ظهر الأحد، أي بعد يومين ونصف اليوم، فجر اثنان من القناصة سترتيهما الناسفتين خلال تبادل كثيف لإطلاق النار مع قوات الأمن بمدرسة ابتدائية. لكن لا يوجد أي مسؤول محلي مستعد للقول إن الهجوم انتهى تماما.

وقال مسؤول من كركوك، طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية: "ما زلنا نبحث عنهم".

لم تكن العملية مرتجلة، فقد أظهر مقطع فيديو عثر عليه على هاتف سامسونج مع جثة مقاتل لقطات لأهداف في أجزاء مختلفة من المدينة صورت قبل الهجوم.

وقال وزير المالية والخارجية السابق، هوشيار زيباري، وهو كردي، إن العملية انطوت على الكثير من التحضير.

معارك ضارية

بدأت العملية -تقريبا- في الثالثة من صباح الجمعة، عندما وصل المقاتلون في شاحنات خفيفة، وانتشروا على الأطراف الجنوبية للمدينة.

وقسمت المجموعة إلى 20 فريقا، يضم كل منها خمسة أعضاء، وانتشروا في أنحاء المدينة راجلين. وعمل العديد من الفرق معا لمهاجمة هدفين في البداية: قاعدة للأسايش ومركز شرطة في جنوب كركوك.

واندلعت معركة ضارية في الموقعين. وقال حمزة: "بدوا متوحشين". ووصف المقاتلين بأن لهم لحى طويلة، "ويرتدون ملابس أفغانية"، بيد أن مسؤولي أمن عراقيين يقولون إنهم لم يجدوا أي وثائق مع المقاتلين الذين لقوا حتفهم، ما يشير إلى أنهم مقاتلون أجانب، وقال السكان المحليون الذين واجهوا المقاتلين إنهم تحدثوا بلهجة عراقية محلية.

وفي نحو الرابعة صباحا، وصل فريقان من القناصة إلى وسط المدينة، وانقسما، لتتوجه مجموعة إلى سطح فندق الصنوبر، وتوجهت الأخرى إلى فندق دار السلام في الجهة المقابلة من الشارع. وكان كلا الفندقين مغلقا للإصلاح.

وكان الهدف على بعد بضع مئات من الأمتار في الجهة المقابلة من مبنى محافظة كركوك.

وفي التوقيت ذاته تقريبا، اقتحم المقاتلون في طريقهم منزلين في حي مجاور، مطالبين السكان بإيوائهم وبمفاتيح سياراتهم.

وتظهر لقطات من تسجيل مصور من أحد المنزلين المقاتلين في سراويل وقمصان، من التي يرتديها سكان جنوب آسيا، ويحملون بنادق آلية وسلاح (آر.بي.جي)، والعديد من المقاطع المصورة للذخيرة.

ويُرى مقاتل وهو يركض نحو بداية الشارع بجانب فندق الصنوبر، ويطلق نيران سلاح (آر.بي.جي) على مبنى المحافظة، الذي تحول إلى كرة من اللهب والشرر.

وعلى بعد بضعة مبان في مستشفى كركوك العام، سمع الشرطي صميم حمزة انفجارات ونيران بنادق آلية. وقال صميم، الذي فقد خمسة من زملائه في الهجوم: "لقد كان واضحا أن هذا ليس هجوما عاديا".

خلايا نائمة

وبينما كانت تنتشر الاشتباكات في أنحاء كركوك، هاجم أربعة من مسلحي الدولة الإسلامية -كانوا يرتدون سترات ناسفة- محطة للكهرباء في بلدة الدبس على بعد 30 كيلومترا. وقتل ما لا يقل عن 11 شخصا، بينهم ثلاثة مهندسين إيرانيين كانوا يعملون في المحطة.

وبالعودة إلى كركوك، قال مسؤولو أمن عراقيون، ومسؤول عسكري أمريكي، إن الخلايا النائمة ساعدت المقاتلين. وأبلغ السكان عن رؤية سيارات تسير قرب فندق الصنوبر خلال الاشتباكات؛ لإمداد المقاتلين بالذخيرة.

وبحلول الفجر، ترددت أصوات إطلاق نار وانفجارات في أنحاء المدينة، بينما خاض المقاتلون معارك في الشوارع مع قوات الأمن، وأصاب القناصة الأهداف.

وقال حمزة: "كان الهدف إيجاد حالة من الفوضى هنا. ظنوا أن ذلك سيقلص عدد المقاتلين الذين سيرسلون إلى الموصل".

ومع اتضاح نطاق الهجوم، طلب مسؤولو الأمن التعزيزات، حيث جرى استدعاء ما يصل إلى ثلاثة آلاف من مقاتلي البشمركة من أربيل والسليمانية. وقال دبلوماسي غربي -على دراية بالعملية- إن الجيش نفذ أيضا غارات جوية.

واستمر القتال الضاري لعدة ساعات حتى بعد وصول التعزيزات. ولم ينته تبادل إطلاق النار في مبنى الأسايش إلا في الخامسة من مساء الجمعة، بعد 14 ساعة تقريبا من بدايته.

وأظهرت لقطات تلفزيونية آثار الحريق في السماء والدخان يتصاعد من وسط المدينة ليل الجمعة. واستمرت اشتباكات على نحو متقطع يومي السبت والأحد.

وبالنسبة لمسؤولي الأمن، الذين يحاولون منع هجوم آخر، كان أكبر مبعث للقلق هو حجم الدعم داخل المدينة لتنظيم الدولة.

وقال حمزة: "هناك خلايا نائمة تعاونت معهم. كانوا يضمرون عداء شديدا للأكراد والشيعة والحكومة المركزية".