ملفات وتقارير

تباين الآراء حول انتخابات "مجلس القضاء" في تونس

المجلس الاعلى للقضاء تونس
تباينت آراء المراقبين والقضاة والمحامين بخصوص نتائج انتخابات المجلس الأعلى للقضاء، التي أعلن عنها، الاثنين، في تونس، في أوّل عملية اقتراع قطاعية تنظمها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

والمجلس الأعلى للقضاء، الذي يتركّب من 45 عضوا، موزعين على ثلاثة مجالس قضائية: العدلي والإداري والمالي، هو مؤسسة دستورية موكول إليها ضمان استقلال السلطة القضائية، وحسن سير العدالة، طبقا لأحكام الدّستور والمعايير الدوليّة.

وفيما شدّد المرصد التونسي لاستقلال القضاء على تمسكه بعدم مشروعية الإجراءات المتعلقة بتركيز المجلس الأعلى للقضاء، لاحظ أن نتائج الانتخابات أظهرت "عودة الأساليب القديمة في التأثير على إرادة الناخبين، خصوصا من جهات قضائية مسؤولة".

وتابع المرصد، في بيان تلقت "عربي21" نسخة منه، بأنّ الانتخابات سجّلت فوز المرشحين "المدعومين أساسا من بعض الأطراف السياسية على حساب الترشحات الفردية المستقلة".

اختاروا الانقلاب


وأبرز استمرار النفوذ القوي للنظام القضائي السابق (عهد بن علي)، "وهو ما مكّن من اختراق تركيبة المجلس الحالي على مستوى الرتبة الثالثة من القضاء العدلي، وانتخاب أحد الوجوه التي تزعمت على عهد الوزير الأسبق البشير التكاري الانقلاب، خلال سنة 2005، على المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين"، وفق نص البيان.

واعتبر المرصد التونسي لاستقلال القضاء، الذي يرأسه القاضي أحمد الرحموني، أن التداعيات السلبية لانتخابات المجلس الأعلى للقضاء "ترتبط أساسا بعدم إخضاع المؤسسة القضائية لمقتضيات الإصلاح وانتفاء الرقابة -واقعا وقانونا- على شروط النزاهة والكفاءة من جهة المترشحين، إضافة إلى محاذير التدخل السياسي في العمليات الانتخابية".

كما علّق القاضي الرحموني في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بقوله: "نخبة القضاة تختار الانقلاب!! نتائج المجلس الأعلى للقضاء لن تكون إلا على صورة القضاء".

انتخب جلّاده

وفي السياق نفسه، قالت رئيسة جمعية القضاة التونسيين السابقة، القاضية كلثوم كنّو، إن أحد القضاة الذين فازوا أمس في انتخابات المجلس الأعلى للقضاء مهندس الانقلاب الذي وقع سنة 2005.

وعبّرت في تصريح لإذاعة "شمس أف أم" عن سعادتها بعدم فوزها في الانتخابات "حتى لا تكون في المجلس جنبا لجنب مع شخص خذل القضاة، وضرب القضاء، وساهم في إذلال القضاة"، لافتة إلى أنّ مشكلتها "ليست مع من ترشح، ولكن مع من انتخب جلّاده"، وفق تعبيرها.

واتهمت كنّو رئيس كتلة حركة النهضة في البرلمان، نورالدين البحيري، بـ"ضلوعه في إسقاطها في انتخابات المجلس الأعلى للقضاء، من خلال الأمر الصادر للقضاة بعدم التصويت لفائدتها".

من جهته، اعتبر المحامي سمير بن عمر الذين انتقدوا نتائج انتخابات المجلس الأعلى للقضاء بأنهم "هم أساسا الخاسرون، أو هم بعض الأطراف السياسية التي كانت ترغب في وضع قدم داخل هذه المؤسسة الدستورية؛ لخدمة أجنداتهم"، بحسب قوله.

أجندات حزبية

وتابع الأستاذ بن عمر، الذي يرأس الهيئة السياسية لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، في تصريح لـ"عربي21"، بأن هؤلاء -في إشارة إلى بعض القضاة والسياسيين- قد خاب أملهم في ما خططوا للقيام به، مؤكدا أنّ المحامين الذين تمّ انتخابهم عليهم شبه إجماع.

وقال: "المحامون الذين تم انتخابهم يتمتعون بشروط الاستقلالية والنزاهة، ولا يحملون أيّ أجندات حزبية، وهو ما يجعلنا نشعر بالارتياح بعد الانتخابات، ونتفاءل خيرا بمستقبل هذه المؤسسة الدستورية، التي سيمثل قطاع المحاماة فيها عنصر التوازن".

واعتبر بن عمر أنّ المجلس هو خطوة جديدة نحو تحقيق أهداف الثورة، "ومن واجب الأسرة القضائية -مهما كانت مواقعها- المساهمة في إنجاحه؛ لأنه مواصلة لتجربة الانتقال الديمقراطي في تونس"، وفق تعبيره.

إرادة المحامين

وأوضح عميد المحامين، عامر المحرزي، في تصريح إعلامي، أن الأسماء الفائزة من القضاة أو المحامين "قادرة على تقديم الإضافة للمجلس الأعلى للقضاء، باعتباره مجلسا للقضاء، وليس للقضاة، بعيدا عن القطاعية"، لافتا إلى أنّ نتائج الانتخابات عكست إرادة المحامين.

وبلغت نسبة المشاركة العامة في انتخابات المجلس الأعلى للقضاء، الذي صادق مجلس نواب الشعب على مشروع قانونه الأساسي في آذار/ مارس الماضي، بعد جدل استمر لأشهر، 46.9 بالمئة، أمام عزوف المحامين الذين سجلوا حضورهم بأضعف نسبة لم تتجاوز 37.1 بالمئة.
 
وأجمعت الهيئات والمنظمات الرقابية على نزاهة انتخابات أوّل مجلس قضائي منتخب في تونس وفي العالم العربي، باعتباره خطوة إيجابية أخرى نحو استكمال شروط تأسيس المحكمة الدستورية.

ووصف القاضي في المحكمة الإدارية، أحمد صواب، الانتخابات بـ"العرس"، لافتا في تصريح لصحيفة "الصباح نيوز" إلى ما وصفهم بـ"القيادات الثورجية المتمسكة بالكرسي لمدة 15 سنة لا تريد أن تتركه، ولكن القواعد قالت لهم ارتاحوا قليلا"، في إشارة إلى القاضية كلثوم كنّو.

يُشار إلى أنّ أكثر من 13 ألف شخص ينتمون إلى المرفق القضائي، (قضاة ومحامين وأساتذة جامعيين وغيرهم)، شاركوا في الانتخابات الأولى من نوعها في تونس، حيث كان المجلس يضم في عهدي رئيسي البلاد بورقيبة وبن علي أعضاء معيّنين من قبل السلطة.