نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا لمراسل الأمن القومي دان دي لوس، حول تداعيات فوز المرشح الجمهوري دونالد
ترامب غير المتوقع ضد المرشحة الديمقراطية هيلاري
كلينتون.
ويقول الكاتب إنه يتوقع أن يقوم
أوباما في الأشهر الأخيرة له في البيت الأبيض بمحاولة تثبيت مبادراته في السياسة الخارجية، مستدركا بأن هناك حدودا لما تستطيع الإدارة فعله لقطع الطريق على الرئيس القادم، الذي وصل البيت الأبيض إثر موجة من الغضب الشعبوي، حول الهجرة والتجارة والالتزامات الدولية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن ترامب وعد برفع القيود عن تعذيب المشتبه بأنهم إرهابيون، التي فرضها أوباما، وبإلغاء اتفاقيات التجارة مع أوروبا وبلدان المحيط الهادئ، ومراجعة اتفاقيات تجارية مع الصين، والتراجع عن الانفتاح الدبلوماسي على كوبا، والتراجع عن الالتزامات الأمريكية تجاه اتفاق المناخ في باريس، واتخاذ اتجاه معاكس لسياسة أمريكا تجاه
روسيا، بالإضافة إلى أنه وعد بتفكيك ما يعده أوباما أهم انجازاته، وهو الاتفاقية النووية مع إيران، لافتا إلى أن ترامب يستطيع الاعتماد على أغلبية جمهورية في الكونغرس لإعادة التفاوض على الاتفاقية مع إيران أو إلغائها.
وتنقل المجلة عن ديبي المونستر، وهي إحدى مؤيدات كلينتون، قولها بعد مغادرتها لما كان من المفروض أن يكون احتفالا بفوز كلينتون، في وقت متأخر من ليلة الثلاثاء: "ما هو في خطر الآن ما أنجزه أوباما، وما كان يؤمل بأن تستمر هيلاري كلينتون في إنجازه.. وإن كان دونالد ترامب هو رئيسنا القادم فأنا قلقة على بلدنا".
ويلفت دي لوس إلى أن مؤيدي الهجرة طالبوا أوباما بأن يجمد ترحيل المهاجرين غير الشرعيين؛ خوفا من أن تقوم إدارة ترامب بترحيل ملايين المهاجرين الذين يعملون في أمريكا بشكل غير قانوني، مشيرا إلى أن أوباما قد حاول دون جدوى توفير حماية قانونية لخمسة ملايين مهاجر غير شرعي من الترحيل.
ويورد التقرير نقلا عن خبراء سياسيين، قولهم إنه إن سعى ترامب لتطبيق رؤيته، فإنه سيتسبب بأزمة دولية، حيث كتب ثوماس رايت من معهد بروكنغز يوم الاثنين: "يمكن للولايات المتحدة أن تنسحب من دورها، بصفتها قائدة لنظام دولي ليبرالي، سيتبع ذلك انهيار في النظام الدولي، وستسعى دول أخرى للتجاوب.. ولا ندري أين ستنتهي، لكن هذه الظروف قد تكون الظروف الوحيدة التي تهيئ لحرب كبيرة".
وترجح المجلة أن يؤدي فوز ترامب إلى تقارب مع روسيا لم يشهد العالم مثله منذ تسعينيات القرن الماضي، بعد سنوات طويلة من التوتر المتزايد بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والحكومات الغربية، لافتة إلى أن ترامب رفض انتقاد احتلال روسيا للقرم، وتأييدها للانفصاليين في شرق أوكرانيا، وحربها الجوية بجانب النظام السوري، وقرصنتها للانتخابات الأمريكية والحزب الديمقراطي.
ويقول الكاتب إنه "إذا قام ترامب بتطبيق ما وعد به من تعاون مع بوتين، فإن ذلك سيشكل نقلة زلزالية للنظام العالمي، قد تغير مسار الحرب في سوريا، مسببة اختلافا مع الحلفاء الأوروبيين، وكان ترامب قد تحدث عن تعاون مع روسيا في الحرب على تنظيم الدولة، ما سيجعل أمريكا داعمة مباشرة للديكتاتور الوحشي رئيس النظام السوري بشار الأسد".
وينوه التقرير إلى أن ترامب لم يذكر في خطاب الفوز، صباح الأربعاء في نيويورك، روسيا، ولا التجارة، ولا أي من قضايا السياسة الخارجية، لكنه وعد بالسير على نهج يقوم على التعاون مع البلدان الأخرى، وقال في خطابه: "مع أننا نضع مصالح أمريكا أولا، إلا أننا سنتعامل بإنصاف مع الجميع، وسنسعى لإيجاد أرضية مشتركة وليس الخصومة، والشراكة وليس الصراع"، وكان ترامب وصف الحملة العسكرية لاستعادة الموصل من تنظيم الدولة على "تويتر" بأنها "كارثة"، ووصف القيادات العسكرية التي تدير المعركة هناك بأنهم "مجموعة من الخاسرين"، وهي واحدة من العديد من الشتائم الموجهة للقيادة العسكرية العليا في البنتاغون.
وتبين المجلة أن ترامب سيصبح القائد العام المسؤول عن 13 ألف عسكري أمريكي في العراق وأفغانستان، كونه رئيسا لأمريكا، وسيرث تهديدا ارهابيا من تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة والتنظيمات المرتبطة بها في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، منوهة إلى أن ترامب دعا إلى استخدام التعذيب في التحقيق مع المشتبه بهم في الحرب على تنظيم الدولة، وهو ما قام أوباما بمنعه في أول يوم تسلم به الرئاسة في كانون الثاني/ يناير 2009.
ويورد دي لوس أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون برينان، هدد بالاستقالة إذا أمر الرئيس القادم باستخدام التعذيب، مرجحا أن يكون لغيره من المسؤولين الكبار في المخابرات والدبلوماسيين الضباط العسكريين الموقف ذاته، ما سيثير معركة قانونية وأزمة دستورية.
وبحسب التقرير، فإن العديد من كبار الدبلوماسيين والموظفين الحكوميين، أعربوا بصورة شخصية، حتى قبل ظهور النتائج، أنهم سيفكرون في الاستقالة احتجاجا، إن قام ترامب بتطبيق ما وعد به من تمزيق لمبادئ السياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك الالتزامات الأمريكية تجاه حلف الأطلسي، مشيرا إلى أن ترامب وعد بأن يقوم "بسجن" كلينتون؛ لاستخدامها مزود بريد إلكتروني خاصا عندما كانت وزيرة للخارجية، وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي انتقد كلينتون؛ لاستخدامها مزودا خاصا، لكنه برأها من ارتكاب أي جناية.
وتذكر المجلة أن ترامب بصفته رئيسا فإنه سيقوم بالإشراف على قوات الأمن والمخابرات ووكالات الأمن المختلفة، بعد 15 عاما شهدت رئيسين يوسعان من صلاحيات السلطة التنفيذية، من عمليات سرية في الخارج ضد المجموعات الإرهابية، إلى برامج تجسس واسعة النطاق، وسلطات تحقيق ومقاضاة محلية، ما جعل الرئاسة الأمريكية الحالية تتمتع بصلاحيات واسعة، وهو ما يحمل تداعيات سياسية تؤثر في الحريات المدنية وحق الخصوصية.
ويتساءل الكاتب: "كيف سيستخدم ترامب هذه الصلاحيات؟ خاصة أنه بصفته رجل أعمال، كان دائما يستخدم المحاكم للانتقام من منافسيه وأعدائه، وعندما قامت العديد من النساء باتهام ترامب بالاعتداء الجنسي عليهن، فإنه وعد بمقاضاتهن".
وينقل التقرير عن الزميل في معهد بروكنغز، بنجامين ويتز، كتب في وقت سابق من هذا العام، قائلا: "أقل أجزاء الحكومة مقاومة للاستبداد هي وزارة العدل وما يتبعها من أجهزة تطبيق القانون.. وأول سبب يجب عليك أن تخشى فيه رئاسة دونالد ترامب هو ما سيفعله لوظائف فرض النظام العادية للحكومة الفيدرالية، وليس للوظائف غير العادية".
وتبين المجلة أن ترامب سيملك سلطات واسعة فيما يتعلق بالتجارة والاتفاقيات التجارية، وكان قد هدد بتعطيل اتفاقية عبر الباسيفيكي، وهي اتفاقية بين 12 بلدا، تغطي اقتصاد 40% من اقتصاد العالم، بالإضافة إلى أنه هدد بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا لعام 1994 بين أمريكا وكندا والمكسيك، لافتة إلى أن الرئيس لا يحتاج لإلغاء أي من هذه الاتفاقات لأكثر من إعطاء إشعار مدته ستة أشهر.
ويذكر دي لوس أن ترامب وعد أوباما بفرض تعرفات جمركية على البضائع الصينية واليابانية والمكسيكية، وهذا ما سيضطر الشركاء التجاريين لأن يردوا بالمثل على البضائع الأمريكية، بالإضافة إلى أنه وعد بإصلاحات للاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي المسؤول عن وضع السياسات المالية للبلد، حيث اتهم البنك بإقاء نسبة الفائدة متدنية لتشجيع النمو الاقتصادي.
ويشير التقرير إلى أن ترامب استغل في حملته ردة الفعل الشعبوية للظروف الاقتصادية، وعدم المساواة، والهجمات الإرهابية في الغرب، مبينا أن فوزه وجد صدى لدى الزعامات الشعبوية عالميا، حيث رحبت زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني في فرنسا مارين لوبين بفوز ترامب، وباركت لترامب و"للشعب الأمريكي الحر" هذا الفوز.
وتفيد المجلة بأن من إنجازات أوباما التي يسعى ترامب إلى إلغائها هي اتفاقية المناخ في باريس، حيث يقول ترامب إن التغير المناخي هو مجرد شائعات، وقال إنه يسعى للانسحاب من الاتفاق، ويسعى إلى إعادة تشغيل مناجم الفحم، واستخدامه في إنتاج الطاقة، ما سيخلق وظائف جديدة، وقال مستشاره للطاقة إن ترامب سيعرض الاتفاقية على الكونغرس للمصادقة، وإن فشل الكونغرس في المصادقة عليها، وهو ما يتوقع؛ لأن المصادقة تحتاج إلى تصويت ثلثي الكونغرس لصالحها، وبذلك يستطيع ترامب تحميل مسؤولية الانسحاب من الاتفاقية للكونغرس.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن موقف ترامب بالنسبة لكوبا غير واضح، حيث قال في أيلول/ سبتمبر 2015 عن التقارب مع كوبا، إن "لا غبار على مبدأ التقارب"، فخمسون سنة قطيعة كانت كافية، مستدركة بأنه قال قبل شهرين في فلوريدا، التي يقطنها الكثير من معارضي كاسترو، إنه سيلغى تحرك أوباما لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا.