سياسة دولية

كيف اخترق ناشط سوري خطوط النظام عبر الـ"سيلفي"؟ (فيديو)

الناشط الحلاق مع عدد من أصدقائه الذين اشتهر بالظهور معهم- يوتيوب
لم تؤثر سنوات الثورة السورية وما شهدتها من مجازر وانتهاكات من قبل النظام على ابتكار روح السخرية والطرفة واستخدامها سلاحا لمواجهة محاولات النظام لهز الروح المعنوية ودفع الناس للاستسلام.

ومنذ اليوم الأول للثورة التي بدأت بطابع سلمي من خلال التظاهرات والاحتجاجات في الميادين والأحياء ابتكر السوريون العديد من الوسائل الساخرة لإيصال رسالتهم الاحتجاجية، وكان من أشهرها في بدايات الثورة مقطع الشبان الذين تظاهروا بـ""قصف" جنود النظام باستخدام الخضراوات مثل "الكوسا والباذنجان" بواسطة أنبوب مياه بلاستيكي ونشروه على مواقع التواصل الاجتماعي.

ومع الوقت، تطورت الوسائل الساخرة من قوات النظام وبرزت أشكال جديدة للسخرية لم تقف عند حد المرسل بل وصلت للمرسل إليه، وهو النظام الذي يظهر أنها أزعجته لدرجة قيامه بالرد عليها بذات الطريقة بحسب مراقبين.

كاميرا وسيلفي

واشتهر ناشط سوري يدعى أحمد حلاق الذي يقطن مدينة حلب ويلقب بين رفاقه نشطاء الثورة باسم "أبو روما" بنشر مقاطع مصورة بواسطة هاتفه الشخصي بطريقة الـ"سيلفي"، وهو يوجه رسائل لقوات النظام بأسلوب فكاهي ساخر ولاقت انتشارا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويظهر "أبو روما" في المقاطع دائما بذات الوضعية واقفا إلى جانب الكاميرا معه عدد من أصدقائه سواء كانوا من مقاتلي المعارضة أم من المدنيين القابعين تحت الحصار في حلب، ويقوم بإجراء حديث فكاهي موجها إلى أشخاص بعينهم من طرف النظام السوري ويتبادل هو والواقفون معه الحوار والعبارات الطريفة.

وأصبحت العبارة الشعبية الحلبية "سيدو" ويا "صغير" بمثابة "ماركة مسجلة" للناشط الحلاق في مقاطعه المصورة ويقصد بكلمة "يا صغير" رئيس النظام السوري بشار الأسد للاستخفاف به.

وباتت مقاطع "سيلفي" الحلاق أشبه باشتباكات وقصف للمواقع ليس بواسطة القذائف لكن عبر مقاطع فيديو مرفوعة على موقع "يوتيوب" مع إعلاميين وجنود تابعين للنظام السوري في الجبهات المجاورة لحلب.

وبالإضافة إلى حمل المقاطع رسائل ساخرة، إلا أنها تتضمن رسائل تهديد ووعيد خاصة تلك التي استعرض فيها الحلاق عددا من الأسرى بعد معالجتهم وتوعد النظام بأخذ العديد من جنود أسرى إذا حاولوا اقتحام حلب.

حيلة دفاعية

ويقول المختص في الطب النفسي ومعالجة الصدمات النفسية الدكتور محمد الطويل إن اللجوء للسخرية من قبل الطرف الذي يتعرض للظلم والقهر يعد واحدا من الأساليب والحيل الدفاعية للمحافظة على النفس.

وأوضح الطويل لـ"عربي21" أن هذا نمط سلوكي طبيعي، وجسم الإنسان يحمل مقومات دفاعية في حال تعرضه للصدمة والهجوم من قبل طرف أكثر قوة وبطشا.

وأشار إلى أن بعض الوفود الأوروبية التي كانت تزور قطاع غزة عقب الاعتداءات الإسرائيلية على غزة كانت "تستغرب ممارسة الناس حياتهم بشكل طبيعي وتقبلهم لسقوط الضحايا بل وحضور الابتسامات وتبادل الطرائف في حديثهم" مضيفا: "سألني بعض النشطاء الأوروبيين لماذا يفعل الناس هكذا؟ فقلت إن السبب هو دفاع الناس عن كيانهم ومحاولة لإبقاء معنوياتهم مرتفعة في ظل ضغط الاحتلال".

وشدد على أن اللجوء للسخرية يرفع الروح المعنوية ويجلب نوعا من الارتياح للنفس والشعور بأنه يمتلك قوة من نوع ما لمواجهة قوة البطش والعدوان من الطرف الآخر خاصة إذا كان يمتلك وسائل متفوقة وقاسية.

وأضاف: "يتعدى موضوع السخرية في الأزمات من الدفاع عن النفس إلى التأثير في الخصم وهز روحه المعنوية من خلال السخرية به، وربما تفعل هذه الرسائل ما يعجز القصف والعصا الغليظة عن فعله في تحطيم الإرادة وهز الثقة بالنفس".

وحول قدرة الشعوب العربية في سوريا وفلسطين والعراق على تجاوز حالة القهر والظلم التي يمرون بها وابتكارهم وسائل نفسية لمواجهة أعدائهم قال الطويل: "هذه حية ورغم ما يمر بها من آلام إلا أنها تبتكر في حين وسائل جديدة للتغلب على الهجمات التي تمر بها وإبقاء حالتها المعنوية مرتفعة".

وشدد على أن بعض الأشخاص "يسقطون معنويا بشكل سريع بسبب الضغط والظلم لكن الغالبية العظمى من الشعوب العربية المقهورة لديها مخزون من الإرادة والإيمان الديني والثقة بالنفس ما يساعدها على ابتكار وسائل نفسية تثبتها وتضر بخصمها وبالتالي فالحاجة أم الاختراع".



تميز الثورة

من جانبها قالت الناشطة في الثورة السورية عروبة بركات إن المقاطع الساخرة التي ينشرها الناشط الحلاق وغيره من النشطاء رسائل تقوية لرفع معنويات المحاصرين داخل سوريا، ورسائل بعث أمل للذين هجروا منها قسرا بسبب مجازر وهجمات النظام.

وأوضحت بركات لـ"عربي21" أن هذه المقاطع تختلف عن تلك التي يصورها "شبيحة النظام السوري" مضيفة أن: "شبيحة النظام كانوا يرسلون مقاطع للأهالي فيها تعذيب وقتل وجثث لتدمير الروح المعنوية، لكننا بالمقابل نرسل لهم رسائل لهز روحهم المعنوية، دون اللجوء لطريقتهم بالإجرام بل على العكس تقدم بطريقة مرحة وتحمل قوة الحق".

ولفتت إلى أن بعض المقاطع الساخرة ظهر فيها جنود من النظام السوري سقطوا أسرى بيد المعارضة وقالت: "صحيح أن هناك أسرى ظهروا في المشاهد لكن لم يظهروا وهم يتلقون التعذيب كما يفعل بنا جنود النظام لو سقطنا بأيديهم، بل تم عرضهم لتوجيه رسالة أن مصير جنود النظام دائما الهزيمة وسيواجهون ذات المصير".

واعتبرت وجود هذا الجو الساخر على الرغم من قسوة النظام وما فعله بالسوريين دليلا على "تميز هذه الثورة وتفردها بتجاوز الألم وابتكار كل الوسائل التي تساهم في صمود المحاصرين وبث الأمل في نفوسهم وعدم انهيارهم نفسيا جراء جرائم الأسد".