هاجم
علي بن فليس، رئيس الحكومة
الجزائرية الأسبق، ومرشح انتخابات الرئاسة الماضية، النظام الانتخابي بالجزائر، مشددا على أن نظام الرئيس
عبد العزيز بوتفليقة يمارس "الغش السياسي".
وقال بن فليس في
حوار مطول مع مجلة "لو بوان" الفرنسية، الأربعاء، ترجمته "
عربي21" بتصرف، إن الجزائر تعيش في "ديمقراطية احتفالية". ففي أعين النظام السياسي القائم،
الانتخابات لها ثلاث وظائف: إضفاء الشرعية للمؤسسات القائمة، واعتماد ما يشبه الحياة الطبيعية في البلاد التي تواجه حالة من الجمود التام سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وأخيرا الحفاظ على وهم التعددية السياسية في الجزائر.
وأضاف بن فليس أنه لا يخفى على أحد أن النظام الحالي يريد من الانتخابات أن تحافظ على هذه الوظائف الثلاث من خلال "الخداع السياسي". لهذا "سن مؤخرا قوانين تشجع على "تزوير الانتخابات"، وخلق هيئة لمراقبتها على مقاسه، ومنح الجهاز السياسي الإداري كامل الصلاحية من أجل الإعداد وتنظيم الانتخابات المقبلة. إذن، لم يتغير أي شيء".
وأكد بن فليس أن النظام السياسي القائم هو من يحدد قواعد المنافسة الانتخابية، كما يحدد الشروط التي أريد لها أن تكون، إضافة إلى تحديد نسبة عدد المقاعد الخاصة بالمشاركين وفقا لمدى طاعتهم أو عصيانهم للنظام، على حد قوله.
وأوضح الأمين العام لحزب طلائع الحرية، أنه في ظل الوضع الحالي، تجد أحزاب المعارضة نفسها أمام مأزق كبير. "ففيما يخص حزبنا، اخترنا أن نعالج هذا المأزق ديمقراطيا، ومن هذا المنطلق، بدأت عملية مشاورات واسعة مع الهياكل المحلية للحزب بشأن المشاركة أو عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة. وبعد هذه العملية، سوف تجتمع لجنة الحزب المركزية في 7 كانون الثاني/ يناير المقبل، لتقرر موقف الحزب".
وعن سؤاله حول طرق محاربة التزوير الانتخابي، قال بن فليس إن توحيد الحقل الانتخابي في متناول اليد، "يمكننا أن نتعلم مما حدث في البلدان الأخرى، بما في ذلك جيراننا، لإعطاء العمليات الانتخابية الصدق والإخلاص والشفافية التي تحتاج إليها".
وأضاف: "إن التحدي الآن هو إنهاء قبضة الجهاز السياسي- الإداري على إعداد وتنظيم ومراقبة الانتخابات. الجميع يعرف واقع الانتخابات في بلدنا، وهذا هو الواقع الذي يجب تغييره. لهذا، من الضروري إنشاء سلطة مستقلة وذات سيادة حقيقية يوكل إليها تحمل مسؤولية التحضير والتنظيم والتحكم في جميع العمليات الانتخابية. هذا ما تصر عليه المعارضة بشدة، لكن النظام السياسي القائم يرفضها، أيضا، بشدة".
وحول ما إذا كان هناك وسيلة لجعل الجزائر ديمقراطية بدستور مقبول من الجميع ومؤسسات قادرة على العمل خارج نطاق الأشخاص، قال بن فليس إن الانتقال من حكم استبدادي إلى سيادة القانون يتطلب أكثر من مجرد إصلاح الواجهة. فهو يتطلب منظورا جديدا على المواطنة وعلى السيادة الشعبية والحقوق والحريات، إضافة إلى شرعية ممارسة السلطة وتمثيلية المؤسسات وكذا شروط العمل الديمقراطي للدولة.
وأضاف: "المعارضة الوطنية، التي ننتمي إليها، تدعو إلى تغيير توافقي، تدريجيا وبشكل منظم وسلمي".
وتابع: "بالنسبة لي، الجزائر تواجه أزمة نظام حقيقية، بما تحمله الكلمة من معنى، سواء كانت سياسية أو دستورية أو مؤسساتية".
وأوضح أنه يقترح للخروج من أزمة النظام، إجراء انتخابات تحت إشراف هيئة مستقلة وذات سيادة، وأن يعهد إليها تنظيم العملية الانتخابية ومراقبتها، إضافة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع القوى السياسية التي ستنبثق من هذه الانتخابات؛ واعتماد ميثاق وطني للعملية الانتقالية لحمايتها من أي عثرات محتملة؛ ووضع دستور جديد من شأنه أن يكون الفعل المؤسس للديمقراطية وسيادة القانون.
وشدد على أن نظام بوتفليقة يواجه مطالب التغيير الديمقراطي باستراتيجية "الرفض والعمل على كسب الوقت"، الأمر الذي لن يدوم إلى أجل غير مسمى.
وأوضح أنه في حال رشحه حزبه للانتخابات الرئاسية المقبلة، فإن برنامجه السياسي سيتمحور حول "تحديث نظامنا السياسي، وتجديد نظامنا الاقتصادي، وإجراء إصلاحات اجتماعية عميقة من شأنها أن تؤدي بالمجتمع الجزائري إلى العيش في وئام مع نفسه وبيئته".
وتابع: "تحديث نظامنا السياسي، هذا يعني، بالنسبة لي، سيادة القانون بكل ما يعنيه ذلك. أما تجديد نظامنا الاقتصادي، فنقصد به إنهاء الدولة الريعية التي استطاعت تحويل المجتمع الجزائري إلى مجتمع ريعي. أما فيما يخص قيادة الإصلاحات الاجتماعية، فأعني به استعادة قيمة العمل والجهد، وجعل القيم الحقيقية للتضامن الوطني والعدالة الاجتماعية، ووضع حد للا منطقية وهيمنة القبلية في إدارة الدولة، وكذا محاربة الفساد والمفسدين في نهاية المطاف بلا هوادة".
ولفت إلى أن "التناقضات الاجتماعية، التي تجتازها بلادنا، هي مظاهر المجتمع الجزائري المضطرب الفاقد للقيم. هو (المجتمع) نتاج نظام سياسي قائم منذ فترة طويلة، يكرس بقاء السلطة في يد شخص واحد مدى الحياة، والعمل من خلال المحسوبية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. والنتيجة هي أن السلطة وعملاءها هم في ضفة واحدة وباقي المجتمع في الضفة الأخرى".
وحذر رئيس الوزراء السابق من أن هذا الانقسام "يتجه نحو التفاقم طالما مؤسساتنا منعدمة الشرعية، وتحاول أن تناضل من أجل تأسيس مصداقية وسط المجتمع". معربا عن ثقته "من أن علاج هذه التناقضات يكمن في تحديث نظامنا السياسي، الذي يمر حتما من خلال بناء دولة القانون".
وفيما يخص تجديد الاقتصاد الجزائري قال إنه "من الوهم أن نتحدث عن التجديد الاقتصادي في بلادنا دون تحديث نظامنا السياسي. لا يزال الاقتصاد الجزائري في طريق البناء، لأن الاقتصاد الحالي يعاني من صعوبات عدة، فهو مزيج من بقايا الاقتصاد الموجه القديم، والقطاع غير الرسمي المترامي الأطراف، والقطاع الخاضع للسيطرة المباشرة للسلطة القائمة والتي تسيره بشكل ريعي".
كما اعتبر أن "الاقتصاد الجزائري الحالي يلبس ثياب "المهرج"، فلا يوجد لديه اتساق ولا منطق ولا ديناميكية مفهومة يمكن التنبؤ بها". مشددا على أن "ما ينقصنا اليوم هو سلطة سياسية تكون لديها شجاعة سياسية لاتخاذ القرارات والقيادة".
الجزائر والمغرب
قال رئيس الوزراء الجزائري السابق، علي بن فليس إن العلاقة بين الجزائر والمغرب ليست بأفضل مما يجب عليها أن تكون.
وذلك لعدة أسباب أهمها قضية الصحراء المختلف حولها وكذا مسألة الحدود المغلقة منذ أكثر من عقدين من الزمن، مشيرا إلى أن وجود مثل هذه القضايا العالقة بين البلدين "مثير للقلق".
وأكد بن فليس أن ما يثير القلق أكثر هو غياب الحوار بين المغرب والجزائر، مشددا على أن البداية يجب أن تكون من خلال إقامة حوار بين البلدين المتوقف منذ سنوات.
ولفت بن فليس إلى أنه في حال أرسي حوار بين البلدين، فسيتيح ذلك المضي قدما نحو البحث عن حلول هادئة للنزاعات القائمة بين الجارين.
وتابع: "إضافة إلى إيجاد حل لقضية الصحراء، يبقى الرهان الأكبر هو الاندماج الإقليمي من خلال إعادة فتح ورش بناء المغرب الكبير".
يشار إلى أن بن فليس كان المنافس الأول للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة في انتخابات الرئاسة التي جرت يوم 17 نيسان / أبريل الماضي، وفاز فيها بوتفليقة بولاية رابعة بنسبة فاقت الـ80 بالمائة من الأصوات، وهي نتائج وصفها رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق بالمزورة.
وكان بن فليس، مسؤولا في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم الذي قاده مطلع العقد الماضي، حيث تولى رئاسة الحكومة من 2000 إلى 2003 خلال الولاية الرئاسية الأولى لبوتفليقة، الذي كان على علاقة وثيقة به قبل انفصالهما.
وبقي على رأس الحزب الحاكم وترشح في مواجهة بوتفليقة في الاقتراع الرئاسي في 2004، لكنه لم يحصل سوى على 6,42 % من الأصوات، واختفى من الحياة السياسية ليعود ويترشح مجددا في انتخابات الرئاسة العام 2014.