مقابلات

يحيى القزاز لـ"عربي21": أخطأ الإخوان بعدم مصارحة الشعب

قال القزاز إن السيسي لا يهمه سوى نفسه- أرشيفية
حمّل العضو السابق في حركتي "كفاية" و"9 مارس لاستقلال الجامعات المصرية، يحيى القزاز، النظام العسكري في مصر، مسؤولية الاختراق الذي تسبب في تفجير قلب الكنيسة البطرسية بمحيط الكاتدرائية المرقصية بالعباسية بالقاهرة، حيث المقر البابوي، الأسبوع الماضي.

ورأى أستاذ الجيولوجيا في جامعة حلوان بالقاهرة، في حوار خاص مع "عربي21"، أن مصر بعد "ثورتي" 25 يناير و30 يونيو لم تصل إلى كلمة "الثورة"، وإن ما شهدته هو فعل ثوري لم يكتمل. ووصف نظام السيسي بـ"الاستبدادي" و"الشمولي"، محذرا من حدوث انفجار يؤدي إلى ثورة؛ بسبب الاحتقان السياسي، والضغط المعيشي على الناس، وقال إن السيسي رجل انتحاري لا يعنيه من همّ الوطن سوى نفسه، كما قال.

وفيما يتعلق بالمصالحة بين جماعة الإخوان المسلمين ونظام السيسي، رأى أنها "حق يراد به باطل، ولا يمكن التصالح على حساب الوطن"، مطالبا الإخوان بـ"التصالح مع الشعب الذي منحهم صوته، ودعمهم للوصول إلى سد الحكم، ولم يكونوا على قدر المسؤولية"، على حد تعبيره.

وحمّل القزاز نظام السيسي مسؤولية إهدار 90 مليار دولار حصل عليها من الخليج والدول والمؤسسات المانحة. وأرجع توتر العلاقات بين مصر والسعودية إلى أنها لم تكن في يوم من الأيام على أرض صلبة، ولم تكن علاقات دول بقدر ما كانت علاقات أنظمة تحكمها المصالح الذاتية.

وفيما يلي نص الحوار:

القصور الأمني والحكم الفاشي

* من يتحمل المسؤولية في حادث التفجير بالكنيسة البطرسية؟

- في ظل النظم الشمولية والاستبدادية، وغياب المعلومات والوضوح، وتعرض البلاد لهجمات إرهابية، وعدم معرفة الجاني الحقيقي من قبل السلطات.. كل هذا يؤكد أننا أمام خلل أمني واضح غير معروف المعالم. فإذا لم يكن هناك خلل أمني، فماذا يكون؟ فهل يمكن أن يكون جني قد اخترق أسوار وجدران الكنيسة المحصنة؟ أو أن يكون قد حدث تنويم مغنطيسي لحراس الكنيسة؟ أعتقد أننا أمام لغز يؤكد بلا جدال أن هناك اختراقا وتقصيرا أمنيا، في ظل غياب المعلومة تصبح جميع التكهنات واردة.

* كيف تقيّم حرية التعبير في مصر وما تعرضت له نقابة الصحفيين ونقيبها؟

- اقتحام نقابة الصحفيين، وإصدار حكم بحبس نقيب الصحفيين، يعبر بلا شك عن ضيق أفق وضيق صدر النظام الحاكم بالنقد، وتعبير عن نظام مهزوم يعاني من الشلل النصفي؛ لأنه لا يوجد في مجتمع ديمقراطي أو شبه ديمقراطي حكم بحبس نقيب الصحفيين. أعتقد أنها رسالة سلبية للمجتمع تؤكد ديكتاتورية النظام القائم، أضف إلى ذلك تصريح المدعو الرئيس عبدالفتاح السيسي عندما صرّح واستبق الأحداث، وقال إن تهمة النقيب جنائية، وليست سياسية. ولا يجوز أن يكون رئيسا لجميع المصريين وينصب نفسه قاضيا، ويصدر حكما، ولكن هذا النظام لا يفرق بين حكم شعب وحكم كتيبة عسكرية.

الثورة لم تكتمل والمصالحة وهم

* هل مصر بحاجة إلى ثورة أخرى؟

- الثورة تبدأ بفعل انقلابي غير شرعي ضد القانون، هذا الفعل متى وضحت رؤيته واستكمل أدواته نحو طريق التغيير المنشود، وقام بتغيير النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تحوّل هذا الفعل الانقلابي ضد القانون إلى ثورة. ونحن حتى هذه اللحظة لم نصل إلى كلمة الثورة، ولكن صار لنا فعل ثوري. فالثورة لم تكتمل في 25 يناير أو في 30 يونيو، وهما ثورتان منقوصتان. فثورة 25 يناير أزاحت حكم مبارك وجاءت بنظام الإخوان المنتخب، لكنه لم يستطع أن يغير النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وقامت ثورة 30 يونيو على حكم الإخوان بمساندة الجيش لتصحيح المسار، ولكن اكتشفنا للأسف أن المدعو الرئيس السيسي تنكر لثورة 30 يونيو، وصار يحكم منفردا ومستبدا، وجعل المؤسسة العسكرية تتغوّل على المؤسسات المدنية، ومن هنا أستطيع أن أقول بكل أمانة إن ما حدث هو انقلاب على ثورة 30 يونيو وعلى دستورها، ونحن في هذه الحالة نعيش حالة الانقلاب بقيادة السيسي.

* البعض طرح فكرة المصالحة بين جماعة الإخوان ونظام السيسي، فكيف تراها؟

- المصالحة لا تتم إلا بين غريمين، والغريمان هنا هما المتصارعان على السلطة: نظام السيسي وجماعة الإخوان. فإذا كان يحق لهما أن يصطلحا، فعلى ماذا يصطلحا؟ فالوطن ليس كعكة لتقاسمها.

موضوع المصالحة حق يراد به باطل، وعلى الإخوان أن يتصالحوا مع الشعب قبل السلطة، (فالشعب) منحهم صوته، ووقف وراءهم، وأوصلهم للسلطة بطريق ديمقراطي، وهم لم يحسنوا التعامل ولا الإدارة وتنكروا للشعب. كان عليهم أن يلجأوا للشعب عندما رأوا مؤسسات الدولة آنذاك، أثناء حكمهم، لا تتجاوب معهم، وأن يصارحوه بأن مؤسسات الدولة السيادية تقف ضدهم، لكنهم بدلا من ذلك قرروا أن يتغزّلوا فيها ويتواطؤوا معها ضد الشعب؛ ليتمكنوا من الاستمرار في السلطة.

* إذا اندلعت ثورة، فمع من سوف يقف الجيش في مصر؟

- أعتقد أن مصر مرشحة لانفجار سيؤدي إلى ثورة؛ بحكم الاحتقان والضغط المعيشي على الناس، لكن هذا الانفجار لن يمر بهدوء؛ لأن هناك أطرافا قوية، وأطرافا ضعيفة، والطرف القوي هنا هو الجيش المتحكم، ولن يسلّم بسهولة. في هذه الحالة قد تدخل جماعة الإخوان، بما لها من ثقل ونفوذ دولي لحد ما، على الخط بمساعدة بعض الدول، ونصل إلى موضوع أشبه بما يحدث في العراق. وليس ببعيد أن تتدخل أمريكا في تلك اللحظات للتوصل إلى ترضية سياسية، أو يتفق أحدهما مع طرف خارجي ضد الآخر ويحكم، ومن هنا يبدأ قسمة المجتمع التي بدأت بالفعل بعد إزاحة الإخوان من المشهد.

* كيف سينعكس التوتر بين مصر والسعودية على العلاقات بين البلدين؟

- العلاقة بين مصر وآل سعود لم تكن علاقة ود حقيقي؛ بقدر ما كانت علاقة تحكمها المصلحة والحاجة إلى العمالة المصرية، ولكن كان هناك صراع داخلي مُضمر بين الطرفين.

في الفترة الأخيرة، ومع ضعف النظام المصري سياسيا واقتصاديا، وضعف الرئيس الحاكم، تم منحه بعضا من المال؛ لتستحوذ السعودية على تيران وصنافير، وزعامة المنطقة، لكن عندما انتفض المصريون ضد هذا الأمر، بدأ المدعو الرئيس السيسي، الذي أخذ الأموال، في التسويف، ومن هنا ظهر الخلاف. وإذا اختلف اللصان ظهرت الحقيقة.

رشى سياسية

* إلى أين يمضي الوضع الاقتصادي في مصر، رغم المساعدات؟

- دعنا نفرق بين الوضع الاقتصادي والمالي. فالوضع المالي، حتى وإن كان ضعيفا، لا يمثل خطرا على الدولة. ولكن الخطر في الضعف الاقتصادي، فالاقتصاد في تعريفه البسيط هو القدرة على الإنتاج والتصدير، فإذا كان لديك مال ولا يوجد لديك اقتصاد فسوف ينفد هذا المال.

والوضع الحالي للأسف الشديد لا قدرة مالية ولا قوة اقتصادية، وبالرغم من حصول النظام على 90 مليار دولار من هنا وهناك، لم نشاهد إصلاحا اقتصاديا حقيقيا، وبدد الأموال في رشى لدول خارجية لكي تدعم سياسة المستبد السيسي، من خلال أوامر شراء لمعدات عسكرية وغيرها، نحن لسنا بحاجة لها الآن.

السيسي يضع البلاد في طريق الانهيار، هو أشبه بوضع مصر في عهد الخديوي إسماعيل، الذي اهتم بالمظاهر، وأنشأ قناة السويس، ومن ثم رهنها، وذهبت البلاد مع الريح.. وما يحدث هو توريط مصر في الديون، وهذه السلطة تسعى لفعل ذلك حتى إن جاء أحد بعدها فلن يستطع أن يصنع شيئا.

* من يحكم مصر؟

- رجال مبارك هم الذين يتحكمون في مفاصل الدولة، وهي تدار بالطبعة الثالثة من نظام مبارك؛ لأن مصر كانت أيام مبارك دولة، سواء اتفقنا أو اختلفنا معه، وكانت هناك دولة ولها هيبتها. وكانت مصر محل احترام، ولكن مصر الآن صارت ملطشة للجميع، فعلا الرجل المدعو الرئيس السيسي قال إن مصر باتت شبه دولة؛ لأن الدولة تكون دولة برئيسها وشبه دولة بشبه الرئيس.

* كيف ترى دور الأحزاب السياسة في مصر؟

- نحن أمام حكم غير وطني، وأمام أحزاب انتهازية لا تؤدي دورها الوطني، لا تعارض ولا تنافس على السلطة والحكم، إنما تجري وتلهث كي تلحق بركب السلطة وذيلها، ولا تخجل من أن تقول إنها تدعم السلطة، وهي بلا شك جزء من النظام الحالي، وتساعده على الاستبداد.