كتاب عربي 21

الترتيبات المالية للعام 2017 والأزمة الاقتصادية الطاحنة

1300x600
بيان مقتضب صادر عن المجلس الرئاسي تضمن تأكيدات بإقرار ميزانية العام 2017، وسماها ترتيبات مالية للعام الجديد، وقد بلغ إجماليها 37.6 مليار دينار ليبي تقريبا أي ما يعادل 27 مليار دولار أمريكي وفقا لسعر الصرف الرسمي، وبتراجع يصل إلى نحو 35-40% عن ميزانيات الأعوام 2012، 2013، 2014.

استخدام اصطلاح الترتيبات المالية، وليس الميزانية، العامة له دلالاته، إذ لا يمكن لسلطة تنفيذية أن تقترح وتعتمد ميزانية عامة وتحيلها للمصرف المركزي مباشرة للتنفيذ دون تصديق الجهاز التشريعي. 
الاتفاق السياسي مهد لهذا الوضع، غير أن البرلمان يصر على أن يكون برلمانا كامل الصلاحيات خلافا للاتفاق السياسي، لذا تعلو أصوات الاحتجاجات في طبرق. فأن يتفرد الرئاسي بإدارة المال العام ويتحكم في الانفاق الحكومي دون أدنى تأثير للبرلمان، فهي قاسمة الظهر، فمن يملك الجباية والانفاق هو الأعلى سلطة.

أما فيما يتعلق بمخصصات الترتيبات المالية أو الميزانية الجديدة، فبند المرتبات البالغ 20 مليار دينار متطابق مع آخر التقديرات بعد كشف الازدواجية في المرتبات والتي بلغت نحو 5 مليار دينار ليبي بميزانية عام 2015، إلا أن الدعم أقل بكثير بنحو النصف أو شيء قريب من ذلك وفق بيانات آخر ميزانية لحكومة الإنقاذ وتم الصرف على أساسها من قبل المصرف المركزي.

التحدي يكمن في بنود الباب الرابع أو ما يعرف بميزانية التنمية والذي خُصص له 4 مليارات دينار، على أن يذهب نصفها لقطاعي النفط والغاز والكهرباء. ومن المعلوم أن النفط والغاز شهدا توقفات عديدة الأمر الذي يترتب عليه عمليات صيانة وترميم كبيرة، فضلا عن التدمير الذي لحق بعض المنشآت جراء الاشتباكات المتكررة. وإذا أضفنا إليها المشاكل الكبيرة لقطاع الكهرباء والعجز الذي يتجاوز الألف ميغا وات، فإن المخصصات المقررة لن تفي بالغرض وستطلب معالجة اختناقات قطاعي النفط والكهرباء إنفاقا استثماريا يتخطى المرصود في الترتيبات المالية للعام 2017.

بالطبع سيرد في ذهن المواطن البسيط سؤال: هل ستخفف الترتيبات المالية من الأزمة الراهنة؟ والحقيقة أن التريبات المالية لا تتضمن ما يشير إلى تركيز واضح لمجابهة التحديات الاقتصادية الراهنة وفي مقدمتها أزمة الدينار الليبي والاسعار الجنونية. فالمخصصات التي تضمنتها الترتيبات المالية محددة وأوجه صرفها معلومة، ولا تعكس التريبات المالية المشار إليها، علىى سبيل المثال، سياسة مالية لمجابهة الشح في العملات الصعبة والذي رتب زيادة كبيرة في الطلب عليها مقابل عرض محدود جدا الأمر الذي دفع بأسعارها إلى صعود غير مسبوق خلال العقود الماضية.

بالقطع مخصصات الدعم تشمل الانفاق على السلع الاستهلاكية الأساسية، مما يعني أنه ستكون هناك مخصصات واعتمادات لتوفيرها، وينطبق هذا أيضا على مخصصات التسيير والتنمية، لكن تظل العملية مرتبطة بقدرة المصرف المركزي على توفير النقد الأجنبي لمقابلة هذه النفقات الكبيرة نسبيا، فاحتياطيات النقد الأجنبي في مستوى متدتي جدا، وعوائد النفط ماتزال منخفضة، ولم يمضِ على استئناف تصدير النفط في الشرق الليبي الا أشهر، وبرغم الإعلان عن عودة ضخ النفط من حقلي الشرارة والفيل جنوب غرب العاصمة طرابلس، إلا إن آخر إعلانات المؤسسة الوطنية للنفط تؤكد أن التصدير ما يزال في حدود 600 ألف برميل فقط، ومعظمها أو كلها من إنتاج حقول الشرق ووسط البلاد.  

ينبغي القول أن الإضافة التي قد تدفع ببعض الحياة في أوعية الاقتصاد الوطني هي العشرة مليارات المتعلقة بالبندين الثالث والرابع، إذ ظل الصرف على هذين البندين شبه متوقف لما يزيد عن عامين، إلا في إطار محدود، غير أن الوضع السياسي الهش والأمني المنفلت يشكل بيئة خصبة للفساد قد يحرم الاقتصاد من الدفعة التي يحتاجها في ظل الركود بل الجمود الذي أصابه.

والخلاصة أن الترتيبات المالية تحتاج أن تُقْرن بحزمة من الإجراءات لتحسين وضع الدينار الليبي ومعالجة مشكلة النقص الشديد في السيولة، وتتطلب أيضا درجة من الاستقرار السياسي والأمني والضبط المؤسساتي لتؤتي أكلها، ومن دون هذه الإجراءات فإن أثر التريبات المالية المعلن عنها سيكون محدودا وربما محدودا جدا.