قضايا وآراء

الشيخ الغزالي وجماعة الإخوان!

1300x600
ذكر الأخ الكبير الدكتور محمود حسين في حواره الأخير بعض معلومات لا تتسم بالدقة التاريخية في تاريخ الجماعة، وأخص بالذكر هنا كلامه عن الشيخ الغزالي وبعض أعضاء الهيئة التأسيسية للجماعة، فقد قال: إن الغزالي رجع للجماعة بعد فصله، ولكن اشترط عليه أن يعود للصف دون تصدر، وأن عددا من الهيئة التأسيسية ترك الجماعة، أو فصل منها.

والثابت تاريخيا في مسيرة تنظيم الإخوان أن الغزالي لم يعد مطلقا لجماعة الإخوان، لا فردا، ولا مسؤولا، ولا عالما، ولم يخرج من تنظيم الإخوان عالم أو سياسي واحد عاد إليه، هذا مثبت تاريخيا، بداية من الغزالي وسيد سابق وانتهاء بصلاح أبو إسماعيل والقرضاوي - مع حفظ ألقابهم جميعا - وذلك لسبب بسيط، أن من انطلق للأمة وصار رمزا لها، لا يقزم دوره وعلمه، ليكون رمزا لتنظيم، لا يقدر بعض قياداته العلم والعلماء وخاصة الأزهريين. هناك عودة لبعض الأفراد غير المعروفين، أما الحالة الوحيدة المثبتة لأحد المشاهير فهي للأستاذ صالح عشماوي فقط، ووضع هو شروط عودته على نفسه.

فالواقع ينفي ما ذكره محمود حسين، بل العكس هو ما حدث، فقد خرج تنظيم الإخوان من السجون دون ظهير شعبي، فقيرا من أي سند يقدمه للمجتمع، بل خرجوا لا يعرفون المجتمع ولا خريطته، وهو أمر طبيعي لمن غيبته سجون الظلم والبغي خلف القضبان، فكان هؤلاء الذين تركوا التنظيم من علمائه، خير ظهير للجماعة، فجادوا على التنظيم بعلمهم، وسمعتهم، وشهرتهم، واحتمى بهم التنظيم، وفعلوا ذلك وفاء منهم لأستاذهم الإمام البنا، وللدعوة الإسلامية، فكان هؤلاء العلماء وغيرهم هم الرافد الفكري والشعبي للإخوان، كل ذلك دون عودة للتنظيم.

والخلط الذي يحدث عن الغزالي منشؤه الخلاف الذي دار بينه وبين الأستاذ حسن الهضيبي المرشد الثاني للإخوان، فقد حدثت ضبابية في المواقف، وحدث ما أدى إلى فصل الغزالي من الجماعة، بعدها قرر أن يمضي في طريقه للدعوة، لكن لم يترك الغزالي في طريقه يعمل فقد ناوشه البعض، وهاجمه البعض الآخر، وهو صاحب قلم، وأسلوب لاذع، فكتب كلاما قاسيا وشديدا على الهضيبي، وهذا وصف الغزالي نفسه لكلامه، ثم بعد فترة عاد إلى نفسه وكتب كلاما آخر يعتذر فيه للهضيبي عما بدر منه تجاهه، وكتب ذلك كله في كتابه: (من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث)، ولما خرج الهضيبي من السجن ذهب إليه وزاره وصفى ما بينهما من شحناء وخلاف، وكذلك زار الأستاذ سيد قطب بعد خروجه قبل سجنه الأخير الذي شنق فيه شهيدا، وقد كان بينهما خلاف أيضا.

فالغزالي رحمه الله لم يعتقل في محنة 1954م لأنه لم يكن في تنظيم الإخوان، وكذلك في محنة 1965م فقط اعتقل ليومين أو ثلاثة، وليس لأنه من الإخوان، بل لأنه طلب منه أن يتكلم في الإذاعة ويسب الإخوان، فرفض، فلما أرادوا استفزازه وقالوا له: لقد فصلوك، فقال رحمه الله: إذا استقووا علي في وقت ضعفي، فلن أستقوي عليهم في وقت ضعفهم، ليس من خلقي أن أجهز على جريح. وما يثبت عدم عودته مطلقا للتنظيم هو كتابه (قذائف الحق) والذي ألفه سنة 1970م، وفيه يتكلم عن فصله من الجماعة وعدم عودته لها، ثم بعد ذلك عندما طلب الإخوان بعد وفاة الهضيبي أن يتولى القرضاوي مهمة المرشد فاعتذر ورشح لهم الغزالي، فاعتذروا بما كان من الغزالي. 

ثم جاء الأستاذ عمر التلمساني، وكان رجلا لطيفا هادئا يميل للاستفادة من كل الطاقات، ولا يعمل بمعايير التنظيم الضيقة، فطلب الاستفادة من الغزالي، وهذا ما نشره الغزالي في بيان في مجلة الاعتصام في نهاية السبعينيات، أنه كان في الإخوان ثم خرج، ولما خرج الهضيبي تعاون معه للعمل للإسلام، وكذلك التلمساني، هكذا كتب الغزالي بيانه بصيغة واضحة، وكان ينشر مقالات في مجلة (الدعوة)، وقد كتب مقالا عن التعددية الحزبية، ولم يكن موقف الإخوان قد تغير بعد، فكان مقال الغزالي عن تأييد التعددية الحزبية، فلم ينشروا مقاله، فاعترض، وقال: تمنعون مقالا لي من النشر؟! هذا فراق بيني وبين النشر في المجلة، ولم ينشر بعدها. هذا مجمل تاريخ الغزالي مع التنظيم مختصرا، ولكنه واضح أنه لم يعد مطلقا للتنظيم.

أما من خرجوا من الهيئة التأسيسية، فظروف موقفهم هو نفس ما تعيشه بعض قيادات الجماعة الآن من تخبط، واختطاف لها، ولقراراتها ومؤسساتها، وهو ما قاله لي أحدهم وهو المرحوم العلامة الشيخ عبد المعز عبد الستار، الذي قال: كنا نتفق على قرارات فنفاجأ بمخالفتها من مجموعة معينة قامت بإخفاء المرشد في مكان غير معلوم، ثم قال بلغة متحسرة: لقد أرادوا أن يجعلونا مجموعة من (الجرادل) فرفضنا أن نستمر في هذه المهزلة. وهو نفس ما قاله شهود عن هذه المرحلة، مثل: أبو المكارم عبد الحي، وغيره، وهو ما يستدعي التأمل، إذ تتكرر المأساة نفسها مع العسكر، بنفس الطريقة من بعض قيادات الجماعة في إدارة الأزمة، دون استفادة من محن الماضي.

هذه ملاحظة تاريخية وددت بها تصويب ما ذكره حولها الأخ الكبير الدكتور محمود حسين، وله عذره، فالرجل ليس معنيا ولا مختصا بتاريخ الجماعة، وهو تاريخ لا يلم به الكثير من الإخوان نظرا لاتساعه وكثرة رواياته وكتبه.