اقتصاد عربي

احتياطيات مصر من الذهب.. هل تنقذ المصريين من الفقر؟

تشكيك ومخاوف تجاه القيمة الحقيقية للذهب المستخرج (تعبيرية)
أعلنت مصر رسميا، الخميس الماضي، عن امتلاكها احتياطيات ذهب في منجم السكري بالصحراء الشرقية، تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.


وبحسب الأرقام الرسمية، يبلغ حجم هذه الاحتياطيات 14.5 مليون أوقية، وتقدر طبقا لأسعار الذهب الحالية بـ20 مليار دولار أمريكي، (350 مليار جنيه مصري تقريبا)، وهو مرشح لأن يحتل مرتبة بين أكبر 10 مناجم ذهب على مستوى العالم.


ويقع المنجم في منطقة جبل السكري الواقعة في صحراء النوبة، وهي جزء من الصحراء الشرقية، على بعد 30 كم جنوب منطقة مرسى علم، بمحافظة البحر الأحمر.


وتستغلّ المنجم حاليا "شركة السكري" التي تأسست في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك عام 2010، وتتقاسم أسهمها وزارة البترول المصرية وشركة "سنتامين مصر" الأسترالية التي يملكها رجل الأعمال المصري سامي الراجحي.


وإثر إعلان وزير البترول طارق الملا عن ذلك الكشف، أكد محللون أن تلك الاحتياطيات لن تغير شيئا من واقع المصريين الذين يعيش أكثر من 30 في المئة منهم تحت خط الفقر، وأنها ستضيع كغيرها من ثروات مصر، معتبرين أن الإعلان عن تلك الاحتياطيات هي للدعاية، وضمن المشروعات والإنجازات "الوهمية" التي يروج لها النظام.


دعاية الوهم


واستبعد الاستشاري الهندسي، ممدوح حمزة، أن يستفيد المصريون من "ذهب السكري"، مؤكدا أن المنجم تتم "سرقته" منذ افتتاحه عام 2010، دون أن يذكر الجهة التي تقوم بذلك، ولا الكميات المسروقة.
وقال حمزة  لـ"عربي21": "لو أن هناك أية فائدة مرجوة للمصريين لتراجع سعر الدولار والذهب بمجرد الإعلان عن الاحتياطيات الجديدة"، مؤكدا أن "التغيير الحقيقي لن يتم إلا بنظام يحمي ثروات الشعب ومقدراته، ولا يرغب في تضليله وإيهامه بالمستقبل السعيد لمد فترة حكمه فقط، وفق قوله.

وطالب حمزة "النظام الحاكم بالإعلان عن قيمة إيرادات المنجم التي دخلت خزانة وزارة المالية، والكميات التي تم إنتاجها وتم بيعها منذ ثورة يناير 2011، حتى اليوم".

وكان رئيس الشركة المشغلة لمنجم السكري، علي بركات، قد قال في تصريح صحفي السبت، إن الشركة أنتجت 83 طنا من الذهب بقيمة 2.7 مليار دولار منذ كانون الثاني/ يناير 2010.

حقائق غائبة

لكن حمزة شكك في حقيقة ما يتم الإعلان عنه رسميا حول إنتاج الذهب، مشيرا إلى أن "هناك خاما يتم إنتاجه ولا يتم الإعلان عنه"، ودعا "النظام للكشف عن حقيقة ما يتم تسفيره إلى كندا لعمليات المعالجة، والكشف عن حقيقة ما يتم استعادته مرة أخرى"، متسائلا: "لماذا لا تقوم مصر بعملية تنقية الذهب بنفسها كما يصنع السودان؟".

ويتم تصدير 400 كيلوجرام من الذهب أسبوعيا من المنجم، وذلك بعد تنقيته بمعامل استخلاص في كندا، فيما يبلغ متوسط سعر البيع للأوقية نحو 1200 دولار، شاملة مصروفات التشغيل والإنتاج، بحسب علي بركات.

ووصف حمزة من يقومون بعقد الاتفاقيات بـ"الخونة الذين لا يراعون مصالح الشعب"، واعتبر أن مصير هذه الاحتياطيات المعلن عنها من الذهب كمصير سابقاتها من موارد الدولة، مشيرا لاتفاقيات بيع الغاز والبترول بمبالغ زهيدة في عهد مبارك.

 ورأى أن "ما يروج حول منجم السكري لن يختلف عن غيره من مشروعات دعائية لم تحقق للشعب أية فائدة، ولم يقصد بها سوى تخدير الشعب وإحداث الفرقعة الإعلامية"، متحدثا عن "فشل" مشروعات مثل قناة السويس والمنطقة الاقتصادية فيها، والعاصمة الإدارية الجديدة، ومشروع المليون ونصف فدان في تحقيق أهدافها، كما قال.

نهب منظم

من جهته، يرى الكاتب الصحفي أحمد إبراهيم، أن الإعلان عن تلك الاحتياطيات يعد ردا على عبد الفتاح السيسي بـ"أننا المصريون فقرا أوي ومفيش ومعنديش، في إشارة إلى مقولات يرددها السيسي.

وشكك إبراهيم، عبر صفحته على فيسبوك، في مصير تلك الاحتياطيات، مؤكدا أن "المنجم يتعرض لعملية نهب منظمة، وتذهب 80 في المئة من أرباحه إلى كروش شركات التنقيب وجنرالات السمسرة"، حسب قوله.

من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، جهاد محمد، إنه "في ظل غياب الحريات والشفافية، وانتشار الفساد، وسيطرة مؤسسة من مؤسسات الدولة (الجيش) على كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، فلن يستفيد منه الشعب المصري بل كبار رجال هذه المؤسسة فقط"، حسب قوله.

تحل أزمة النقد

وقال رئيس حزب الجيل، ناجي الشهابي، إن "هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها مسؤول على مستوى رفيع ما نمتلكه من احتياطيات ذهب منجم السكرى"، لكن رأى أن ما تم إعلانه يعد متواضعا بالمقارنة بتاريخ استخراج الذهب في مصر الفرعونية، مشيرا إلى أن مصر تمتلك كميات أكبر بكثير من المعلنة.

وعرضت مصر في 15 كانون الثاني/ يناير الماضي، مناقصات للتنقيب عن الذهب في خمس مناطق بسيناء وفي الصحراء الشرقية.

وأكد الشهابي، في حديث لـ"عربي21"، أن هذه الاحتياطيات قد تساهم فى رفع احتياطي مصر النقدي، وتأمين احتياجات البلاد الرئيسية، ولكنها لن تخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية الكبيرة التي تحتاج إلى تغيير جذري في السياسات الحالية.

وأضاف الشهابي أن "ما يثار من حديث عن سماسرة وعمولات وعمليات مشبوهة في ملف منجم السكري، تبقى حديثا وشائعات لم يتم التأكد منها، وخاصة أن الشركة المسؤولة عن التنقيب مشتركة بين الدولة والشركة الأسترالية باتفاق واضح ومحدد"، كما قال.

وحول نسبة مصر، التي وصفها الخبراء بالبسيطة مقابل ما تحصل عليه الشركة، قال الشهابي: "الاتفاق بين الشركة الأسترالية وهيئة الثروة المعدنية؛ هو تقاسم الإيرادات مناصفة بعد خصم تكلفة الاستخراج التي يتحملها الشريك الأجنبي"، مشيرا إلى أن "حساب تكلفة الاستخراج قد يكون مبالغا فيه، وبالتالي تكون القيمة المتبقية التي توزع مناصفة بين الشريكين ليست كبيرة"، وفق تقديره.