أفكَار

أي مراجعات فكرية يحتاجها الإسلاميون؟

شكلت الثورات العربية فرصة للإسلاميين للمشاركة بالعملية السياسية والفوز فيها - أرشيفية
أدى انقلاب الثالث من تموز/ يوليو عام 2013 في مصر إلى إسقاط أول رئيس مدني منتخب ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وهو الرئيس محمد مرسي، وقد أحدث هذا الانقلاب صدمة في أوساط الإسلاميين، ورأوا فيه إجهاضا لحلم يسكنهم منذ أكثر من ثمانين عاما.

أجواء ما بعد الانقلاب دفعت إلى ظهور أصوات في الحركة الإسلامية تدعو إلى إجراء مراجعات فكرية وسياسية، وتصحيح التصورات التي تسببت في إخفاق التجربة السياسية للإسلاميين. ووفق هذه الأصوات، فإن المراجعات ينبغي أن تشمل "الرؤى الفقهية والمفاهيم الفكرية والأنظمة التربوية".

العقل الفلسفي

وفي هذا السياق، يلفت الكاتب والباحث اليمني، عصام القيسي، إلى أن الحركات الإسلامية المعاصرة جاءت استجابة لسقوط الخلافة الإسلامية لا لسقوط الحضارة الإسلامية نفسها، "وهذا ما جعل أولوياتها حركية لا فكرية أو ثقافية، وأوجد تصورا لدى الإسلاميين أن مشكلة المجتمعات الإسلامية في غياب الخلافة لا في غيبوية العقل الإسلامي"، كما يقول.

وفي رده على سؤال لـ"عربي21" عن أهم المراجعات الواجبة اليوم للجماعات الإسلامية، قال القيسي: "إن هناك غيبة واضحة لسلطة العقل في الحركة الإسلامية"، مضيفا: "أدى غياب العقل الفلسفي في الأوساط الإسلامية إلى قصور كبير في ملكات الجماعة وأفرادها، وقصور في تصور المفاهيم الكلية، وفي تحليل المفاهيم الجزئية. والجماعات التي لا تمتلك هذا المستوى من العقل تحكم على نفسها بالبقاء في حركة دائرية لا تؤدي إلى المستقبل"، بحسب القيسي.

مراجعات تربوية

من جانبه، يرى النائب عن حركة "حماس"، يحيى موسى، أن العالم في تغير دائم ومستمر، وهو ما يحتم عملية مراجعة شاملة. وقال: "مفاهيم الحركة الإسلامية يجب أن تتجدد باستمرار مع تجدد البيئات السياسية والاجتماعية والثقافية".

وأضاف لـ"عربي21": "منظومة التربية في الحركة الإسلامية منظومة قديمة، كانت صالحة في زمان سابق، لكن ثورة التواصل الاجتماعي اليوم، والطوفان المعرفي الذي دخل كل بيت، يفرضان أسئلة حول صلاحية الوسائل القديمة، مثل تنظيم الأسرة والمناهج التربوية، وهل لا تزال قادرة على تحقيق المراد منها".

ودعا موسى إلى الفصل بين التربوي والإداري والتنظيمي في الحركة الإسلامية، "فالتربية ينبغي أن تكون وحدة داخل التنظيم، دون أن تلزم كل الناس بجلسات التحفيظ والمذاكرة، بينما الحلقة الإدارية تحتاج إطارا إداريا مرنا"، كما يقول.

وأضاف موسى أن الحركة الإسلامية تحتاج إلى تطوير الفكر النقابي وتحريره من الاعتبارات السياسية والحزبية. وقال: "النقابة توجد من أجل تحسين حياة الموظف وتقديم الخدمات له من خلال دينامية العلاقة بين رب العمل والعامل". ورأى أن "طغيان العمل السياسي على النقابي يؤدي إلى التضحية بمصلحة العامل من أجل الولاءات والانتماءات السياسية"، وفق تقديره.

وعن أشكال المراجعات الأخرى التي يحتاجها الإسلاميون، ينبه موسى إلى "ضرورة دمقرطة التنظيم، واعتماد آليات انتخابية تقوم على التكافؤ وإتاحة الفرصة لجميع أعضاء التنظيم للانتخاب والترشح، وإتاحة الأجواء للتنافس بين البرامج وليس بين الأشخاص". كما شدد موسى على ضرورة "تعزيز الانفتاح بين التنظيم والمجتمع، وقياس الأمور وفق مصالح الناس لا مصالح التنظيم الخاصة"، وفق قوله.

رؤية فقهية

أما ‏أستاذ أصول الفقه في ‏الجامعة الإسلامية بغزة، تيسير إبراهيم، فيؤكد إن "الإسلاميين بحاجة للإعلان عن موقف نهائي واضح لا يلتبسه غموض من الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، والمشاركة السياسية".

وأضاف لـ"عربي21": "الإسلاميون بحاجة إلى مراجعة الأصول المعرفية المنتجة لظاهرة العنف وتحليلها، حيث لم يستطع الإسلاميون حتى اللحظة تقديم رؤية تفكيكية لظاهرة العنف الإسلامي، وما يُقدم يقف عند حدّ وصف الظاهرة"، وفق تقديره.

ويرى تيسير إبراهيم أنه "لا يزال الإسلاميون لا يسجلون موقفا يزيل خشية الآخرين منهم في عدد من القضايا الخطيرة، مثل السلام العالمي، والموقف من العلاقة مع الآخر، والموقف من جهاد الطلب في العصر الحديث، وكذلك قضية السلم المحلي وانتهاج العنف كوسيلة للتغيير".

وفي الاتجاه ذاته، يرى الباحث والأكاديمي المصري، جاسر عودة، أن من إشكالات الفكر الإسلامي التعرض لقضايا السياسة الاجتهادية بالأحكام الشرعية، من حرمة أو وجوب، وهو ما يحمل الدين ما ليس منه.

ويدعو عودة إلى تطوير الفكر الإسلامي من "الحلال والحرام" إلى "المصلحة والمفسدة، أو الصواب والخطأ"، معتبرا أن "أعمال مثل إنشاء حزب، أو الاشتراك في تظاهرة، أو التصويت لصالح مرشح معين، أو التوقيع على بيان معين، هي أعمال تقديرية لا يصح أن يُفتي المفتون فيها بالوجوب أو الحرمة"، كما يقول.

ويوضح عودة أن الأصل في القضايا السياسية هو العودة إلى الأصول والمقاصد الكلية الإسلامية، ومراعاة الواقع الزماني والمكاني والسياق الاجتماعي والسياسي.

ويضرب عودة مثالا على ذلك بالفتوى القائلة إن الشورى معلمة وليست ملزمة للحاكم، ويقول: "إن الواقع السياسي المعاصر ونظم الدول لا يحتمل أن تكون الشورى مندوبا من المندوبات، ولا واجبا من الواجبات فقط، وإنما أن يكون مبدأ الشورى والمشاركة السياسية والتوافق المجتمعي أساس النظام في الدولة"، على حد قوله.