كتاب عربي 21

طرابلس فوق صفيح ساخن

1300x600
طرابلس في وضع حرج اليوم وعلامة ذلك الغليان بين أطراف وقوى مسلحة بينها تنافس ويضعها في تناقض صارخ اختلاف في المواقف السياسية. فمما لاشك فيه أن المواجهات حول قصور الضيافة كانت بين مجموعة تدعم حكومة الانقاذ الوطني والتي استولت على تلك القصور عنوة منذ أشهر، وأخرى تدعم حكومة الوفاق التي تخطط لبسط نفوذها على العاصمة.

فالخلاف سياسي، لكن لا يخلو من دوافع تتعلق بالنفوذ، ويغذيه عامل جهوي كون أحد الفريقين ينتسب إلى مصراته، ولقد ظهر جليا من خطاب البعض في العاصمة أن البعد الجهوي كان حاضرا في النزاع.

مصادر متنوعة تحدثت عن ردود فعل لشباب ساند الكتائب المنتسبة للعاصمة في مواجهات الأحد الماضي على خليفة تجاوزات وانتهاكات تورط فيها مجموعة مسلحة أخرى من خارج طرابلس، وهو ما أجج الصراع في أحياء غرب العاصمة، وهي حي السياحية والاندلس وقرجي وغوط الشعال.

بعد يومين من الاشتباكات أعلنت الكتائب المهاجمة سيطرتها على الوضع في العاصمة، وأكدت مصادر في وزارة الداخلية أن التحرك العسكري كان شرعيا ورسميا، فيما اعتبرته بعض البيانات الأخرى تحرك غير مسؤول، وصدر عن قوة البنيان المرصوص والتي أشرفت على تحرير سرت من تنظيم الدولة عن استنكارها لما وقع وهددت بالتدخل إذ لم تتوقف الاشتباكات ويتراجع المهاجمين ويتم إطلاق الأسرى، لكنها تراجعت عن موقفها بعد اجتماع أهم المكونات الرسمية والاجتماعية والإعلان عن اتفاق حول الأزمة.

الاتفاق، الذي شهده المجلس الرئاسي ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية والحرس الرئاسي وبعض عمداء البلديات وممثلي بعض مجالس الحكماء والأعيان، نص على تسليم المقار التي وقعت المواجهات حولها إلى كتائب وأجهزة حددتها. ولأن بعض كتائب مدينة مصراتة كانت حاضرة بعينها أكثر من غيرها في مهة تسلم المقارات قوبل ذلك بامتعاض عبر عنه بعض النخبة والنشطاء من العاصمة، ومثلت بعض التحركات العسكرية على الأرض تعبيرا عن رفضه.

من المهم التنبيه إلى أن الدافع الذي هو بالأساس سياسي وحتى تنظيمي، بمعنى أنه تحرك لأجل فرض سيادة السلطة المعترف بها دوليا على مقرات الدولة، يمكن أن يتراجع لصالح محركات جهوية ومناطقية ويدفع إلى مواجهات واسعة وعنيفة، وهو الأمر الذي يتطلب حكمة وروية في التعاطي معه.

أيضا لا يمكن فصل حالة السخط بسبب الأوضاع المتردية اقتصاديا وأمنيا عن المشهد، فالجمهور العام غاضب من سوء الوضع المتمثل في نقص السيولة وارتفاع الأسعار والمصحوب بوضع أمني مخيف من مظاهره تفشي الخطف والابتزاز والسرقة، والبعض لا يفصل بينها وبين الوضع المليشياوي الغالب.

من المهم جدا التأكيد على أن أي سياسة أو مقاربة لاحتواء الأزمة الراهنة في طرابلس لا تركز على الأسباب الرئيسية للتوتر الراهن خاصة موجة السخط التي يتجه بعضها اتجاها مناطقيا ستكون بمثابة مسكن يوقف الاضطرابات لبرهة فقط. 

التعقيد في المشهد الحالي في العاصمة يقترن بتناقضات المواقف واختلاف التفسير للأحداث المتسارعة. فهناك شعور متنامي داخل العاصمة بأن الكتائب المنتسبة لمصراته تشكل عامل توتر، وتهيمن على حساب أهل طرابلس، بينما لا يتفهم هذا الشعور الكثير من المصاريت من منطلق أن مصراته ضحت وكانت أحد أسباب الاستقرار في العاصمة وهناك من يتآمر ضدها لإخراجها منها. 

هذا التضاد في المواقف لايساعد على احتواء الوضع بسهولة، ويتطلب تسوية تأخذ في الحسبان كل المعطيات السابق ذكرها حتى يمكن تخطي الأزمة وعدم تحويلها إلى صراع كبير وخطير في طرابلس.

المشكلة أن السلطة النافذة غير قادرة على القيام بالجهد المطلوب لتجاوز هذه المحنة، ولابد من تعاون كافة المكونات السياسية والاجتماعية والأمنية لمنع الانزلاق إلى سيناريو المواجهة بين القوات المنتسبة لطرابلس والأخرى المنسوبة لمصراتة.

العامل الأهم هو مدى قابلية واستعداد قيادات الكتائب العسكرية من كلا الطرفين لمنع تدهور الوضع والالتزام بالاتفاق ولجم أي تصرف غير مسؤول من أي مجموعة تابعة لها، ويمكن أن ينجح سيناريو احتواء التوتر اذا تم دمج جميع الكتائب بتوازن والوصول إلى تفاهم على ضرورة المحافظة على الاتفاق ودعم الاستقرار في العاصمة.

آخر الكلام هو أن أي تصعيد بين الطرفين لا يمكن أن يقف عندهما بل سيفتح الباب لأطراف عديدة، فجيش القبائل لن يجد فرصة مواتية أكثر من هذه، بالمقابل خصومه في الزاوية وصبراته لن يقفوا مكتوفي الأيدي، ودخول الزنتان ربما يبرر لجادو المشاركة، ودع عنك المدن الواقعة شرق العاصمة، وبالتالي فإن انفلات الوضع يعني منزلق خطير وخطير جدا.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع