قضايا وآراء

من يمتلك جماعة الإخوان المسلمين؟ (مرة أخرى)

1300x600
منذ عدة أيام صدر ما أطلق عليه بـ"مراجعات الإخوان" عن الفترة التي تلت 25 يناير 2011، وبعد هذا الإصدار بعدة ساعات صدر تصريح من المتحدث الإعلامي للجماعة بأن الجماعة لم تصدر شيئا بهذا الخصوص، وكأننا أمام كيانين مختلفين يحمل اسم جماعة الإخوان المسلمين.

وهنا لن أدخل في تفاصيل ما نشر ما سمى بالمراجعات لأنها عامة، وفي أغلبها كان يقال منذ زمن، حتى وقت انتخاب الدكتور مرسي رئيسا للجمهورية من باب "كان المفروض عمل هذا" أو من باب "الأفضل ألا يتم عمل هذا"، وخصوصا داخل الإخوان وفي مجالسهم. وهذا يدفعني للاعتقاد بأن من قام بهذا العمل ثم قام بنشره لم يعايش الإخوان المسلمين كجماعة بشكل حقيقي، ولم يتعرف على نمط التعامل فيما بينها وأدبيات هذا التعامل وطريقته. وبالتالي، لم يأت بجديد، كما أنه لم يأخذ في مجمله بالمنهجية العلمية في العرض مع أنه - كما ذكر في مقدمته - قد أخذ وقتا طويلا في الإعداد. وهذا يجعلني أميل إلى رأي الأخ عزام التميمي في تصريحه حول الموضوع - مع احترامي الكامل لجميع الأخوة الذين قاموا على العمل سواء كانوا من الإخوان او من غير الإخوان - بأن ما نشر هو كلام سطحي لا يجوز أن يصدر عن مؤسسه بحجم وتاريخ الإخوان المسلمين.

ولعل الضغوط التي مارستها القوى السياسية المختلفة، سواء من ينتمي لمعسكر الشرعية أو من غيرهم على ضرورة إصدار الإخوان مراجعات للتأسي بما قامت به الجماعة الإسلامية في التسعينات من القرن الماضي، هو ما دفع بعض الأخوة في التعجل وإصدار ما صدر دون موافقه وتمحيص واعتماد. 

وكما ذكرت، فإن ما يعنيني هنا ليس محتوى أو مضمون ما نشر، ولكن ما يهمني في هذه الصفحات هو كيف تم استقبال ما نشر من قبل وسائل الإعلام، سواء إعلام النظام في مصر او إعلام المعارضة من التيار الإسلامي أو من التيارات الأخرى من جانبين، الجانب الأول هو العنوان الخاص بالخبر والمعلومة، والجانب الثاني بخصوص مصدر الخبر نفسه. فنجد أن كافة وسائل الإعلام رحبت بما أسمته مراجعات الإخوان، مع العلم بأن ما نشر ليس مراجعات بالمعنى الدقيق للمصطلح وحتى من نشره لم ينشره تحت عنوان المراجعات سواء عن قصد او غير قصد، ولكن من باب التقييم والتقييمات. وهناك فرق بين التقييم والمراجعة، حيث أن الأخيرة في الغالب تهتم بمناقشة الأفكار والعقائد ونقضها أو تعديلها، أما الأولى فتكون للأداء أو الأفعال والعمل على تصويبها وتلافيها في المستقبل. وبالفعل، فإن ما صدر ونشر أخيرا كان تقييمات لما حدث من أفعال من جانب الإخوان بعد 25 كانون الثاني/ يناير 2011. ولكن وسائل الإعلام المختلفة استقبلت ما نشر على أنه مراجعات قامت بها الإخوان المسلمين، كما قامت الجماعة الإسلامية بمراجعات في تسعينيات القرن العشرين، والذي تحولت فيه عن فكرة العنف كأسلوب من أساليب التغيير في منهجها الجماعي.

والتقييم والتقويم أمر ضروري لأي عمل من أجل تصويبه وتصحيحه، ولا يوجد من هو منزه عن الخطأ إلا المولى سبحانه وتعالى، ونحن أبناء أمة حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم كما نقل عن الفاروق عمر رضي الله عنه. وليس عيبا أن يخطئ الإنسان في العمل والتنفيذ، ولكن العيب هو التمادي في الخطأ وعدم تقويم الأداء.

ولعلى استطرد هنا بأن التحليل العلمي والتقييم الموضوعي للأحداث يتطلب منا الإلمام بكافة الجوانب التي حدثت فيها تلك الأحداث والوقائع وأثرت عليها وفيها. وإن تقييم هذه الوقائع في حاجة إلى التعرف عليها والظروف والملابسات التي أحاطت بها بشكل كامل. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك من الوقائع التاريخية سواء في التاريخ الإسلامي، مثل قضية الفتنة الكبرى وغيرها أوفي التاريخ الحديث، سواء المصري أو العربي أو الدولي والعالمي. وأؤكد ان تقييم الحدث لا يمكن أن يكون موضوعي محايد إلا إذا تم الإلمام بكافة الجوانب المحيطة به، بالإضافة إلى معرفة الشخصيات الفاعلة في الأحداث أو الوقائع المراد تقييمها وتحليلها وطبيعة هذه الشخصيات وخبراتها وحجم المعلومات التي كانت متاحة أمام هذه الشخصيات وتقديرها؛ لدرجة المصداقية الخاصة بكل مصدر لهذه المعلومات. وبالتالي، فإن التقييم الصادق الموضوعي المحايد للأحداث والوقائع التاريخية يحتاج إلى بذل الجهد لمعرفة كافة الظروف والجوانب المحيطة بالحدث وشخصياته. ونحن نعلم أن معظم الأفراد والشخصيات التي كانت مؤثرة في الأحداث من بعد 25 كانون الثاني/ يناير 2011 وحتى فض اعتصام مسجد رابعة العدوية؛ غالبيتها في السجون والمعتقلات فك الله اسرهم جميعا، ولا يمكن التواصل معهم لمعرفة الأبعاد الحقيقية لسير الأحداث، وما نسمعه أو نقرأه حول هذه الفترة هو جزء من الصورة وليست الصورة كاملة.

ومن هنا، فإننا نجد أن جميع وسائل الأعلام استقبلت ما تم نشره على أنه مراجعات للإخوان للترويج بأن جماعة الإخوان المسلمين تراجع أفكارها ومنهج عملها الجماعي، وأنها - أي الجماعة - كانت تسير بأفكار غير صحيحة، وهذا ما أدى بها إلى ما وصلت إليه. وهذا في الحقيقة ليس صحيحا على الإطلاق، حتى من جانب من قام بالنشر كما ذكرت.

وإذا كان يمكن أن نفهم ونستوعب هذا الأداء من وسائل الأعلام التابعة للنظام في مصر؛ لأن رسالتهم وهدفهم هو تشويه جماعة الإخوان، وأنها كانت تسير بأفكار ضالة وفي حاجة إلى المراجعة والتعديل. ولكن ما يصعب على الفهم والتفسير هو موقف وسائل الأعلام المعارضة، وخاصة من ينتمي منهم للتيار الإسلامي، ومن أبناء هذه الدعوة وهو يسير على نفس الخطى والمفترض أن تكون له رسالة مختلفة في هذا الجانب. لذلك كان من المستغرب قيام بعض القنوات ومحطات البث التلفزيوني التي تبث من إسطنبول، وأيضا بعض الصحف والمجلات التي تصدر من الخارج بالتركيز على الترويج لما قيل عنها بأنها مراجعات الإخوان. وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن ما هو الهدف من وراء ذلك الترويج غير الحقيقي؟؟ فهل هو التشويه أيضا!! مع أنه من المفترض أن يكون الجميع من أبناء وينتمي إلى تيار واحد.

الجانب الثاني، وهو مصدر الخبر أو المعلومة. وفي هذا الجانب اختلف إعلام الانقلاب عن إعلام المعارضة، فنجد أن إعلام المعارضة، سواء المرئية او المقروءة في إسطنبول أو في غيرها، أشار إلى أن المصدر هو الجبهة الشبابية للإخوان المسلمين، وعندما صدر بيان المتحدث الرسمي ذكرت بانه المتحدث باسم الجبهة التاريخية للإخوان أيضا. أما إعلام الانقلاب عندما نقل الخبر أشار إلى أن صاحب هذه الوثيقة هي مجموعة من الإخوان وأطلق عليهما مجموعة الأخ محمد كمال رحمه الله، وحين نقل خبر المتحدث الرسمي للإخوان عن عدم إصدار أي بيانات ذكر- في معظمه - أنه المتحدث الرسمي للتيار الرئيسي للإخوان. ولا يهمني ما يذكره إعلام النظام، ولكن ما يعنيني هو ما يروج له إعلام المعارضة، وخصوصا من ينتمي للتيار الإسلامي ومن أبناء هذه الدعوة، والذي يروج لفكرة الانقسام والتشرذم، وأن جماعة الإخوان أصبحت منقسمة إلى كيانين منقسمين: جبهة شبابية وجبهة تاريخيه أو عواجيز. وكأن الجماعة قد قسمت حسب السن، فالشباب وصغار السن في جانب، والكبار في جانب آخر، ولا يجوز لطرف أن ينضم لجبهة الطرف الآخر. وهذا ليس صحيحا على الإطلاق، فجماعة الإخوان واحدة، وستظل بإذن الله واحدة بشبابها وشيوخها ونسائها ورجالها، رغم كل ما يخطط لها أعداؤها. لذلك فلا أستطيع أن أفهم المغزى من وراء الترويج لهذا المعنى، وهو الكيانان.

كنا قديما خلال الثمانينيات نسمع ونقراً في إعلام النظام أنه يوجد صقور وحمائم داخل الإخوان، ثم تطور الأمر لنسمع أنة يوجد قطبيون، أي ينتمون إلى فكر الأستاذ سيد قطب رحمه الله، وغير قطبيين. وفي النصف الثاني من التسعينيات، ظهرت أيضا فكرة صراع الأجيال داخل الجماعة، وأن الجماعة أوشكت على الانقسام، وكان إعلام النظام يروج لهذه المقولات والتقسيمات من أجل التشويه وعدم نقل صوره حقيقية عن الجماعة للمجتمع بغرض التدليس أمام الرأي العام. قد تكون هناك آراء مختلفة داخل الإخوان، وهذا أمر صحي ومطلوب، بل إن هذا يثري النقاش داخل الإخوان. ولكن القرار دائما ما يكون قرارا واحدا، وعند صدوره يلتزم الجميع به. وهناك مواقف كثيره اختلفت فيها قيادات من الإخوان في الرأي خلال حرب الخليج وغزو العراق للكويت، والموقف من إرسال قوات مصريه للمشاركة فيها. واتخذ القرار فالتزم به الجميع، وكذلك قرار المشاركة في انتخابات الرئاسة عام 2012 من عدمه، عارضه الكثيرون، ولكن اتخذته الجماعة، فأصبح قرارها، والتزم به الجميع، حتى من كان يعارضه.

إذا، فالاختلاف في الرأي ضروري ومطلوب، وقد خلق الله سبحانه وتعالى الناس والبشر مختلفين في القدرات، ومتعددين في المواهب والإمكانيات. ولكن ما نحن بصدده ليس مجرد اختلاف في الرأي، ولكنه انقسام بمعناه الكامل؛ لأنه ليس هناك معنى آخر لأن يصدر بيان أو وثيقة من طرف، ويصدر تكذيب أو إنكار من طرف آخر، إلا أننا أمام كيانين أو مؤسستين لا يعلمان عن بعضهما شيئاـ وهذه ليست الإخوان المسلمين التي أعلمها ويعلمها كل من تربي في هذه الدعوة. لذلك فإنني أتعجب من قيام المؤسسات الإعلامية، والتي ينتمي القائمون عليها لهذه المدرسة، بالمساهمة في الترويج لهذا الانقسام من خلال التركيز على وجود جبهتين داخل الإخوان. فما هو الهدف مرة أخرى؟؟ إننا نعلم جميعا أن أي مؤسسة إعلامية يجب أن تكون لها رسالة تريد إيصالها للمتلقي، سواء مقروءة او مرئية. لذلك فإنني أرجو من الإخوة العاملين في هذه المؤسسات جزاهم الله خيرا؛ أن يكونوا واضحين في رسالتهم. ولا أفهم ولا أعترف بأن هناك وسيلة إعلام محايدة، وليس من المنطقي القول بذلك، فكل جهاز إعلامي له أجندته الخاصة به؛ والتي يريد الترويج لها، وهذا في حد ذاته ليس عيبا ومن حق الجميع الترويج لأفكاره وأهدافه، ولكن المهم هو الوضوح.

لقد كتبت منذ ما يقرب من عامين مقالا بعنوان: "من يمتلك جماعة الإخوان المسلمين"، وكان ذلك في بداية ما نعيش نتيجته الآن، وتوصلت في المقال المذكور إلى أن الذي يمتلك جماعة الإخوان المسلمين هو فكرتها ومنهجها، واقترحت وقلت "وإذا كان هناك ثمة اختلاف، فليتم مناقشته بهدوء وبعيدا عن الضجيج الإعلامي، لتبين أي المسارات ملتزم بالفكرة والمنهج، ولا غضاضة من وقوع البعض في الخطأ، المهم هو عدم التمادي فيه، وذلك من خلال مراجعة هذه الفكرة وذلك المنهج والإبداع في تطبيقهما".

ولكن يبدو أنه لم يتمكن الإخوة الأفاضل من تحقيق ذلك، وهذا ما توقعته أيضا. فقد قلت: "وهذا ليس حجرا على التفكير والإبداع، فالإسلام أكبر من جماعة الإخوان المسلمين، وكل الجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة، ويمكن لأي فرد، قيادة كان أو صفا، أن يمتلك فكرة مبدعة ويختار منهجا متميزا لخدمة الإسلام ويدعو لها، ولكنها ليست الإخوان المسلمين". وهذا ما حدث بالفعل مع انشقاق مجموعة شباب محمد في بدايات الدعوة، في حياة الأستاذ البنا، وهم كانوا من الإخوان المسلمين، وكذلك حدث مع مجموعة المهندس شكري مصطفى رحمه الله، وكان من الإخوان، وانشق عنهم وكانت جماعة التكفير والهجرة. وهناك الكثير من الإخوة الكرام الذين تركوا الجماعة وانشقوا عنها لاختلافهم مع القيادة لأسباب إجرائية أو اختلاف على الآليات التنفيذية للعمل.

كلمة أخيرة، نعم – كما ذكرت - المحنة شديدة، ولم يكن متوقعا أن تصل لهذا الحد، ولكن كان من المفترض أن يكون التعامل مع هذه المحنة بالتآخي أكثر، وبالتعقل أكثر، والصبر والثبات أكثر وأكثر حتى يصل الجميع للعمل الذي يرضى عنه الله ورسوله. ولكن وصول المشهد إلى هذا الحد من الانقسام فهذا لا يقبله عقل أو منطق، وخصوصا في ظل ما يعانيه أكثر من 60 ألف معتقل، وأكثر منهم من المطاردين، سواء في مصر أو في بقاع شتى من العالم. ولذلك أدعو الإخوة الكرام فيما يطلق عليه بالمكتب العام، وهم من أصدر وثيقة التقييم، أن يراجعوا أنفسهم، ويعودوا إلى صف جماعة الإخوان المسلمين التي نعرفها، حرصا عليها، وأن يكونوا طوعا في يد إخوانهم قيادة الجماعة التي نعلمها من أجل تحقيق أهدافها وغايتها. وإذا كانوا قد أكدوا مرارا على أن الدكتور محمد بديع فك الله أسره هو المرشد المعتمد لديهم، فهو نفسه الدكتور بديع قد صرح أكثر من مرة خلال جلسات المحاكمات أنه ينيب ويفوض الدكتور محمود عزت والأستاذ إبراهيم منير كنواب له في قيادة الجماعة.

لذلك أكرر الرجاء لهؤلاء الإخوة الذين لا نعرفهم؛ بتذكر روح الجماعة، والصبر حتى على إخوانهم في القيادة الحقيقية للجماعة والتآم الصف. وإذا ترون أن هذا غير ممكن، فمن حق أي إنسان اتخاذ ما يراه مناسبا له في الدنيا والآخرة، وليعلم أن الله سوف يحاسب كل إنسان عن عمله، وكلهم أتيه يوم القيامة فردا. ولنكن واضحين، ونعلن أننا لا نقبل ما تقرره القيادة، ومن حقكم إنشاء كيان مختلف يدعو إلي الإسلام ويسعى إلى تحقيق غاياته الكبرى، ولكنه لن يكون جماعة الإخوان المسلمين. والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.