سياسة عربية

تعرف على حقيقة النفوذ الإماراتي في الصومال

تساؤلات عن الدور الحقيقي للإمارات في الصومال - عربي21
أثار استقبال ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد للرئيس الصومالي الجديد محمد عبد الله فرماجو بداية الشهر الجاري الاستغراب لدى مراقبين بشأن ردة الفعل الإماراتية حيال هذا البلد الذي سعت الدولة الخليجية الصاعدة إقليميا إلى تحويله خلال السنوات الأخيرة لقاعدة بحرية متقدمة تشرف على خليج عدن وبحر العرب.

مثار الاستغراب يأتي انطلاقا من التعامل الإماراتي مع الزعيم الصومالي الجديد، الذي تحدثت وسائل الإعلام الصومالية صراحة عن سعي حثيث بذلته الإمارات ودول إقليمية لمنع فوزه في الانتخابات الرئاسية من خلال دعم منافسين له وتحديدا الرئيس السابق حسن شيخ محمود.

انعطافة إماراتية

بل إن السفير الإماراتي لدى مقديشو محمد أحمد العثمان قاطع حفل تنصيب الرئيس الجديد، بعد أن كانت حكومته استدعته في آذار/مارس الماضي بعد احتجاج الحكومة الصومالية اتفاقا عسكريا عقدته الإمارات مع إقليم أرض الصومال الانفصالية.


فما الذي حصل حتى انعطفت أبو ظبي هذه الانعطافة تجاه الرئيس الجديد؟ ولماذا تغيرت اللهجة الإماراتية؟ وما هي آليات التعاطي الجديد التي تنوي أبو ظبي اتباعها مع فرماجو الذي يُعتقد أنه عمل من اللحظة الأولى على تحجيم وفرملة النفوذ الإماراتي في بلاده، بعد تعاظم وتعزز خلال فترة حكم سلفه حسن شيخ محمود؟

مصدر دبلوماسي إفريقي –طلب عدم الكشف عن هويته- فسر لـ"عربي21" الاستدارة الإماراتية باتجاه فرماجو بأنها محاولة لاستدراك ما يمكن استدراكه وتأمين مصالح ضخمه في هذا البلد الناشئ والتعامل مع الأمر الواقع، وتحديدا بعد حصول الرئيس الجديد على دعم إقليمي وعربي، وتحديدا سعودي.

بدا هذا واضحا من خلال الدخول السعودي المباشر على العلاقة الإماراتية الصومالية، حيث نقل تقرير لموقع Yalla Affrica ترجمته صحيفة الرياض بوست السعودية عن دبلوماسي قوله إن الرئيس الصومالي الجديد الذي اختار الرياض كأول محطة خارجية يزورها بعد انتخابه طلب صراحة من السعودية الضغط على أبو ظبي لوقف بناء القاعدة العسكرية في ميناء بربرة بإقليم أرض الصومال.

لاعبون جدد

الاعتراض الأساسي الذي أبدته الحكومة الصومالية تجاه الاتفاق الإماراتي مع سلطات أرض الصومال يستند إلى أن ما جرى غير قانوني، بحكم أن تم من وراء ظهرها وبتجاهل تام لحكومة ودولة قائمة لحساب طرف انفصالي غير معترف به دوليا.

غير أن تساؤلات قد تطرح عن حقيقة هذا الاتفاق، وحقيقة الغضب الصومالي والذي دفع باتجاه طلب وساطات عربية لوقفه.

المعلومات بشأن الاتفاق الإماراتي مع سلطات أرض الصومال بقيت طيلة الفترة الماضية سطحية، إلى أن كشفت مجلة (defense one) الأمريكية الأمنية والدفاعية معلومات تفصيلية عن طبيعة الاتفاق وأهدافه في تقرير نشرته في الثاني عشر من الشهر الجاري حمل عنوان (There’s a New Player in the Horn of Africa) (هناك لاعب جديد في القرن الإفريقي).


التقرير يقول إن الاتفاق الموقع بين سلطات أرض الصومال وشركة (P&O) المملوكة لحكومة دبي يمنح الأخير حقوق الاستفادة من ميناء في مدينة بوساسو لـ30 عاما تحت غطاء تطوير وإدارة الميناء لـ"أغراض متعددة" بتكلفة قيمتها 336 مليون دولار أمريكي، ليتم بعد ذلك بأسابيع توقيع اتفاق آخر يسمح للإمارات بإقامة قاعدة عسكرية في ميناء بربرة إلى الغرب من بوساسو.

وتشير المجلة إلى أن السلطات الإماراتية دفعت الرشاوى لسياسيين ووجهاء في أرض الصومال لتمرير هذه الصفقة، لتكون قاعدة دعم في منطقة القرن الإفريقي المرشحة لأن تكون ساحة مواجهات في المدى المنظور، عدا عن توفيرها منصة جديدة لمواجهة الحوثيين في اليمن، لا سيما مع انتشار قوات عسكري من الولايات المتحدة واليابان وفرنسا وإيطاليا والصين وإسبانيا في جيبوتي المجاورة في إطار مكافحة "الإرهاب أو القرصنة".

غير أن الأخطر في التقرير هو ما تنقله المجلة عن دبلوماسي أمريكي سابق من أصل صومالي هو أبو بكر عرمان، الذي يتحدث عن أهداف جيو-سياسية وجيو-اقتصادية تدفع الإمارات للتمسك بهذه القاعدة بشكل خاص وبالوجود بالصومال بشكل عام.

ويقول عرمان للمجلة إن "طموح دولة الإمارات العربية المتحدة يأتي أيضا لمواجهة حضور تركيا المتنامي في المنطقة، والذي ينظر إليه على أنه تهديد استراتيجي لحلفائها البريطانيين والأمريكيين"، حيث تقول المجلة إن الأتراك من الجهات الفاعلة بقوة في الصومال من خلال المشاريع الكبيرة التي ترعاها كبناء المستشفيات وشق الطرق، وتوفير المنح الدراسية لآلاف الطلاب الصوماليين.

وترى المجلة أن النموذج التركي الذي يجمع بين العمل الإنساني والاستثماري أصبح موضع حسد للعديد من الدول التي تقاتل من أجل كسب مزيد من النفوذ داخل الصومال، بما في ذلك القطريين والإثيوبيين والاتحاد الأوروبي والإماراتيين.

حضور مدفوع الثمن

إعلامي صومالي تحدثت له "عربي21" يقول إن الصوماليين تاريخيا كانوا ينظرون للجهود الإماراتية في بلادهم بعين الامتنان من خلال المشاريع الخيرية والتنموية، خصوصا في عهد الراحل زايد بن سلطان آل نهيان، قبل أن يتحول الحضور الإماراتي بأوجهه المختلفة إلى حضور مدفوع الثمن.


ولا ينكر الإعلامي الصومالي -الذي طلب عدم الكشف عن اسمه- الجهود الكبيرة التي بذلتها وتبذلها الإمارات في بلاده، لكنه يتساءل علاقة الأعمال التنموية والخيرية بالوجود العسكري، لا سيما إذا جرى ذلك بغير علم الحكومة الصومالية، ويشير إلى أن الاتفاق بين الإمارات وأرض الصومال مجحف ويشكل اعترافا إماراتيا ضمنيا بهذا الإقليم الانفصالي.

ويؤكد الإعلامي الصومالي أن التنافس التركي الإماراتي والقطري إلى حد ما في المشاريع التنموية ملاحظ ومحسوس بشكل كبير وهو أمر مباح في دولة ناشئة واستراتيجية كالصومال، لكن ثمة تباينات واضحة في النوايا لكل جهة، إذا ليس من الصعب التوصل لنتيجة أن تركيا وقطر إنما تعملان لصالح الشعب الصومالي كالتزام إنساني، بينما تحضر الشكوك حيال التحركات الإماراتية.

يذكر أن الإمارات حرصت في الفترة الأخيرة على تسليط الضوء إعلاميا على حجم المشاريع التي تدشنها في الصومال، إذ أطلقت حملة إنسانية تحت شعار "من أجلك يا صومال" توجتها بالإعلان عن إقامة أكبر سد مياه خرساني.