كانت السنوات الأخيرة من حياة حسن البنا حافلة بمراجعاته ومراجعات من حوله لأداء الجماعة على جميع المستويات، وفي عام 1948م بدأت مجموعة من شباب الإخوان توجه انتقادات وتقابل البنا في ذلك، وتشرح له ما تلاحظه من أخطاء تودي إلى تأخر مشروع الجماعة
ما ذكرته في المقالات الثلاثة السابقة، كان عن مقابلات لحسن البنا مع رموز العمل السياسي والإسلامي، ومراجعاته حول عمل الإخوان السياسي، والوضع الأمثل للجماعة، وفصل الحزبي عن الدعوي، وكيف يكون..
كان حوار محب الدين الخطيب مع حسن البنا سنة 1947م، الذي ذكرناه في مقالنا السابق، جرس تنبيه للبنا والإخوان، في إعادة التفكير في دخول الجماعة مجال السياسة دون إعداد كاف، وبدأت مراجعات البنا حول الأمر.
امتلكت جماعة الإخوان المسلمين في عهد البنا الشجاعة في النقد المعلن، بل ومراجعة سياستها الدعوية والعلمية والسياسية، وقامت بعدة مراجعات ونقد للذات، وهو ما ينكره بعض أفراد من الجماعة، جهلا منهم بتاريخها ومنهجها..
نتناول اليوم صفحة أخرى من صفحات النقد المعلن في الجماعة، وعلى يد مسؤول التربية في جماعة الإخوان في أربعينيات القرن الماضي، إنه الدكتور عبد العزيز كامل، المفكر الكبير المعروف، الذي كان يسمى (ابن الدعوة البكر)..
لم يقتنع عشماوي برد البنا عليه، أو ينظر إليه نظرة تقديس، فيصمت مكرها، تحت أي دعوى، فكتب مقالا يخالف فيه البنا فيما ذهب إليه، وكتب عشماوي يستغرب من موقف البنا من حزب (الوفد)، ومن مكرم عبيد ومجلته..
كان حسن البنا كثير الوقوف بين نفسه وربه، يحاسب نفسه على ما قصرت، فقد كان له ورد محاسبة يحاسب فيه نفسه على ما قصرت فيه في جنب الله، بل وحث أفراد جماعة الإخوان على ذلك.
تثور حالة من الجدل جراء ما يكتب من نقد داخل جماعة الإخوان المسلمين، بين من يراه حقا أصيلا في الجماعة بآدابه، وبين من يراه مخالفا لمنهج الجماعة، وأن على من ينتقد أن يكون نقده داخليا فقط في السر، فهل منهج جماعة الإخوان يمنع النقد المعلن أو المراجعات؟
المتأمل لما ينشر من حوارات ونقاشات ومقالات من داخل الصف الإخواني، سيجد خلافا في الطرح، يكثر ويقل أحيانا، ويظهر للإعلام، أو يظل داخل الكيان، كل هذا لا يقلق ولا يضر، ما دام يسير في اتجاه اختلاف العقول لا القلوب، اختلاف التنوع لا التضاد، الاختلاف الذي ينتج عملا، وينشئ مسارا يُخرج..
تلك فكرة حملة (كفاية ظلم)، وقد تواصلت منذ فترة مع الصديق الدكتور أيمن نور، حيث كان اجتماعنا في قناة الشرق، وسألته عن مصير الحملة، بعد أن شحذنا لها هممنا، فأخبرني بكل أسف عن عدم استمرارها، وهانحن الآن نردها مرة ثانية، لتكون شعبية.
ألا يوحدنا ملف المعتقلين وآلامهم، وحاجات أسرهم، لنكون يدا واحدة فيه، لمواجهة هذا الاستبداد، والعمل على لملمة جروح أهلنا، قبل أن يبيعوا العفش، أم أن الوقت سيمضي، فنجد العفش قد بيع، وانتهى الأمر؟!!
الحالة التي تعيشها جماعة الإخوان الآن، هي حالة اختطاف بامتياز، لا ينكر ذلك إلا مغيب عن الحقائق، أو صاحب مصلحة في هذا الاختطاف، ويريد شرعنته لمكاسب يبتغيها، لا تلتقي أبدا مع شعار: الله غايتنا، أو: هي لله، هي لله، الذي ترفعه الجماعة دوما.
فك الله أسر مرشد الإخوان السابق الأستاذ محمد مهدي عاكف، فقد ضرب نموذجا عمليا في إعلاء المؤسسية داخل جماعة الإخوان، وضرب نموذجا لعدم التشبث بالمنصب مهما كانت الضغوط والإقناع من حوله، ورغم وجاهة الرؤى التي حاولت إقناعه بالاستمرار في منصب المرشد، لكنه أبى إلا أن يفطم نفسه عن المناصب.
أصدر الدكتور يوسف القرضاوي الثلاثاء: 26 يناير بيانا، يلخص فيه جهدا بذله ومعه مجموعة من العلماء، لإنهاء أزمة الإخوان التي شغلت الرأي العام والرأي الإخواني لعدة أشهر، ما أصاب كل محب للإخوان داخلها وخارجها بألم شديد.