عوني بلال يكتب: كان المشهد كثيفا، لا بكثرته، بل بالعكس تماما؛ كثيفا بما غاب عنه، بالصمت الغالب فيه، بإيجازه وهدوئه واقتصاده، وبما حكاه سلوك رجل واحد -لحظة المُصاب- عن تاريخ حماس بأكملها؛ عن معدنها ومدرستها، وعن سرّ صعودها المنافي لحدود الممكن وضرورات المعقول..
عوني بلال يكتب: الديمقراطية ليست ضمانة لشيء، وأنها قادرة على توليد الموقف ونقيضه، وأن النافذة التي تفتحها للاحتجاج الشعبي لا تعيق مؤسساتها وقواها النافذة عن فعل ما تشاء وإبادة من تشاء، وأن هذا التعقيد المؤسسي والمشهدية المركبة للتشريعات والقوانين وفصل السلطات وآليات الرقابة وسلطة القانون و"القيم الديمقراطية"، كلها وجميعها، لا تردع هذه الدول عما نراها منغمسة فيه اليوم: محاصرة مليونيّ إنسان في قفص ثم التفنن العسكري بكسرهم وإفنائهم.
عوني بلال يكتب: شهدنا في الأسابيع الأولى بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر باحثين وجامِعيين -في قلب العالم الغربي- يخسرون مراكزهم بسبب رأي معلن عما جرى، ورأينا مقابلهم من تصرفوا بالزئبقية اللازمة وبما يخدم صعودهم على سلّم المهنة ويحفظ حظّهم في رحلة "النجاح"
عوني بلال يكتب: لماذا يبدو العمل الفاعل في الصراع مع إسرائيل مقتصرا اليوم على كيانات خارج تعريف الدولة ومظلة "الشرعية"؟ ما أن يُفكر المرء بإجابة ممكنة حتى يطفو سؤال رديف هو النظير المتمم للسؤال الأول: لماذا يستحيل الفعل على الدولة العربية؟ لماذا يبدو الشلل جواب هذه الدولة في أي مواجهة مع إسرائيل؟ ولأي حد بات هذا الشلل شرطا وجوديا للدولة العربية بالنظر لبنيتها واقتصادها وعلاقاتها الدولية؟
عوني بلال يكتب: لطالما استُدعيت ثنائية "شعب- حاكم" في أوضاع الشلل العربي، تماما كما هو الحال اليوم. والثنائية مريحة لأنها تعيد إنتاج المشهد وكأنه آتٍ من أدب الأطفال وقصص الناشئة: الشعب الطيب، والحاكم الشرير
عوني بلال يكتب: انفتح أفق جديد في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. أفق جديد، لا للقضية الفلسطينية وحسب، وإنما للفكر العربي ذاته. أقول هذا مدركا تماما كم لجملة كهذه أن تستفز العقلانيين العرب.
عوني بلال يكتب: هناك شيء أوسع عندما يُقرأ الحدث على مسافة أبعد وينكشف مثلث الموضوع: الطبيعة والعلم، والإنسان الحائر بينهما. هذا مثلثٌ معروف نَمَت كل علومنا الفيزيائية من داخله، لكنّ معرفة الشيء، والوعي بالشيء، أمران مختلفان جدا، وكثيرا ما نَغفل عن دور هذا المثلث في تشكيلنا -نحن البشر- وصناعة مصائرنا بل وحتى تشكيل الطبيعة التي حولنا
كان تحطم الغواصة السياحية (تيتان) في حزيران الماضي حدثا صاخبا، وشيئا من خارج مألوف الحوادث والمآسي. ولعل مغناطيسية الحدث تنبع أساسا من امتلائه؛ من كونه دالا باتجاهات شتى، بدءاً من هندسة المركبات وفيزياء أعماق البحار مرورا باختلال توزيع الثروة وهوس الإنسان بالمجهول..
عوني بلال يكتب: ماذا يمكن أن يُقرأ عربيا في انتخابات تركيا الأخيرة؟ أكثر من شيء بالتأكيد، لكن إعادة تدوير مدائح الديمقراطية ليس قراءة من الأساس، بل هي شيء أقرب للترنيمة التي يُسلّي بها المرء نفسه. إن الداعي للتقدير في التجربة التركية ليس الاقتراع ونزاهته..
عوني بلال يكتب: عندما يصل عسكريان إلى رأس الدولة وسط عاصفة من الفوضى وهما خاليان من أي بنيةٍ عقائدية أو نزوعٍ فكريٍّ نظري، ومتحرران من أي تقليدٍ مؤسسي راسخ، فماذا يبقى غير الأنا العسكرية المتورمة والسباق لاقتناص الجائزة؟
عوني بلال يكتب: كان النشاط المعرفي حتى وقتٍ قريب قائما على "البحث" بمعنييه الحرفي والاصطلاحي، وليس مرتكزاً على السجال المتبادل مع شاشة من زجاج ومصطبةِ مفاتيح. وبهذا، تحوّلت الحاسبة من أداة توسّط معرفي تدلك على ما هو متاح، إلى مقاول نشيط، يبني لك ما تريد
عوني بلال يكتب: تورّط العمل البحثي العربي في وهمٍ قاتل وَضَع نصب عينيه هدفا مغريا ولكن مستحيلا: اللحاق بالغرب سيرا على الطريق الذي ساره الغرب. وانحبس الخيال البحثي -في العلوم الدقيقة والهندسية على وجه الخصوص- في محاكاة نموذج غربي فاتن، كلما تقدّمتَ نحوه ذراعاً، سبقكَ أميالا
عوني بلال يكتب: يقال بأن الزلازلَ تُسّوي الأرض، ولا أعرف تعبيرا أكثر كذباً من هذا. لم يُسوِّ الزلزال الأخيرُ شيئا، بل زاد في تباين كل شيء، وعمّق الفوارق حيثما ضرب، وأكّد أن قوة الدولة تأتي لك بمشاعر أكثر ومعدات حفر أكبر. ليس الأمر وقْفاً على فارق المعونة بين جانبي الحدود، التركي والسوري، وإنما حتى ضمن الحدود الواحدة
عوني بلال يجري حوارا مع آلة (ChatGPT): لم أتدخل على الإطلاق في إصلاح أي ركاكة لفظية أو شكلية في كلام السيد الآلي، وأنا أُضَمِّن نصوصه هنا على حالها في محاولةٍ لتأمل هذا الزلزال الخوارزميّ الذي ضرب العالم
عوني بلال يكتب: لم تكن سيرة الراحل بهذا المعنى سيرةً ذاتية وحسب، بل جملةَ عناوين لأفكار كثيرةٍ ومركّبة، لعل واحداً من أهمها هو التوتر الكامن بين حرية النضال الفردي وانضباط العمل المؤسسي
عوني بلال يكتب: لم تكن هذه المسرحية الليبرالية غريبةً في لغتها عن الجمهور العربي، فالسنوات الماضية شهدت دفعاً كبيراً لقيم غربية في المضمار الاجتماعي صوب الساحة العربية، وتم تثقيف الناطقين بالضاد بآخر التحديثات الأوروبية عن معنى الخير والشر والتقدم والتأخر..