هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
من غير الممكن ذكر كلّ الأعمال البطوليّة الّتي قام بها الرّجال والنّساء في الثّورة التّحريريّة، لأنها كثيرة، ولها أشكال متعدّدة، ولذلك فقد اخترنا منها فقط أمثلة لتقديم صورة ملموسة ومعبرة عن درجة الإيمان وصفات الشّجاعة والجرأة ونكران الذّات، الّتي تحلى بها صُنّاع الاستقلال الوطني الغالي.
غرست فرنسا وانتظرت إلى 13 مارس 1959 لتجني.. عملت فرنسا لمدة من الوقت على تكوين كثير ممن رضوا أن يكون ولاؤهم لها على حساب أمتهم وثورتها، فلما أنهت التكوين واطمأنت أن المكونين قد تلقنوا ما كان يجب أن يتلقنوه، سرّبتهم ليخترقوا الثورة، فكان منهم (الفدائي) و(المجاهد)، بل وصار منهم المسؤول والضابط!.
كأني بفرنسا قد انتقمت بمُؤامرة الزرقاء في الولاية الثالثة سنة 1958 من عملية العصفور الأزرق، التي كانت قد قامت بها الثورة في الولاية ذاتها، قبل سنتين من ذلك التاريخ، وقد نجحت فيها نجاحا باهرا أحبط مؤامرة (روبير لاكوسط)، وزعزع أركان الثورة المُضادة، التي كان ينوي القيام بها، لتعود عليه وعلى رجاله بالخسران المبين.
لقد كلف مؤتمر الصومام العقيد علي ملاح (المدعو سي شريف)، بأخذ زمام الولاية الفتية. وصل إلى مشارفها الشمالية في شهر تشرين الأول/أكتوبر أو تشرين الثاني/نوفمبر1956. وكان برفقته مجموعة من المجاهدين من ولايته الأصلية.
وُلد الرجلان في مدينة "الحامّة من محافظة قابس بالجنوب التونسي المعروفة بمنطقة "الأعراض" في التصنيف القبلي. وهي مدينة معروفة برموز كثيرة وطنية مثل محمد الدّغباجي المجاهد والمصلح الطاهر الحدّاد والنقابي محمّد علي الحامّي والمناضل الطاهر لسود والسياسي الجلولي فارس..
تتمثل هذه الملحمة الثورية الرائعة كما عرفتها من أفواه الذين صنعوها والذين عاشوا كلّ تفاصيلها من البداية إلى النهاية، وأذكر على سبيل الحصر اثنين منهم (لعلاقتهما المباشرة بالموضوع)، أوّلهما العقيد السعيد إيعزورن المدعو(فريروش)، وثانيهما الكاتب والمجاهد محمد الصالح الصديق الذي عاش تفاصيل تلك الأحداث عن قرب، وألّف كتابا حول هذه العملية.
إذا كان الفضل في اندلاع الثورة التحريرية ونجاحها يعود إلى بيان أول تشرين الثاني/نوفمبر 1954، والتفاف أغلبية أفراد الشعب الجزائري حول مبادئه (التي سبق الحديث عن أبعادها الوطنية والدينية، والقومية في الفصل الأول)، فإن أكبر وأخطر الحركات التي تشكلت في داخل الحركة الوطنية قبل اندلاع الثورة، ظلت تعمل في السّرية مع إدارة العدو لضرب الثورة من الداخل في الجزائر وعلى التراب الفرنسي بعد ذلك في الأوساط المهاجرة، على غرار الحركة المصالية (السابقة الذكر)، هي الحركة البربرية التي تأسست في الجزائر ثم انتقلت إلى النشاط ضد الثورة على التراب الفرنسي ذاته بعد ذلك.
كنا نعتقد، وأن بعض الظن ليس إثما، أن ثورات الحرية والكرامة والسيادة والاستقلال التي عرفتها مختلف أنحاء المعمورة قد تجاوزتها الوحوش البشرية المسلحة بالنووي والحقد الأعمى في معاداة حقوق الإنسان الفلسطيني خارج حقوق الإنسان التي يحميها حق الفيتو الظالم أمام كل أنظار العالم الأعور الأصم الواجم.
لسنا في معرض مجادلة لنقول إنّ كلّ الأيديولوجيات الشموليّة تعتبر العنف "مشروعا" بشكل أو بآخر غير أنّ ما صدر أو ما نُسب لحركة النّهضة ـ الاتجاه الإسلامي سابقا ـ من ممارسات عنيفة تحتاج توقّفا ونظرا وتقييما.
إن التعذيب في الجزائر كان يتطور من حين لآخر، وتتنوع وسائله، وكيفياته، تبعا لتطور الذهنية الاستعمارية في الجزائر، وتطور حقد المستعمرين على الجزائريين، وتوغلهم في الدناءة والسفالة والانحطاط، ونتيجة أيضا للاكتشاف المستمر لوسائل التعذيب وكيفياته. ومن هنا فإن ما نقدمه في هذا الفصل من تلك الوسائل والكيفيات، ليس إلا عينات للتذكير والاعتبار بجرائم الاستعمار في الجزائر!
إذا كان أصحاب المواهب الفكرية في العالم يتباهون باختراع الطائرات والصواريخ وعجائب العلم الحديث، فإن هؤلاء الوحوش يتباهون بما تكشف عنه مخيلاتهم المريضة كل يوم من فنون التعذيب ووسائله..
إنّ الإصلاحات السّياسيّة والاقتصاديّة الّتي قام بها ديڤول بصفة انفراديّة وبصفة نظريّة فقط كانت مصحوبة بمجهود عسكريّ ضخم تَمَثَّل في مضاعفة مطاردة وحدات جيش التّحرير الوطنيّ، وفي مخطّط شال الّذي وافق عليه ديغول المتعلّق بالاستراتيجيّة العسكريّة لفرنسا؛ وتطبيق مخطّط شال بدأ في فبراير - مارس 1959 وتواصل بعد ذهاب الجنرال شال في مارس 1960.
مارس الجيش الفرنسي أسلوب تجويع الثوار، وإرغامهم على الاستسلام أو الموت جوعا، وتهجير السكان من قراهم، ومشاتيهم في الأرياف والسهول والجبال وحشدهم في مراكز خاصة أعدت خصيصا لهذا الغرض، وأحيطت بالأسلاك الشائكة، ومراكز المراقبة والحراسة الشديدة ليلا ونهارا.
لقد عايشت تلك الثورة الجهادية كابن شهيد ومجاهد في صفوف جيش تحريرها حتى توقيف القتال وتقرير المصير والاستقلال وكنت شاهدا على كثير من مجرياتها المفرحة والمقرحة بورودها وأشواكها؛ بأفراحها بانتصاراتها وأقراحها بالإحباطات والتقلبات والخيانات التي اعترضت مسيرتها الطويلة إلى النصر المبين!
لقد عايشت تلك الثورة الجهادية كابن شهيد ومجاهد في صفوف جيش تحريرها حتى توقيف القتال وتقرير المصير والاستقلال وكنت شاهدا على كثير من مجرياتها المفرحة والمقرحة بورودها وأشواكها؛ بأفراحها بانتصاراتها وأقراحها بالإحباطات والتقلبات والخيانات التي اعترضت مسيرتها الطولية إلى النصر المبين!
مما يؤكد أننا في الحقيقة ما نزال نمثل عدو فرنسا الأول، وأن الجزائر تأتي في مقدمة هذه الأمم والشعوب التي لها تاريخ معاصر يحسدها عليه جل شعوب العالم، لأنه تاريخ صنعته بالبطولات النادرة والكفاح المرير، والنجاح في اجتياز الامتحانات الصعبة التي لا تتأتى إلا لأولى العزم من الشعوب الحية المجاهدة..