قالت الكاتبة "ترودي روبين" إنه لا يوجد
قضية أثارت سخط الشيوخ الجمهوريين على الرئيس
ترامب مثل محاولته التستر على جريمة
قتل الصحفي والإعلامي السعودي، والكاتب في صحيفة الواشنطن بوست جمال
خاشقجي.
وتابع في المقال المنشور في موقع "
ذي
إنكويرار" وترجمته "
عربي21" إن الغضب لا يقتصر على ترامب لرفضه توجيه اللوم إلى ولي العهد
السعودي، محمد بن سلمان، الذي تعتقد وكالة المخابرات الأمريكية (السي آي إيه) أنه
هو الذي أصدر الأمر بارتكاب جريمة القتل داخل القنصلية
السعودية في إسطنبول، بل أيضا على الأعضاء المعتدلين المقبلين على التقاعد مثل السيناتور بوب كوركر.
وتتابع الكاتبة قائلة: "بل إن السيناتور
ليندسي غراهام، الذي غدا واحداً من المؤيدين المتزلفين لترامب، حتى قبل وفاة صاحبه
جون ماكين، يرفض بكل ازدراء إصرار البيت الأبيض على عدم وجود ما يثبت ارتباط ولي
العهد بالجريمة". وفي إشارة إلى فرقة الموت التي سافر أفرادها من الرياض إلى
إسطنبول مصطحبين معهم منشار عظم لتقطيع أوصال الضحية بعد ذبحه، يصر السيناتور
غراهام قائلاً: "الدليل في المنشار".
وتردف روبين: "أما السيناتور ريتشارد
شيلبي، ممثل الحزب الجمهوري عن ولاية ألاباما، فيصر على أن كل الأدلة تشير إلى ابن
سلمان، بل بلغ الأمر بغيرهم من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين شعروا بأنهم
خدعوا أن انضموا إلى ثلاثة وستين من أعضاء المجلس مقابل سبعة وثلاثين ليصوتوا على
بدء النقاش بشأن تقييد صلاحيات الرئيس الحربية التي تمكنه من مساندة السعودية في
الحرب التي تشنها داخل اليمن".
وتتساءل الكاتبة: "ما الذي جعل اغتيال
صحفي سعودي، يقيم في الولايات المتحدة ويكتب في واحدة من أهم الصحف الأمريكية،
يقلب مواقف هذا العدد الكبير من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، وهم اختاروا في
السابق التزام الصمت إزاء ما كانت تشهده السياسة الخارجية للبيت الأبيض من كوارث؟".
وتورد الكاتبة أربعة أسباب تشرح لماذا تجاوزت
تداعيات قضية خاشقجي بمراحل جريمة قتل بشعة ارتكبت بحق رجل واحد:
أولاً: تعامل ترامب المتغطرس مع مؤسسات الحكم
الأخرى عاد عليه أخيراً بالوبال. فلقد استشاط أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري
غضباً لشعورهم بأن ترامب يتعامل معهم كما لو أنهم حفنة من الحمقى – وخاصة بعد أن
تبين لهم مما توفر لدى وكالة المخابرات الأمريكية (السي آي إيه) من معلومات
استخباراتية بأن ولي العهد هو الذي أدار بنفسه عملية اغتيال خاشقجي. لقد أغاظ
غراهام وغيره من أعضاء المجلس الجمهوريين ما بدا من ضغط مارسه البيت الأبيض على
مديرة السي آي إيه جينا هاسبل حتى لا تشهد أمام مجلس الشيوخ بأسره. وبعد أن حضرت
أخيراً لتدلي بإفادة في جلسة مغلقة لمجلس الشيوخ، فقد صرح غراهام غاضباً بأن أولئك
الذين أنكروا تورط ولي العهد "لابد أنهم اختاروا العمى عن سابق إصرار وترصد".
ثانياً: يبدو أن العديد من أعضاء مجلس الشيوخ
الجمهوريين خلصوا أخيراً إلى أن ترامب ربط سياسته في الشرق الأوسط بأمير أرعن فشل
فشلاً ذريعاً في إنجاز ما أوكل إليه. لقد جر محمد بن سلمان أمريكا وورطها في
مساندته في سحق تمرد قبلي داخل اليمن بحجة أن ذلك سيؤدي إلى احتواء إيران. إلا أن
ما حصل بدلاً من ذلك هو أن الحرب الجوية التي لا تلوح لها في الأفق نهاية دفعت
متمردي اليمن من الحوثيين إلى الاقتراب أكثر فأكثر من طهران وخلفت كارثة إنسانية
مذهلة.
وعن الحصار على قطر، قالت الكاتبة إن
ابن سلمان
"عمد إلى إحداث شرخ داخل ائتلاف دول الخليج، والمفترض أنه يشكل رأس حربة في
مواجهة طهران، وذلك من خلال فرض حصار على دولة قطر. ثم قام بكل طيش باختطاف رئيس
وزراء لبنان في محاولة فاشلة لتقويض حزب الله. وعلى الرغم من بعض التعاون الأمني
مع إسرائيل في مواجهة عدوهما الإيراني المشترك، فلم يتمكن محمد بن سلمان من تحقيق
شيء من آمال ترامب في أن يصبح عراب خطة سلام في الشرق الأوسط".
وتتابع: "يضاف إلى ذلك ما قام به الأمير
من قمع غير مسبوق بحق رموز المعارضة المعتدلين والسلميين في المملكة ومن اعتقال
وسجن لهم، حتى طال ذلك عدداً من الناشطات من النساء اللواتي قدن الحملة دفاعاً عن
حق النساء في قيادة السيارات، الأمر الذي يكشف زيف ادعاء محمد بن سلمان بأنه
إصلاحي يسعى إلى التحديث".
وتنقل الكاتبة عن الباحث في معهد بروكنغز ومؤلف
كتاب "ملوك ورؤساء: المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة منذ عهد
الرئيس فرانكلين روزفيلت"، بروس ريديل، قوله: "لقد تراكمت أخطاء ابن
سلمان، ثم وقعت جريمة قتل خاشقجي. وكانت وكالة المخابرات الأمريكية (السي آي إيه)
قد نصحت البيت الأبيض بأنه سيكون من الخطأ وضع جميع البيض في سلة محمد بن سلمان".
وتنقل عن غراهام أن "محمد بن سلمان عبارة
عن كرة هدم وتدمير في المنطقة، ويهدد مصالح أمننا القومي في العديد من الجبهات".
أما السبب الثالث فتتابع
روبين: "ثالثاً: يعامل ترامب المملكة العربية
السعودية كما لو أنها الشريك الأكبر في هذه العلاقة بينما الولايات المتحدة هي التي تستجدي. وهذا أيضاً مما يغضب أعضاء مجلس الشيوخ".
وأشارت الكاتبة إلى أنه بالرغم من أن إنتاج
السعودية من النفط ما زال أمراً معتبراً على المستوى العالمي، إلا أن ارتفاع معدلات
إنتاج النفط الأمريكي غيرت من المعادلة. وبالرغم من تباهي محمد بن سلمان بمصافحته
للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة العشرين الأخيرة، فإن السعودية لم تزل تعتمد
عسكرياً وأمنياً على الولايات المتحدة للحصول على السلاح والتدريب.
وشددت على أنه بالرغم أيضا من أن التحالف مع
المملكة العربية السعودية كبلد أمر مهم، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يحول دون أن يقف
ترامب بالمرصاد لما يصدر عن الأمير الأرعن من سلوك خطير.
أما رابعا، فقالت روبين إن دفاع ترامب
المستميت عن محمد بن سلمان يفتح الباب على مصراعيه أمام التكهنات حول دوافعه
الحقيقية. هل مرد ذلك إلى انبهاره بالطغاة المستبدين وإلى الأبهة والحفاوة القبلية
التي استقبل بها عندما زار المملكة العربية السعودية؟ أم إنها العلاقة الوثيقة
التي تربط صهره جاريد كوشنر بولي العهد محمد بن سلمان، وهي العلاقة التي كان من
المفروض أن تضمن إنجاز خطة سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ولكنها أخفقت في
تحقيق ذلك؟
وتتابع: "لا يفتأ ترامب يشير بأسلوبه
المعتاد إلى ما يفترض أنها صفقات سلاح بما قيمته 110 مليارات دولار أبرمها مع
المملكة. إلا أن تلك أخبار كاذبة. لأن ما يتحدث عنه مجرد خطابات نوايا وليس
عقوداً، بل إن معظم ما هو مقترح بدأ الحديث عنه في عهد إدارة أوباما. بمعنى آخر، لا
يوجد جديد في الأمر، ولا يوجد ما هو قطعي بهذا الشأن".
أما التفسير الآخر بحسب الكاتبة فهو "حصوله
على مكاسب شخصية. ويذكر في هذا المجال أن جماعات الضغط الممولة سعودياً دفعت أجرة
مئات الغرف في فندق ترامب بعد انتخابات 2016، بحسب ما أوردته صحيفة الواشنطن بوست،
وقدر ذلك بمائتين وسبعين ألف دولار. ولكن هل يكفي هذا المبلغ لشراء ترامب؟".
وتختم روبين مقالها بأنه أياً كان السبب، على
كل حال، فقد باتت قضية خاشقجي مثالاً آخر على سوء تقدير ترامب لحاكم مستبد، وكذلك
على سوء تقديره للمدى الذي سيظل خلاله معظم أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين
يمارسون دور الخانعين الأذلاء. ولذلك فقد بات من المتوقع أن يمارس المزيد من الضغط على
البيت الأبيض لوقف الدعم الممنوح للحرب في اليمن.
لقد فتح تمسك ترامب بأمير أرعن الباب على
مصراعيه لمزيد من الارتياب، وبشكل علني، بحق رئيس أرعن يعاني من سوء تقدير خطير
للأمور.