مقالات مختارة

دروس الربيع العربي

عاصم منصور
1300x600
1300x600

لم يتأخر ربط الأحداث في الجزائر والسودان، والتي وصلت إلى عتبة الثورات الشعبية، بمصطلح الربيع العربي، سواء من قبل جهات في هذين البلدين، أو في دول الربيع العربي، أو في الإعلام العالمي، ليس ثمة نزاع بأن هناك عوامل محلية حفّزت على الثورة في كل من الجزائر والسودان في هذا التوقيت، وكانت مستفزة لقطاعات شعبية واسعة، ولكن ما تزال هناك مشتركات كثيرة في شتات الدول العربية في الظروف والثقافة والمشاعر.

تتطور الأحداث على نحو متسارع في الجزائر، وبوتيرة أضعف في السودان، ويبدو أن هناك أحداثا مفصلية في الأسابيع القادمة، نبتهل إلى الله أن تكون في صالح البلدين العزيزين والأمة.

 وإذا كانت النتائج والخلاصات والتبعات للسنوات الثمان السابقة، والتي ستؤثر كثيرا في الفكر السياسي في العالم العربي، لم تتضح بعد، إلا أن ما جرى من تداعيات مؤخرا توفر مؤشرات مهمة، يمكن رصدها حول ما يمكن أن يكون قد رسخ لدى الشعوب والنخب من دروس السنوات القاسية، ورغم أن الأحداث ما تزال تتوالى، وأن الأحداث السابقة قد بينت كما من الأمور قد خفيت على المراقب والمشارك، إلا أن قدرنا أن نواصل المحاولة مرة بعد مرة، وهنا يمكن أن نشير إلى ثلاثة جوانب اهتم بها أكثر المتابعين هي: وسائل وأدوات التغيير، ودور الجيش، والقيادة الشعبية الجديدة.

كان شعار السلمية هو أكثر الشعارات التي نادت بها الجماهير في الجزائر والسودان بمناسبة ومن غير مناسبة، وعبّرت عنها أيضا السلطات الحاكمة، وكذلك المتابعون في الجوار والعالم، ما يظهر بجلاء أن هناك فكرا راسخا أو مزاجا قويا ضد الانجرار إلى العنف في العمل الثوري، وكان استدعاء ما آلت إليه الأمور في أغلب دول الربيع العربي حاضرا في هذا السياق، بالإضافة إلى الخبرات المحلية، وستكشف الأيام المقبلة مدى رسوخ هذه القناعات.

 المؤسسة العسكرية لها باع طويل في السلطات الحاكمة في السودان والجزائر، والوجه العسكري للسلطة ظهر مبكراً في ما بدا أنه رسالة إلى الثوار، ففي السودان تم إعلان حالة الطوارئ، واستبدال الإدارة المدنية بأخرى عسكرية شملت الحكومة والولايات، وفي الجزائر خرج قائد أركان الجيش الفريق قايد صالح وخاطب الشعب عدة مرات، فالسلطات في البلدين، مع تقديمها تنازلات مهمة، إلا أنها لوحت مبكرا بورقة الجيش القوية، فكثرت التكهنات عن مرشحين محتملين يتم تهيئتهم لموقع الرئاسة من داخل الأنظمة القائمة، وهم إما من الجيش أو بدعم من الجيش، والذي كان دوره حاسما في أحداث السنوات السابقة.

 اتضح أن الحراكات عالية السقف والثورات في الدول العربية لا تصدر عن الأحزاب والتيارات السياسية، إنما يطلقها جيل من الشباب تنوعت مشاربهم، وسوادهم من غير المنتمين سياسيا، مما جعل هذه الثورات بدون قيادة واضحة، فهذا الشرط اللازم لقيام الثورة، هو معضلتها في المواصلة، وتحديد الخطوة التالية بعد الاستجابة لمطالب رئيسية من نحو "عدم الترشح لولاية خامسة" أو "تجميد التعديلات الدستورية"، واطلاق المبادرات، والذهاب إلى الصناديق.

 تسير الجماهير اليوم في ثورتها بمشاعر قوية وبنشوة عارمة، وبدهشة مما حققته، ولكنها تعلم أن عليها أن تجيب على تحديات اليوم والغد، من نحو: تجنب حالة الفوضى وتفكيك الدول الوطنية، وتحقيق بدائل واضحة في التنمية والديمقراطية وصيانة الدولة والمجتمع.

 

نقلا عن صحيفة الغد الأردنية

1
التعليقات (1)
مصري جدا
السبت، 16-03-2019 02:47 م
من اهم الدروس حتمية وجود قيادة واعية ناضجة موحدة للحراك الشعبي حتى لا تتكرر خطأيا تجاربنا السابقة ،،، قيادة تمثله وتتحدث باسما تتفاوض من نيابة عنه ،،،