مقالات مختارة

الثورة يسرقها الجبناء..!

عبد الحميد عثماني
1300x600
1300x600

بعد قرابة الأسبوع من تقديم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الاستقالة رسميّا أمام المجلس الدستوري، ما يزال الأفق السياسي للحراك الشعبي في الجزائر غامضا، برغم وضوح الآليات الدستوريّة في حالة شغور منصب الرئيس وفق المادة 102 من الدستور.

ذلك أنّ الشعب يطالب منذ الأسبوع الثالث منتصف مارس برحيل كل رموز نظام بوتفليقة، ومن الطبيعي في أعراف الثورات السياسيّة أن لا يأتمن الخارجون على السلطة بقاياها للإشراف على مرحلة الانتقال والإصلاح للعبور نحو التغيير، وهو ما جسّده شعار "الباءات الثلاثة" أو بالأحرى "البلاءات الثلاثة".

وعليه صار من المستعجل جدّا إيجاد حلول تنسجم مع روح الدستور وتحقق رضا الشعب، باعتباره مصدر السلطة الأول، وهو التصوّر الذي شدّدت عليه قيادة الجيش كذلك منذ أيام، من خلال الاستناد إلى المواد 102 ثم 7 و8 من الدستور، رافضة بشكل قاطع أي مخارج أخرى تتجاوز الوثيقة الأسمى في تنظيم الدولة ومؤسساتها.

إذن يبدو واضحا حتى الآن، أن الشعب والجيش على وفاق وتناغم بخصوص خارطة طريق المستقبل، فالأول مصرٌّ على تحقيق كلّ مطالبه دون نقصان، وهي تتعدّى تنحّي الرئيس عن الحكم، بينما يؤيدها الثاني بقوّة وفق البيانات والخطابات التي عبّر عنها في الأسابيع الأخيرة.

وبالعودة إلى بيان الجيش الذي كشف عن تنظيم اجتماع مشبوه عشية الجمعة السادسة نهاية مارس، تظهر قيادة المؤسسة العسكرية رافضة رفضا قاطعا استنساخَ تجربة المجلس الرئاسي التي عاشتها الجزائر مطلع التسعينيات، سواء كآلية أو كأشخاص، ولا شكّ أنها محقّة في موقفها، لأنّ الفراغ المؤسساتي الانتقالي هو أسوأ الفترات في تاريخ الدول والشعوب في كافّة المجالات، وليس الجزائريون من تُخفى عليهم مساوئها المدمّرة، وقد اكتووا بجحيمها وظلمِها وخرابها.

إذن لم يعد من مخرج توفيقي، يجمع بين الإرادة الشعبيّة المعبّر عنها في مسيرات الحراك وموقف الجيش في التزام الدستور، تفاديا لأعباء الفترة الانتقالية، سوى ترحيل رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، وقبله رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، لفتح المجال أمام إمكانية استخلاف رئيس الغرفة العليا للبرلمان بشخصية وطنية توافقية تتولى رئاسة الدولة لاستكمال الاستحقاق الثوري، وفي المقدمة استحداث آلية مستقلة لتنظيم الانتخابات حتّى يختار الشعب بكلّ سيادة وحرية وشفافيّة رئيسه في غضون 90 يوما دون تأخير.

قد تُثار بعض الإشكالات الدستوريّة المرتبطة بتطبيق هذه المقاربة، لكن منطق الثورات يقتضي الانحياز إلى سيادة الشعب أولا، مهما تباينت القراءات والتفسيرات القانونية للإجراءات، لأنّ الأزمات السياسيّة تُحلّ عادة بمنطق سياسي، أما محاولات إخضاعها للنصيّة الدستورية فهي تعقّد الأوضاع وتطيل من عمرها المفترض لصالح المشاريع المشبوهة التي تتربّص بثورة الشعب.

حراك الجزائريين يمرّ بمنعرج حاسم، هو في تقدير العارفين بحركة التاريخ بمثابة "الثورة الكبرى" بعد إحراز النصر في "الثورة الصغرى"، تلتبس فيه الرؤى وتلعب خلاله أطرافٌ على تفريق الجماهير في ثنايا التفاصيل التي يسكنها شيطانُ الثورة المضادَّة.

وعليه، فإنَّ الدور الرئيس في هذه المرحلة المفصليّة من تتويج الهبّة الوطنية يقع على عاتق النخبة السياسية التي عليها أن توجِّه الشارع نحو المسار الصحيح، فهي تبدو متوجّسة من المستقبل دون أن تكون لها مبادرة قويّة ومسموعة، كما أنّ على الجيش مواصلة مرافقته للشعب حتّى النهاية، لأنّ مرور الوقت دون حسم سيكون في صالح "الدولة العميقة"، فهي وحدها التي تملك القدرة على المناورة والإنهاك بأساليب كثيرة.

عن صحيفة الشروق الجزائرية

2
التعليقات (2)
متفائل
الثلاثاء، 09-04-2019 06:58 م
لا جبن يضاهي جبن النخبة المتمسكة بجلابيب الأخطبوط ، أهي العدوى ، أم هو الخوف على المكاسب ، ما يميز التحاليل والأقاويل الخاصة بضيوف قنواتكم الفضائية الحرة كثيرا ، فكأنها تسوق لوكالة أنباء غارقة في مستنقع سلطة لم تعد تميز أنفها من فيها ، و رأسها من قاعدتها ، أهو المكر أم أن اخواننا باتوا مدمنين بسبب رائحة الكوكايين التي عبأت الرؤوس والجيوب والبطون ، فلم يعد أحد يعبأ بالنظام و المنظومة ، و لا حتى من يتحدث باسم الرئاسة أو الحكومة ؟
متفائل
الثلاثاء، 09-04-2019 11:55 ص
أيها السيد المحترم ، من يحترم ذاكرة التاريخ ، يجب أن يقر أن قيادة الجيش ابان تسعينات القرن الماضي هي من حمت المجلس الرئاسي المنقلب على ارادة الشعب ، وأخالك رجلا مثقفا على قدر كبير من حضور الضمير ، لذلك وجب قول الكلمة الفصل وهي أن الحل تحت راية الثورة المباركة لن يكون الا سياسيا وأن قيادة الجيش وجب أن تتعلم من الشعب أن تقف حدا فاصلا بين نافيتين ، كلاهما شر ، أما الأولى فقد وقفتها الجزائر الحبيبة منذ الاستقلال وبرهنت عليها مرارا و تكرارا ، وهي عدم التدخل في شؤون الاخرين ، أما الثانية فهي وجوب عدم تدخل الجيش في الشأن السياسي عموما والشأن الحزبي حصوصا ، لأن هذا المطلب هو الاستحاق الشعبي الأول وهو استحقاق سيادي ، وحضاري على طريق بناء دولة الحكم الراشد .

خبر عاجل