مقالات مختارة

قمة كوالالمبور والبحث عن تحالف إسلامي فاعل

سعيد الشهابي
1300x600
1300x600

مهما قيل عن القمة الإسلامية التي عقدت مؤخرا في العاصمة الماليزية، كوالالمبور، فإنها مبادرة نادرة جاءت في وقت تحتاج أمة المسلمين فيه لكسر الجمود السياسي الذي تعيشه. فمنذ سنوات طرحت فكرة مشروع حلف إسلامي فاعل يمارس دورا على الساحة الدولية، ويوفر للمسلمين قدرا من الهيبة والمكانة، ويعمق مفهوم الاستقلال والقوة الذاتية.


صحيح أن هناك منابر تتحدث باسم الوحدة، وفي مقدمتها منظمة التعاون الإسلامي، وهو الاسم الجديد لما كان يسمى «منظمة المؤتمر الإسلامي»، ولكنها لم تكن فاعلة أبدا، بل تحولت تدريجيا إلى منابر وأسماء لخدمة سياسات بعض الدول، وانفصلت تدريجيا عن هموم الشعوب العربية والإسلامية وقضاياها المحورية. منظمة التعاون الإسلامي لم تعد فاعلة، ولا يكاد يشعر أحد بوجودها، وقممها النادرة الانعقاد أصبحت كالجامعة العربية من حيث الجمود وعدم التأثير. فأين هي هذه المنظمة من الكارثة التي عصفت بمسلمي بورما (الروهينغا)؟ أين قمتها الطارئة لمناقشة هذه الأزمة؟ أين هذه المنظمة من قضية كشمير التي أعلنت الهند قبل شهرين ضمها تماما لها بعد أن كانت تعيش ضمن حكم ذاتي واضح؟ أين هذه المنظمة من الجرائم التي ترتكب يوميا ضد فلسطين وأهلها؟ فلا يكاد يمر أسبوع دون سقوط شهيد أو أكثر على أيدي قوات الاحتلال؟ أين منظمة التعاون الإسلامي من تهويد القدس وتهديد المسجد الأقصى؟ في ظل هذا الغياب أصبح السكوت على الوضع شراكة في تداعيه، الأمر الذي يعتبر خذلانا لأكثر من مليار ونصف من المسلمين. هذه الأمة المترامية الاطراف، اصبحت هامشية لا يعبأ الآخرون بوجودها، بل اصبح الإسلام الذي يفترض ان يكون أساس وجود المنظمة، مستهدفا بوضوح وإصرار.

 

فظاهرة الإسلاموفوبيا (التخويف من الدين الإسلامي وتشويهه) تمارس على نطاق يومي، حتى من زعماء الدول التي تربطها علاقات ودية مع زعماء منظمة التعاون الإسلامي. والتمييز العلني ضدهم أصبح سياسة ثابتة تمارسها دول تعتبر «صديقة» للدول الأعضاء بالمنظمة. وما قرار الهند الأخير بمنع منح الجنسية الهندية للمسلمين الهاربين من الدول المجاورة، إلا نتيجة استبعادها حدوث ردة فعل ذات أثر من قبل منظمة التعاون الإسلامي.


هذه الحقائق لا يمكن أن تكون خافية على زعماء دول المسلمين، خصوصا الكبرى منها. فأين هو الدور التركي؟ أو الإيراني؟ أو الباكستاني؟ أو الإندونيسي؟ خصوصا في إطار عمل المنظمة؟ كيف تم تحويلها إلى دائرة خاصة لبعض الدول لمنافسة مناوئيها من خلالها؟ بالإضافة لذلك لا وجود لدعوة من داخل المنظمة لإصلاح أوضاعها بالشكل الذي يعيد لها شيئا من النفوذ والتأثير. فإذا لم يحدث ذلك، فما جدوى وجود منظمة التعاون الإسلامي؟ خصوصا إذا أخذ بعين الاعتبار استمرار المماحكات بين الدول الإسلامية الكبرى نفسها؟ لقد أصبح وجودها رمزا لنفوذ المال النفطي الواسع، وإن لم تكن لدى هذا المال وأصحابه أجندة إصلاحية على مستوى الأمة كلها. وما كان يراد لها أن تكون كذلك. لا بد أن يكون هناك من يمثل المسلمين الذين يبلغ عددهم ربع سكان العالم. صحيح أن بعض التحالفات الإقليمية ربما تلاشت أو انكمش دورها ونفوذها، ولكن ما تزال هناك تجمعات ومحاور سياسية تسعى لحماية دولها وشعوبها من جشع الغير.


في السابق كانت هناك محاولات توحيدية ليس على مستوى المسلمين فحسب، بل لحماية مصالح شعوب العالم الثالث وتجنيبها الصراع في حقبة الحرب الباردة. فكان هناك مؤتمر باندونغ في 1955 الذي نجم عنه تأسيس منظمة عدم الانحياز، وكان هناك التعاون الآفرو- أسيوي. كانت الشعوب آنذاك ومن ضمنها الشعوب الإسلامية، تتطلع للتحرر من الاستعمار من جهة وضمان عدم الانحياز لأي من المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي من جهة أخرى. فالشعور بالحاجة للعمل المشترك بين الدول المتقاربة في التوجهات الفكرية أو السياسية أو حتى العرقية، كان عميقا، خصوصا مع وعي تلك الشعوب بضرورة التصدي للتحديات الخارجية التي تمثلها القوى الاستعمارية آنذاك. صحيح أن الأيديولوجيا أدت في تأطير التحالفات، ولكن الشعوب بقيت وفية لأهدافها التحررية بشكل عام.


واذا كانت فكرة الجامعة الإسلامية التي طرحها المفكرون منذ أكثر من قرن قد نالت استحسان الكثيرين، فإن عدم تحققها كان خيبة أمل كبرى. يومها كانت الأمة تعيش واحدة من لحظات هبوطها الحضاري ونفوذها السياسي، بينما كانت القوى الاستعمارية تشق طريقها إلى المنطقة، طامعة في بسط النفوذ السياسي والاستفادة الاقتصادية من النفط الذي كان في طور الاكتشاف. وما أن ألغيت رسميا «الخلافة الإسلامية» في 1923، حتى فرضت على الأمة ايديولوجيات تعمق سياسات التقسيم والتجزئة. فطرحت القوميات (التركية والفارسية والعربية) بديلا للإسلام الجامع، وانتهى مشروع الخلافة الجامعة لشمل الأمة، واستبدلت بنظام الدولة القطرية الذي منع قيام وحدة حقيقية بين شتات العرب والمسلمين.

 

ولم يؤد مشروع الوحدة العربية إلى التوحيد الحقيقي، بل انقسم العرب على أنفسهم خصوصا بعد الضربات العسكرية المتلاحقة منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين قبل أكثر من 70 عاما. يومها كان مشروع الجامعة العربية قائما في ظل الوجود الاستعماري خصوصا البريطاني في المنطقة. وفي أجواء الحرب الباردة، بدا للكثيرين أن الجامعة العربية منحازة نحو الاتحاد السوفياتي، لأن قادتها تضامنوا مع قوى التحرر الوطني في العالم الثالث. فكان جمال عبد الناصر رمزا لذلك التوجه الشعبوي الذي فرض نفسه في الشوارع والساحات في أقطار العالم العربي كافة. يومها كانت أمريكا ومن هو محسوب عليها تسمى «القوى الرجعية»، ولم يكن مستساغا أن يتحالف أحد معها. في تلك الأجواء تأسست منظمة المؤتمر الإسلامي في أيلول/سبتمبر 1969 لتكون، حسب ديباجتها «الصوت الجماعي للعالم الإسلامي»، وأنها تهدف لـ «حماية المصالح الحيوية للمسلمين». كان الملك فيصل بن عبد العزيز واضحا في ما يريد: صوتا إسلاميا محافظا في مقابل عروبة ثورية. ومع تغير ظروف العالم العربي في السنوات الخمسين الماضية، أصبح الوضع الراهن يتميز بالجمود على الموروث السياسي.


الواضح أن هناك عجزا لدى النخب الحاكمة في العالمين العربي والإسلامي عن كسر الجمود المستشري في العالم الإسلامي، ومن أسباب ذلك ما يلي: أولا: تغليب المصلحة الذاتية على المصالح الجماعية، ثانيا: رغبة بعض الجهات المتنفذة ماليا في الهيمنة على الشأن العربي والإسلامي العام، ثالثا: عجز هذه الأنظمة عن تطوير أدائها بما يتناسب مع مستلزمات التطور ومراعاة تغير التوجهات، رابعا: بروز حالة التنافس على حساب التعاون والتضامن والتكامل. وقد جاءت قمة كوالا لامبور لتؤكد ما يلي: الأول: شعور بعض حكام الدول الإسلامية الكبرى بضرورة القيام بمسؤولية التغيير والتطوير لكسر الجمود، الثاني: تعمق الشعور بعدم فاعلية ما هو قائم من تحالفات أو تجمعات إقليمية، خصوصا منظمة التعاون الإسلامي التي أصبحت تابعة لبعض الحكومات، ويستحيل على أي طرف آخر التأثير على مسارها. ثالثا: الإحساس بالحرج من تداعي موقع الأمة ومواقفها إزاء التطورات الإقليمية، وسعي البعض لجرها لاتباع سياساتها، خصوصا في مجال التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، والصمت على ممارساته كتهويد القدس، والتخطيط لهدم المسجد الاقصى، والتوسع في بناء المستوطنات في الأراضي التي يفترض أنها تابعة للسلطة الفلسطينية، وتصاعد جرائم قتل الفلسطينيين بدم بارد دون توقف.

 

(القدس العربي اللندنية)

0
التعليقات (0)